رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إخوان الهدهد أم إخوان النمل ؟


فقدت جماعة الإخوان رشدها الدعوى بآفتين، الآفة الأولى هى التباهى بالكثرة والاستعلاء على الآخرين، وللحق فإن نظرة الإخوان لغيرهم لم تكن نظرة استعلاء، ولم يدع الإخوان فى مراحلهم الأولى أنهم وصاة على الأفراد والمجتمعات أو أنهم الأخ الأكبر

أو الأعقل للتجمعات الإسلامية، ولكن المرشد الأول حسن البنا آمن بأهمية تنوع العمل الإسلامى وسعى إلى العمل المشترك مع الجميع وأخذ يبحث عن «المشتركات» التى يمكن الاتفاق عليها والعمل بمقتضاها كما كان حسن البنا محرضًا للإخوان دائمًا على الاندماج مع كافة مؤسسات المجتمع ومع جميع أفراده والتواصل معهم إذ إن أفراد الإخوان من أبناء هذه الأمة يدينون بدينها ويتعبدون لله بما يتعبد به الآخرون، وكانت رسائل حسن البنا دافعة لهذا المنهج إلا أن الإخوان بعد النكبات التى تعرضوا لها فى الستينيات نشأت لديهم «عقدة جمعية» وهى عقدة الانعزال عن المجتمع والشعور بالاستعلاء على الآخرين وسبب هذه العقدة هو أن الجيل المنكوب من الإخوان شعر بخطر على التنظيم وخطورة على استمراريته فعمد بعد خروجه من السجون فى بداية السبعينات إلى بذل الجهد فى إعادة تشكيل التنظيم من جديد وإلى حمايته بجميع الطرق فكان أن ورثت الأجيال الجديدة من الإخوان عقدة الخطر القادم والتى خلقت حالة من العزلة عن التيار العام للمجتمع بل وصلت الأمور إلى حد «مفارقة المجتمع شعوريًا والانحصار داخل حوزة مغلقة لا تتواصل مع الآخرين» وذلك على حد تحليل د.أحمد كمال أبو المجد فى إحدى مقالاته وانتهى د.أبو المجد إلى أن هذا الانعزال خلق فقهًا خاصًا به أسماه «فقه العزلة» أو فقه «العمل السرى» وأظهر ما يميز فقه العزلة هذا هو شدة الإنكار على المجتمع والإنكار على أوضاعه ورفض تفهم القوانين الاجتماعية التى يخضع لها المسلمون ورفض أنظمة الحكم والنظرة الفوقية للآخرين باعتبار أن هؤلاء المنعزلين وصاة على الأفراد وعلى المجتمع.

تجد هذه النظرة الفوقية ظاهرة فى أدبيات الإخوان إذ يعتبر الحاج مصطفى مشهور رحمه الله فى كتابه «قضايا أساسية فى طريق الدعوة» كل من يبحث عن «القومية والوطنية والديمقراطية وغيرها من تلك المسميات ويشكل لها أحزاباً ويرفع لها رايات لتكون بديلا لشريعة الإسلام فإنه لن يصمد أمام الحق» !!.

ويعقد الحاج مصطفى مشهور فى كتابه «وحدة العمل الإسلامى» مقارنة بين مجتمع الإخوان الحالى ومجتمع الصحابة فيقول «إن هناك بعض التشابه فى الظروف التى تعيشها الدعوة حاليًا والدعاة إلى الله اليوم وما كان الحال فى فترة الدعوة الأولى وذلك من حيث الحركة بالدعوة وقرب الناس من الدعوة أو بعدهم عنها فنجد الذين يفهمون الفهم الصحيح الكامل للإسلام قلة من هذه الكثرة والمقصود فى كل كتابات الإخوان أن الدعوة هى حركة الإخوان وأن الذين يفهمون الإسلام فهمًا كاملا هم الإخوان.

هذا الشعور الانعزالى الفوقى جعل الإخوان لا يستطيعون التواصل مع الآخرين بالصورة التى دعو لها حسن البنا ولا يحاججنى أحد بأن الإخوان مندمجون مع المجتمع وأفراده ومتواصلون معهم بدليل خوضهم الانتخابات وحصولهم على أغلبية فى بعض النقابات ثم البرلمان ثم نجاحهم فى الرئاسة، ذلك أن هذا التواصل هو من أنواع الوصاية الفوقية فضلا عن أن الإخوان يفوزون فى الانتخابات على غيرهم لسببين الأول أنهم أصحاب خطاب إسلامى معلن يخاطب مشاعر عموم المسلمين ويستلهم طموحاتهم والثانى أنهم أصحاب فريق منظم تجاه مجموعة من الفرق والأفراد غير المنظمين.

