رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر الريادة


الشعب يُقدّر جهد من يحترمه ويقدّره، ويسعى ويتحرك فى خدمته، ويضطلع بمسئوليته ومهام وظيفته من الرؤساء والمسئولين، لأن الركود لا يأتى بخير أبداً، وقد شبعت الأمة منه كثيراً. عاشت الأمة ولا تزال، فى ركود قاتل نتج عنه تخلف واضح، أعجزها عن التقدم أو حتى المحافظة على أوضاعها القائمة السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية زمناً طويلاً كانت فيه تتدهور يوماً بعد يوم.

استمعت إلى أو قرأت حديث الرئيس الدكتور مرسى فى مكة المكرمة(فى القمة الإسلامية) وفى الصين حيث ذهب للتعاون الاقتصادى والفنى، وطهران فى قمة عدم الانحياز، وهى كلها أحاديث ذات معانى جميلة، ولكن الكلام وحده لبعض العرب والمسلمين لا يكفى، أفأنت تسمع الصم؟اسمحوا لى أن أستخدم الكلمات المناسبة ولا ينبغى أن تغضب كلمة الصم أحداً، فبعضهم كما قلت انشغل بنفسه أو جعل نفسه فى خدمة أعداء الأمة أو جلب الاستعمار العسكرى لنفسه ولدولته، بعد أن رحل الاستعمار من كل الدنيا.

كما استمعت إلى حديث د.مرسى فى الجامعة العربية أمام وزراء خارجية الدول العربية، وهو أيضاً حديث جميل لفت نظرى فيه اهتمام الرئيس الإيجابى بالوضع فى سوريا، الذى يزداد سوءاً يوماً بعد يوم. كان حديث الرئيس مرسى عاطفياً وعقلياً ومنطقياً، ولكن لم يكن مقبولاً من الرئيس مرسى أن يقول للوزراء فى اجتماع الجامعة العربية: «افعلوا شيئاً لسوريا ونحن معكم». تذكرت قصة من أعماق الريف ملخصها، أن أباً سمع ابنه يقول للأولاد وهم يلعبون أنا مع من؟ فغضب منه أبوه وقال له ليس هكذا يابنى تكون الريادة والقيادة، إن أردت أن تكون قائداً كان عليك أن تقول للأولاد من منكم معى؟ الأولاد سيلعبون على أى حال ولكن دور كل منهم يجب أن يكون معلوماً، كنت أود أن تطرح مصر مشروعها التفصيلى لحل مشكلة سوريا المعقدة وفق المبادرة التى أطلقها مرسى نفسه والتى تضم إلى جانب مصر تركيا والسعودية وإيران.

كلمة مرسى للوزراء، «افعلوا شيئاً ونحن معكم»، لا أظن أنها تعبر عن مصر الأم الرائدة ولا تطلعات شعب ما بعد الثورة والنزوع إلى التفوق مع السعى إلى الاستقرار. جميل أن نقدم حكومة وشعباً كل مساعدة للسوريين طلاباً فى القاهرة فتعاملهم مصر كما تعامل المصريين، فضلاً عن مساعدات الإغاثة، واستقبال بعض اللاجئين أو المهاجرين وترتيب أماكن لائقة لهم حتى يعودوا إلى ديارهم وهم فى محبة ومودة مع المضيف، يقول الشاعر:

ولم أر فى عيوب الناس عيبًا .. كنقص القادرين على التمام

ونحن فى مسيرتنا نحتاج إلى أن نتخلص من مفعول بعض الأمثال العربية التى انتهى زمنها والتى تدعو للركود من قبيل: ليس فى الإمكان أبدع مما كان، أو اللى يجوز أمى أقول له ياعمى أو الباب اللى يجيلك منه الريح سده واستريح». إنما ينبغى على الدكتور مرسى من منطلق مسئوليته أن يدرك أمرين مهمين أولهما: إن النجاح ليس له سقف، والثانى: إن الصراع مستمر ومتطور ومطاطى ومدمر، وإذا لم نعرف مكانتنا أو قدرنا هبطنا أكثر فأكثر وتقدم غيرنا. وقد تعلمنا من أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما معناه، أن من ولى أحداً ولاية لمعرفة أو قرابة وهناك فى الأمة من هو أولى منه فقد خان الله ورسوله وخان المؤمنين، طبعاً القرابة هنا لها أكثر من معنى، ولا يغيب عنها قرابة العمل السياسى فى الأحزاب المختلفة.

لعلنا نستطيع أن نتخذ شعارات نطبقها فى المراحل القادمة، تحفز الهمم وتقوى العزيمة وتشيع العدل وتقضى على الفساد والأعراف البائدة، كنت أود أن أستخدم كلمة «الأعراف الجاهلية» بدلاً من «البائدة»، ولكننى خشيت أن يراها القارئ من الجاهلية التى نسبوها خطأً إلى الشهيد سيد قطب رحمه الله تعالى. والجاهلية عند سيد قطب هى قيم وأعراف فترة زمنية كانت قبل الإسلام، وكانت فيهم أعراف وصفات وطباع غير معقولة مثل وأد البنات، فجاء الإسلام يشير إلى هذه الأعراف على أنها سمات من سمات الجاهلية، وهى أى الكلمة ليست سباباً، وكذلك كلمة الكفر ليست سباباً، بل وصف لحالة تتعلق بالعقيدة.

