رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المجالس الشعبية المحلية.. الأهمية والدور


يشير واقع تفاعلات المشهد السياسى الراهن، إلى استمرار رغـبة جماعة الإخوان المسلمين وحزبها السياسى فى الاستحواذ والهـيمنة على جميع مقدرات ومؤسسات الدولة، الأمر الذى قد يؤدى إلى انفراط عـقد تحالف أحزاب التيار الإسلامى.

تعـتبر المجالس الشعبية المحلية فى الديمقراطيات الكبرى من أهم حلقات الإدارة المحلية أوالحكم المحلى، إن لم تكن أهمها على الإطلاق، حيث تُعتـبر حلقة الوصل بين المجتمعات المحلية والسلطة التنفيذية والتشريعـية فى الدولة، إذ تُعـد هى المسئولة الأولى عن التنمية الاقتصادية والعـمرانية والاجتماعـية لمجتمعاتها المحلية، بالمشاركة مع الأجهزة التنفيذية لوحداتها الإدارية، ومن هنا تتبوأ انتخابات هذه المجالس أهميتها وحيويتها، إذ تضع هذه الدول الضوابط والمعايير الدقيقة، التى تضمن إفراز العـناصر المؤهلة بما يضمن تحقيق المهام المنوطة لهذه المجالس بأعلى عائـد، وبما يحدث النماء والازدهار لمجتمعاتها المحلية.

وقد برز مفهوم الإدارة المحلية فى مصر عـقب حركة الجيش فى يوليو 1952، وصدر قانون الإدارة المحلية رقم 124 لسنة 1960، وظل هذا القانون قائماً بعـد أن خضع للعـديـد من التعديلات والتطورات، ثم استُبدل بقانون الحكم المحلى الصادر برقم 52 لسنة 1975، ثم تلاه القانون رقم 43 لسنة 1979، والذى تم تعديله بالقانون رقم 145 لسنة 1988، حيث استقر على أن يسمى بقانون نظام الإدارة المحلية حتى يتسق مع الدستور، هكذا تعـددت القوانين خلال فترة تُعد وجيـزة فى حياة الأمم والشعـوب، ومع اختلاط المفاهيم بين مفهوم الإدارة المحلية ومفهوم الحكم المحلى ارتبك الأداء، وقد ألـزم قانون نظام الإدارة المحلية السلطـة التنفيذية بتشكيـل مجالس شعـبية محلية على جميع مستويات الوحدات الإدارية للدولة (المحافظات – المراكز – المدن – الأحياء – القرى)، وحدد لها مسئولياتها واختصاصاتها.

وقد تم حل جميع المجالس المحلية فى أعـقاب ثورة 25 يناير 2011، ولم يتم إيجاد البديل المناسب الذى يمكن مشاركة السلطة التنفيذية فى الوحدات الإدارية أومراقبة أدائها والإشراف على موازناتها، ولا أظن أن هناك تفكيراً فى إجراء انتخابات عاجلة لهذه المجالس فى الوقت الراهن، ويبدو لى أنها لن تتم قـبل نهاية العام القادم أو فى بداية عام 2014، ذلك أن الدستور الذى سيقرر النظام السياسى والاقتصادى والاجتماعى للدولة، ما زال فى عـلم الغـيب، ولا يبدو أنه سيخرج من رحم هذا الغـيب قبل يناير سنة 2013، أى بعـد عامين من الثورة، كانعكاس للتفاعـلات السياسية الجارية والمحتملة، وكنتيجة لحكم القضاء الإدارى، الذى قد يحكم ببطلان تشكيل اللجنة التأسيسية الثانية لإعـداد وصياغة الدستور، حيث تم تشكيلها بنفس العـوار، الذى أدى إلى بطلان اللجنة الأولى، وحتى إذا لم يتم الحكم ببطلانها فإن الأمر سيستغـرق وقتا طويـلا لإحداث التوافق عـلى بعـض المواد الرئيسية التى لم يتم حسمها بعـد، ويدور بشأنها جدل شديد من جراء كثرة وحدة الخلافات بين أعضاء اللجنة، خاصة فيما يتعـلق بالنظام الانتخابى، فإذا كان الخلاف كذلك، فكيف يكون الحال عـندما يبدأ الحوار المجتمعى الموسع بشأن مناقشة مواد الدستور، ثم الاستفتاء الشعبى عليه، سيما أن البعض يدعو إلى إجراء الاستفتاء على كل مادة على حدة، حتى يمكن إحداث التوافق المجتمعى، ثم الدعـوة لانتخابات مجلسى الشعـب والشورى فى حالة الحكم ببطلان تشكيله، وربما أيضا تجرى انتخابات رئاسية جديدة كدعـوة البعـض إلى ذلك، فهل يمكن أن تبقى الوحدات الإدارية دون أن يكتمل بنيانها التنظيمى فى غياب المجالس المحلية التى حددها القانون؟