أما الآفة الثانية التى أصابت حركة الإخوان فهى تسيد مفهوم الطاعة المطلقة داخل الجماعة، فمن أركان البيعة لدى «الإخوان المسلمين» ركن الفهم وركن السمع والطاعة، وجماعة الإخوان مثلها مثل أى جماعة ذات حوزة مغلقة تسعى إلى الحفاظ على كيانها من التفتت وإلى ضمان تنفيذ القرارات الفوقية فكان أن وضع حسن البنا ركن السمع والطاعة وركن الثقة فى القيادة من ضمن أركان البيعة إذ دونهما لن تكون للقيادة أيا كان موقعها تأثير أو نفاذ، إلا أنه وضع بجوار ركن السمع والطاعة ركنا آخرا هو الفهم .

والناظر لحركة الإخوان فى الحقبة الأخيرة يرى أنها تخلصت تمامًا من ركن الفهم وتحوصلت حول ركن «السمع والطاعة» وركن «الثقة فى القيادة» وقد استترت قيادات الإخوان خلف هذين الركنين فى معظم ما أصدروه من قرارات وسهل تمرير القرارات أو تزويرها وذلك تأسيسا على أن الإخوان هم «جنود الدعوة» ولذلك ليس عليهم إلا السمع والطاعة وأنهم يجب أن يثقوا فى حكمة القيادة لأنها «ترى ما لا نرى وأحيطت بما لم نحط به وأننا ننظر إلى جانب واحد فى حين أنها تنظر إلى جميع الجوانب» .

وبذلك وبمثله أصبحت كلمة «إخواننا فوق» عبارة مقدسة لا يجوز المساس بها أو الاقتراب منها فـ «إخواننا فوق فى الدعوة» يرون مالا نستطيع رؤيته ويفهمون ما لا طاقة لنا بفهمه وفى وسط هذه الأجواء غاب الحق فى مناقشة القرارات قبل صدورها وتمركزت القرارات فى ثلاثة أفراد وهؤلاء الثلاثة هم «إخواننا فوق» وهم فى حقيقة الأمر ذلك الطلسم الذى استعصى حله على الجميع إذ كنت منذ نعومة أظفارى الدعوية أبحث عن «إخواننا فوق» إلى أن أتاحت لى الأقدار أن أكتشف ذلك الوهم الذى عشش فى عقول الجمهور الطيب وعرفت حل الطلسم الذى يصدر وحده تلك القرارات العجيبة دون أن يسعى لتدويرها أو مناقشتها أو أخذ الشورى شأنها متسلحًا بركن السمع والطاعة متشلحًا من ركن الفهم.

وإن كانت ثقافة السمع والطاعة قد طغت فى التكوين النفسى لمعظم الإخوان حتى باتت حاكمة ومتحكمة فى تصرفاتهم إلا أن هذه الثقافة لم تنجح إلا فى عسكرة المواقف الإخوانية وابتعدت بها عن الشفافية والوضوح وأصبحت بعض الملفات الإخوانية شديدة الغموض لا يستطيع أحد الاقتراب منها مثل ملف «ميزانية الإخوان» ورواتب الإخوة المتفرعين ومخصصات بعض القادة المالية ومصير الإشتراك الشهرى الذى يدفعه كل أخ عامل والنفقات التى تنفق فى الانتخابات وغيرها حتى إن أحدهم أقسم لى إن نفقات الانتخابات فى عام فاقت ما دفعه الإخوان فى ذات العام لانتفاضة الأقصى إلا أن كل هذه الانتقادات تظل مجرد آراء لأصحابها لأن ملف «الميزانية» ظل وسيظل بعيدًا عن المناقشة.

وبطبيعة الحال فإن ثقافة السمع والطاعة البعيدة عن الفهم والتى يسعى القادة إلى ترسيخ جذورها هى أبعد ما يكون عن الفهم الصحيح للإسلام.. وليس خافيًا على أحد من فقهاء وعلماء الإخوان أن هدهد سليمان ناقشه مناقشة الفاهم الذى لم يتوقف عند السمع والطاعة فقط وقال له فى جرأة «أحطت بما لم تحط به» النمل22.

ولكن ويا أسفاه عليهم، لا يستطيع أحد من شباب الإخوان أن يرتقى بنفسه ليكون مثل الهدهد، فهل أستطيع أن أقول لهم « كونوا مثل الهدهد « أو اقبعوا فى جحوركم مثل النمل ؟