رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أنقذوا الصناعة المصرية.. الحديد والصلب «2»


ينص الدستور المصرى فى الفصل الثانى باب المقومات الاقتصادية على التزام الدولة واهتمامها بكل مجالات الاقتصاد المصرى. المادة 27 تنص على أن «النظام الاقتصادى يهدف إلى تحقيق الرخاء من خلال التنمية المستدامة والشفافية». كما تنص المادة 28 «الأنشطة الاقتصادية الإنتاجية والخدمية والمعلوماتية مقومات أساسية للاقتصاد الوطنى تلتزم الدولة بحمايتها». والمادة 29 «الزراعة مقوم أساسى للاقتصاد وتلتزم الدولة بحماية.

الرقعة الزراعية وتنمية الريف المصرى وتخصيص نسبة من الأراضى المستصلحة لصغار الفلاحين وشباب الخريجين..... وتلتزم بتوفير مستلزمات الإنتاج الزراعى والحيوانى وشراء المحاصيل الزراعية بسعر مناسب يحقق هامش ربح للفلاح». المادة 32 «موارد الدولة الطبيعية ملك للشعب تلتزم الدولة بالحفاظ عليها وحسن استغلالها وعدم استنزافها ومراعاة حقوق الأجيال القادمة، ولا يجوز التصرف فى أملاك الدولة العامة». المواد 33 و 34 «تحمى الدولة الملكية بأنواعها الثلاثة العامة والخاصة والتعاونية، وللملكية العامة حرمة لا يجوز المساس بها». المادة 42 «يكون للعاملين نصيب فى إدارة المشروعات وأرباحها». هذا غير المواد التى تنص على حق الشعب المصرى وفى القلب منه العمال والفلاحون، فى السكن والغذاء والصحة والتعليم والعمل والخدمات.

إذا كنا تحدثنا فى المقال السابق عن صناعة الغزل والنسيج، فسنفرد الحديث فى هذا المقال عن صرح عملاق من صروح الصناعة المصرية: صناعة الحديد والصلب. ولابد من أن نبدأ بأن حق الإضراب حق كفله الدستور المصرى للعمال، ونصت عليه العديد من المواثيق الدولية الموقعة عليها الحكومة المصرية. فقد نصت المادة 93 من الدستور المصرى على أن هذه المواثيق جزء من التشريع المصرى. الكلام هنا عن الإضراب الذى بدأ منذ أسبوعين لعمال الحديد والصلب فى حلوان من أجل تحقيق مطالبهم بعدما ضربت الإدارة عرض الحائط بمطالبهم وحقوقهم المشروعة، وكان على رأسها مطالب بتشغيل الشركة والأفران متهمين إدارة الشركة ورئيس الشركة القابضة للصناعات المعدنية بانتهاج سياسة متعمدة لتخسير الشركة وذلك عن طريق التقصير فى توريد الفحم اللازم لتشغيل الأفران، وعدم الاهتمام بتوفير الصيانة المطلوبة لجميع معدات الشركة، وضعف التسويق لبيع منتجات الشركة، مع وجود كميات هائلة من إنتاج المصنع بمخازن التشوين، وزيادة الأعباء المالية عن طريق الفحم المستورد بأسعار باهظة، مما أدى إلى توقف بعض خطوط الإنتاج بالكامل.

لاحظوا يا قارئات وقراء التشابه بين ما يحدث بين صناعة الحديد والصلب وما قلناه فى المقال السابق عن انتهاج نفس السياسة للقضاء على سياسة الغزل والنسيج من تعمد الإدارة تخسير الشركة، والاستغناء عن العمال وانتهاج مبدأ المعاش المبكر، وعدم تزويد الشركة بالخامات. إنه منهج فساد قطاع الأعمال الذى يضم 9 شركات قابضة، فعندما تجلس مع عمال الحديد والصلب تجد الكلام على لسانهم: هناك أربعة أفران للشركة، لم يتم تحديثها منذ إنشائها فى نهاية الخمسينيات، مما لا يمكن الشركة من المنافسة فى السوق بالمعدات القديمة المتهالكة. الذى يتم تشغيله هو الفرن 3 فقط ويشتغل بنصف طاقته، فهو ينتج الآن 300 ألف طن بدلاً من 700 ألف طن لعدم وجود الكوك وعدم تطوير الفرن. ويقول العمال إن تطوير الفرن سيؤدى إلى رفع إنتاجيته إلى مليون ومائة ألف طن.

كان بالشركة فى أوج ازدهارها 27 الف عامل، تم الاستغناء عن معظمهم ووصل العدد الآن إلى 12 ألف عامل، وخطة الشركة القابضة الفاسدة تقليصهم إلى 7500 عامل عام 2015. ويتكامل عمل شركة الحديد والصلب مع شركة فحم الكوك المجاورة لها. وبنفس الطريقة المرسومة والمعهودة فقد تم تقليص عدد العمال من 13 ألف عامل إلى 2450، ومطلوب تقليصهم إلى 600 عامل، مما يحمل العامل أعباء لا طاقة له بها. عندما أضرب عمال الحديد والصلب كانت لهم عدة مطالب على رأسها: 1 ــ إقالة رئيس الشركة القابضة للصناعات المعدنية.. 2 ــ صرف مجنب الحافز (ومصدره هو 7% يتم خصمها من حوافز العمال شهرياً لكى تصرف على أربع دفعات سنوية)، أى أن مصدر الحافز هو الخصم من الحوافز المصروفة للعمال. وللعمال ستة عشر شهرا حافزا لم يتم صرفها، بالإضافة إلى ثلاثة أشهر من السنة الماضية.

عودة العمال المفصولين العام الماضى نتيجة مشاركتهم فى الاعتصامات السابقة. تشغيل المصنع بكامل طاقته.

وإذا دققنا فى مطالب عمال الحديد والصلب والكوك، نجدها نفس مطالب قطاع الغزل والنسيج من مطالبتهم بتشغيل مصانعهم بكامل طاقتها، أى أنهم يريدون زيادة الإنتاج من أجل الوطن والتنمية وتوفيرالمرتبات والحوافز لهم فى نفس الوقت. ونجد أن العقبة التى تقف أمامهم هى نفس سياسات الفساد والخصخصة منذ عهد الرئيس والمخلوع مبارك، فلم يتغير شىء على أرض الواقع رغم الوعود التى نسمعها عن التنمية الإنتاجية الشاملة، وعن عودة المصانع، وعن أهمية دوران عجلة الإنتاج.. الكلام لا يبنى بلداً، نحن نحتاج إلى إرادة سياسية لحماية القطاع العام وإنشاء وزارة للقطاع العام تنهض به ليكون صرحاً للتنمية بدلاً من تبعيته لقطاع الأعمال الذى يتبع وزارة الاستثمار، وهى تعمل بخطى سريعة على تصفيته