رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قنوات الطعام.. لماذا؟! «2-2»


وهل علماء النفس ـ وهم ضمن لُحمة المجتمع المصرى ـ بعيدون عن التأثر بتلك الظاهرة؟ وهل سيعثرون على التشخيص الناجع والحاسم بعيدًا عن التنظير والتقعير فى اللغة التى لا يفهمها البسطاء من عموم الشعب المصرى العظيم؟ وحتى إذا عثر علماء الطب النفسى على الحلول الناجزة ووضعوا أصابعهم على «لُبْ» المشكلة وتداعياتها ؛ فكم سنستغرق من الوقت والجهد لاعتدال الميزان المائل، ونحن قومُ لا نجنح إلى التغيير السريع ونميل إلى الاحترام المُبالغ فيه لبعض «التابوهات» ونحسبها لا تقبل التغيير أو التعديل ولها ما يشبه القداسة.

وبالتأكيد.. نحن لا ننظر فقط إلى الجوانب السلبية فى الموضوع، ولا ننكر أن هناك ما هو إيجابى فى تلك البرامج من إضاءة معرفية بثقافات الشعوب فى التعامل مع الأطعمة ومكوناتها، والعناصر التى تدخل عليها من مواد نافعة للإنسان للتكوين الجسدى والعقلى؛ علاوة على تكوين ثقافة معرفية للمُقبلات على الزواج، الأمر الذى يتطلب المعرفة والإلمام بفنون «الطبخ» لتحسين الذائقة فى التعامل مع « المطبخ»، بل والتقليد لكل ماتنتجه تلك القنوات من أطعمة تتبادل البيوت المصرية مكوناتها، حتى ولو لم تتناسب والذائقة المصرية فى معظم الأحايين، وربما يكون هذا على حساب ميزانية المنزل واقتصادياته.

ولكن رغم كل هذا السرد والدخول فى المناطق السلبية والإيجابية فى الموضوع برمته.. يجب أن تكون لنا وقفة حيادية لطرح سؤال لابد منه.. هو: لماذا زادت تلك الظاهرة بالاهتمام بالطعام وأنواعه فى مصر بعد «الثورة»، وجنوح المجتمع بكل طوائفه إلى اللجوء لمشاهدة تلك البرامج بشغف بالغ؟ هل هو نوع من الارتداد لداخل النفس للهروب من حالة تشبه ــ أو هى ــ الاكتئاب بعينه، والعزوف عن مشاهدة برامج «التوك شو» التى امتلأت بكل أحاديث السياسة وامتلأت الشاشات بأخبار الدمار والقتل والدماء؟ والهروب من نفس الشخصيات التى تردد كلمات مُعادة ومُكررة ومُملّة ولغة متفذلكة متقعِّرة بعيدة عن إحساس ووجدان الشعب المصرى الذى يسعى إلى إيجاد الحلول الحاسمة، بدلاً من الاستماع إلى المشاكل نفسها دون إعطاء الحلول!! ومن هُنا.. انطفأت شاشات برامج التوك شو السياسية، وتوهجت شاشات الطعام بأصنافه وأنواعه.

وشهادة حق يجب أن تقال. حتى لانُتهم بأننا نعشق جلد الذات ـ فالمجتمعات الأوروبية سبقت مجتمعاتنا الشرقية فى الاهتمام أيضاً بظاهرة الطعام، ولكن المجتمع الأوروبى رصد علماء النفس مابه من خلل صارخ بزيادة حالات الانتحار.

إذن.. وجب علينا الوقوف طويلاً أمام تلك الظاهرة التى اجتاحت المجتمع المصرى.. خاصة بعد الثورة.. وهجوم موجات الاكتئاب على الشباب خاصة.. وهو الذى فقد كل مقوّمات «الحُلم» لصناعة المستقبل بإرادته.. وسط حالة التعتيم والإظلام والوقوف فى وجه طموحاته التى تتكسر على صخرة أفعال السياسة والسياسيين.

مركز اللغات والترجمة ـ أكاديمية الفنون