قبل الشعارات الواجبة هناك كلمات لعلماء وفقهاء قد يكون لهم الفضل فى إيضاح ما أريد أن أقوله لمرسى رئيس مصر، وبقية الحكام العرب والمسلمين. فى قول ينسب لابن الجوزى جاء فيه: ينبغى لمن كان له أنفة أن يأنف من التقصير الممكن دفعه عن النفس، وهذا طبعاً يتفق تماماً مع بيت الشعر السابق أو ما معناه «نقص القادرين على التمام» ثم يقول ابن الجوزى فى رائعة من روائعه: «لو كانت النبوة تنال بالاجتهاد لعّد المرء مقصراً إذا قنع بالولاية». ليس هناك سقف للتنمية والتقدم والترقى فى مدارج الكمال، ولذلك فإن ما قاله الإمام حسن البنا فى رسالة التعاليم يجسد هذه المعانى ويوضح هذه الشعارات، حيث قال فى الأصل الثامن عشر من أصول الفهم العشرين «الإسلام يحرر العقل، ويحث على النظر فى الكون، ويرفع قدر العلم والعلماء، ويرحب بالصالح النافع من كل شىء، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها».

كلام واضح ودقيق، وهو شعار للناس جميعاً وليس للإخوان فقط أو الرئيس المصرى وحده، الإسلام يحرر العقل، يعنى أن من كان عقله مقفولاً أو ضيقاً ولم يحرره الإسلام أو عاش فى الإسلام بعقل لم يتحرر من الأوهام والقيود فلن يفيد الإسلام كثيراً، وقد يكون ضرره أكثر من نفعه، والإسلام يحث على النظر فى الكون، وهذا منتهى التقدم والرقى واستكشاف الأكوان التى سخرها الله تعالى لنا، فمتى نشرع فى هذا السبب الذى يؤدى إلى التقدم والترقى؟ ومتى تدرك الحركة الإسلامية ذلك بدلاً من الفتاوى الشاذة التى شغلوا العالم بها.

أما ابن القيم رحمه الله تعالى فيقول: «ينبغى على المسافر أن تكون له همة تسيّره وترقيه، وعلم يبصره ويهديه»، وبدون الهمة لا ينفع العلم، لأنه سيكون راكداً لا ينتفع الناس من صاحبه، وبدون العلم لا تنفع الهمة لأنها ستفقد البوصلة وتكون مثل الريح الهوجاء، وصاحبها لا يأتى بخير أينما يتوجه أو يوجهه غيره.

الكلمة التى قالها مرسى للوزراء بشأن سوريا: افعلوا شيئاً لسوريا ونحن معكم، لم تكن فى موضعها ولا ما يتطلبه الوقت إذ إننا فى سباق محموم بين النظام السورى الذى فقد شرعيته كاملاً بقتل المدنيين وكل العسكريين واغتصاب البنات وقتل الأطفال وتهجير عشرات الآلاف وتدمير مدن بأكملها، وذلك فى أجواء عربية وإسلامية لا تحترم آدمية المهاجر ولا ترعى كرامة اللاجئين إلا قليلاً.

ونحن أيضاً أمام معارضة سورية ليس لها قيادة واحدة، مما يذكرنى بما خسرته الثورة المصرية العظيمة بسبب عدم وجود قيادة واحدة لها فعجزت عن الإسهام فى صناعة القرار، ولم يكن لها دور قوى فى رسم المستقبل الذى يتصارع عليه فى مصر قليل من الثوار والأحزاب السياسية الجديدة منها والقديمة ويتصارع عليها بلا حياء كذلك الفلول وأتباع الثورة المضادة حتى يطهر المجتمع منهم ومن ثقافتهم وفسادهم.

كما أراد مرسى أن يبرئ ذمته وذمة مصر من تصدير الثورة حتى لا نتهم مثل إيران أو الخمينى، ولكنه أوقع نفسه فى إشكالية عجيبة بقوله «وندعم الشعوب لنيل حرياتها»، يدرك الرئيس مرسى أن دعم الشعوب معناه المساعدة فى الثورات ضد الحكام وعلى مصر أن تحدد موقفها، فهناك أيضاً الأغلبية الشيعية مع بعض أهل السنة هم فى ثورة ضد ملك البحرين وظلمه ولكن موقف مصر والعالم العربى من ذلك الصراع فى البحرين كان دائماً سلبياً. إن الظلم ظلم إن طال مسلماً أو غير مسلم سنياً أم شيعياً أم بوذياً.. والله لا يحب الظالمين