رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأديان وقبول الآخر


الله الواحد الذى خلق هذا الكون وهو دبره وهو الذى خلق الإنسان وأحبه، ففضله على سائر كل مخلوقاته، وكان آدم هو الأب الأول للإنسانية حتى يكون جميع البشر لهم أب واحد يجمعهم تحت نسب السلالة الإنسانية، وحب الله للإنسان جعل هناك من يقود البشر ويلهمهم إلى الطريق الصحيح والسلوك القويم وإلى معرفة الخير والشر حتى يعيشوا فى سلام فى هذا العالم ويضمنوا الجزاء الحسن فى الآخرة.
فكانت الآيات وكثر الرسول وعملت الأنبياء حتى جاءت الديانات السماوية وكان هذا يتوافق مع الطبيعة البشرية وحسب قدرتها على الاستيعاب، ثقافة وفكرًا وقبولاً.

وهذا يعنى أن كثرة الرسل واختلاف العقائد وتعدد الأديان كانت بإرادة الله فالجميع يعبد الله، على طريقته وحسب معتقده بل كانت حكمته الإلهية أن أعطى الحرية للإنسان أن يعبده أو لا يعبده، وقد أعطى الله حبه ووزع خيراته وأفاض بنعمه على الجميع الأخيار والأشرار، لأنهم جميعًا أبناؤه وهو من خلقهم، كما أن الله وحده دون غيره الذى سيحاسب الجميع، أن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد، ولأن البشر أبوهم واحد وأصلهم واحد كانت الحضارات التى صنعها الإنسان تتواصل وتتحاور وإذاكان الله الواحد هو الذى بعث الأنبياء وأراد التعددية الدينية التى جوهرها عبادة الإله الواحد لذلك فالأديان تتحاور وتتواصل وتتكامل.

نعم من الطبيعى وحسب طبيعة الإنسان وذاتيته المسيطرة دائمًا أن ينحاز الإنسان لرأيه ويتمسك بما يعتقد فما بالك بالمعتقد الدينى فكل إنسان يؤمن بصحة معتقده وبسلامة وصحيح دينه وهذا حق وأمر طبيعى، نعم كل صاحب دين يؤمن أن دينه هو الحقيقة المطلقة ولا غرابة فى ذلك، ولكن وهذا هو الأهم فلأن مصدر الأديان واحد وهو الله سبحانه وتعالى فإذا كان هناك خلاف بين الأديان فى بعض المعتقدات وهذا طبيعى أيضًا ولكن بلاشك فالمقاصد العليا والقيم والمبادئ لا تختلفًا كما أن تعدد الأديان والإيمان المطلق لأصحابها فهذا لا يبرر لكل أصحاب دين أن يتعاملوا مع الآخر بأنه الكافر الزنديق الذى لا يعرف الله وأنه العدو الدائم والخطر الداهم طوال الوقت.

فهذا هو التنطع والانغلاق، وهنا تستحيل الحياة لأن هذا الفهم وذاك السلوك يجعل كل دين عدوًا للآخر بل ينفى العلاقة الجوهرية التى أرادها الله لأجل التكامل الأديان تتكامل ولكن الآراء الذاتية الهادفة للمصلحة والمتدثرة برداء الدين والاجتهادات المتطرفة التى لا تساير التغيير والتطور واختلاف الزمان وتباين المكان هى التى تذهب بعيدًا بالنص إلى غير ما يقصد به وتصور الأمر وكأن الأديان تتناقض وتختلف وتتصارع، فهل أراد الله للأديان وللإنسان ذلك؟ وهل حب الله للإنسان وتفضيله وإغداق نعمه عليه جعل الأديان لشقائه أم لسعادته؟ ولذا نرى هؤلاء المتنطعين والمتطرفين من كل دين يرفضون الآخر ويعتبرونه العدو الذى يجب التخلص منه، بل نرى هذا التنطع ليس بين أصحاب الأديان فقط ولكننا نرى بين أصحاب الدين الواحد، فالقتال بين الكاثوليك والبروتستانت الذى راح ضحيته ملايين البشر فى حرب الثلاثين عامًا فى القرن السابع عشر نرى نفس المشهد وذات المأساة بين السنة والشيعة.

وهذا يعنى أن كل طرف وكل جماعة تتصور أنها هى الفرقة الناجية الوحيدة وأنها هى التى تمتلك وحدها الحقيقة المطلقة، وعلى ذلك وبالرغم من ذلك مازلنا نرى من يفتى بعدم المعايدة على المسيحيين فى عيدهم لأنهم كفار ولأن عيدهم كفر ولأن من يقوم بالمعايدة عليهم يصيبهم هذا الكفر، ناسين النص القرآنى الذى يوصى بالمسيحيين الذين منهم قسيسين ورهبانًا وأنهم لا يستكبرون، نسى هؤلاء أن الإسلام أعطاه حق الزواج من المسيحية على أن تظل على مسيحيتها ومع ذلك وصل تنطعهم بأن أفتوا بعدم المعايدة عليهما لأن علاقة الزواج بينهما هى نوع من الاغتصاب! ناسيين علاقة الإسلام والرسول والصحابة بغير المسلمين، فهل هذه الآراء المتعصبة وتلك الفتاوى المتطرفة تمثل سماحة الإسلام؟ وهل رفض الآخر الدين بهذا الشكل المتخلف والمتناقض مع القيم الإسلامية ومع إرادة الله الذى أراد هذا التنوع يعنى فهمًا صحيحًا للدين؟ وهل رفض الآخر الدين ومحاولة تضييق المنطقة كلها من غير المسلمين مثلما يحدث الآن فى العراق بتصفية وقتل وتعذيب للمسيحيين والإيزيديين ومثلما يحدث فى ليبيا من قتل وخطف واحتجاز للمسيحيين المصريين وما حدث الأسبوع الماضى من قتل لأسرة الطبيب وزوجته وابنته وخطف العشرات كونهم مسيحيين وقتلهم على أساس الهوية الدينية بل تصريح كثير من الجماعات المسلحة بأنهم لا يريدون تواجد مسيحى واحد على الأراضى الليبية فهل هذا لصالح الإسلام وسمعته؟ وهل هذا هو الإسلام الذى تعايش مع الآخر والذى تعايش معه الآخر أكثرمن أربعة عشر قرنًا من الزمان؟ أليس هذا يعنى الإساءة للإسلام وتأكيد لما يسمى بالإسلامفوبيا المنتشرة فى الغرب الآن؟ الأديان حب وسماحة والله هو الذى أراد هذا فهل هناك من هم أوصياء على الأديان التى أرادها الله لهذا الحب وتلك السماحة؟ وهل يمكن أن نحقق أى تقدم فى بلادنا وفى المنطقة وأنفرض وجودنا ونؤكد دورنا للعالم فى ظل هذه الممارسات المختلفة؟ لا أحد وصى على الدين بل الدين هو الوصى على، البشر كفى متاجرة بالأديان، كفى تلاعبًا بالمشاعر والعواطف الدينية، كفى استغلالاً لحالة التدين المتجذرة فى المنطقة، الدين يسر لا عسر حب لا كره الدين قسط لا قهر.

«إنما ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين»

■ كاتب وبرلمانى سابق