وما دمنا قد تذكرنا دور وأهمية المجالس المحلية، فمن الطبيعى أن تدور فى الأذهان بعـض التساؤلات الآن التى يتعـيـن طرحها وهى: هل يمكن أن يحدث تغـيير جذرى فى مجمل عـملية الانتخابات المحلية فى مصر؟ أم سيظل أسلوب إدارتها ودور الأجهزة المعـنية على نفس النهج الذى كان متبعا فى النظام السابق، وإذا كان هناك تغيير جذرى، فما اتجاهات هذا التغـيير؟ وما غايته؟

وقبل أن نجيب عن هذه التساؤلات، يتعـين أن نشير إلى الجانب الوصفى للانتخابات المحلية القادمة، إذ يمكن وصف هذه الانتخابات بأنها أول انتخابات حقـيقـية ستُجرى للمحليات منذ نشأتها، وبالتالى فإن نسبة المشاركة السياسية فى هذه الانتخابات ستكون أعـلى بكثير من مثيلاتها فى النظام السابق، ولعـل ذلك يعـد من أبرز اتجاهات التغيير، إلا أن نسبة المشاركة فيها ربما لا تكون على نفس درجة كثافة نسبة المشاركة السياسية فى الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية.

ويشير واقع تفاعـلات المشهد السياسى الراهن، إلى أن أحد أهم هذه التغـيـرات الجذرية فى عـملية الانتخابات المحلية الـقادمة، هى بروز ظاهـرة نشأة وتكوين التحالفات والتحالفات الحزبية المضادة، إذ تعـد هـذه الظاهـرة تحولا مهما فى حركية ونضج العـمل السياسى فى مصـر، فقد تؤدى هذه التحالفات إلى إثراء الحياة الحزبية، ونضج الفكر السياسى، كما يمكن أن يؤدى هذا التحول إلى نشأة وارتقاء أحزاب قوية، قادرة على المنافسة بكوادرها وبرامجها، مما يجعـل المجتمعات المحلية أمام بدائل حقيقية، يمكن أن يختار من بينها الأفضل، بما يتناسب مع مراحل العـمل السياسى، وبالرغم من إيجابية هذه الظاهرة إلا أنها قد تؤدى إلى تراجع أعداد المرشحين المستقلين بشكل كبير.

كما يشير واقع تفاعلات المشهد السياسى الراهن، إلى استمرار رغـبة جماعة الإخوان المسلمين وحزبها السياسى فى الاستحواذ والهـيمنة على جميع مقدرات ومؤسسات الدولة، الأمر الذى قد يؤدى إلى انفراط عـقد تحالف أحزاب التيار الإسلامى، وهو ما سيؤدى بالضرورة إلى زيادة التنافس بين هـذه الأحزاب، خاصة إذا ما تمكنت جماعة الإخوان المسلمين من فرض النظام الانتخابى، الذى حصلت بموجبه عـلى الأغـلبيـة فى الانتخابات البرلمانية السابقة، الأمر الذى قد يؤدى إلى حدوث بعـض التجاوزات، التى ربما تصل إلى حد العـنف، كما يمكن أن تشهد بعـض التدخلات من الكادر المحلى، خاصة فى القرى والنجوع من خلال أئمة المساجد والزوايا والعمد والمشايخ، وأعـضاء المجالس النيابية المنتخبة، وجماعات المصالح .

وصفوة القول، وترتيبا على ما تقدم، فإن الدور الرئيسى الذى يجب أن تلعـبه الأجهزة المعـنية، ويتعـين عليها أن تجيده، لإدارة الانتخابات المحلية فى مصر، هو تأمين جميع أطراف وعـناصر العـملية الانتخابية، من خلال ممارسة الحياد الحقيقى، وعـلى هذه الأجهزة إدراك أن الحياد هو الذى سيؤدى إلى توسيع رقـعـة ممارسة الديمقراطية، والحياد وحده هو الذى يمكنه أن يعـزز القيم الأصلية، فالحرية يمكن أن تتحقق من حرية الاختيار بين المرشحين، والعـدالة يمكن أن تتحقق عـند تهيئة الظروف المناسبة لهذا الاختيار، أما المساواة فيمكن أن تتحقق بتكافؤ الفرص أمام الجميع، ولعـل ذلك الإدراك يتطلب تغييراً جذرياً واستعـداداً فكرياً مختلفاً، ومنظوراً جديداً لتناول الأمـور، وفى غياب هذا الإدراك ستظل الانتخابات المحلية عـرضة للتدخلات والتزوير، وربما ستظل كذلك دوما، ما لـم يـتحقق مثل هـذا الإدراك والتغيير.

■ أستاذ العلوم السياسية ــ جامعة بورسعيد