رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معالى النائب العام.. إليك هذا البلاغ ضد مرشد الإخوان المسلمين


من أقدس الضوابط التى ترتقى بالمجتمعات ضوابط القانون، خاصة إذا كان القانون متفقاً مع دستور الأمة مُعبراً عنه مُلتزماً بقواعد العمومية والتجريد، بحيث لا يعطى حقاً لفئة ويحرم فئة مماثلة من هذا الحق، وتطبيق القانون على كل أفراد المجتمع ليس ترفاً أو رفاهية بل هو من ألزم اللزوميات حتى لا تُترك العلاقات بين الناس، عائلية أو اجتماعية أو سياسية، فوضــــى ينظمها كل فرد وفق رغبته ومشيئته متحججاً بأن مقصده طاهر.

لذلك لا يجوز لشخص ما أو جهة أو هيئة أو جمعية أن تنفلت من رقابة القانون وضوابطه وأحكامه بدعوى أنها ذات غرض خيرى أو دينى أو دعوى حتى ولو وصل غرضها إلى أعلى درجات القداسة، فقداسة الفكرة لا تعطى حصانة لمن يدعيها، فالكل أمام القانون سواء، والناس سواسية كأسنان المشط، وقد يسلك «رجل الدعوة» أو «جماعة الدين» سلوكاً يصطدم بآخرين، والعصمة لله وحده، فيرده ويردها القانون إلى جادة الصواب، وربما تجمح «جماعة الدين» وهى بعيدة عن رقابة القانون وعين المجتمع فلا يردها إلى «الرشاد الدعوى» إلا القانون الذى ارتضته الأمة .

هذه مبادئ لا يجوز الإشاحة عنها أو الجدال فيها، استقرت فى الضمير الجمعى للأمة، وأصبحت أعلى وشائجه، لذلك شُرِّع نظام التقاضى، وحق الإبلاغ عن الجرائم، ومن أجل ذلك كانت رسالة النائب العام ونيابته عن الأمة فى الكشف عن الاعتداء على «الحقيقة القانونية»، ولا أخالنى مغالياً إذا قلت إن مهمة النائب العام هى أشق مهام العدالة، لاسيما حين يضطرب المجتمع، وترتبك المعايير، ويختلط الحق بالباطل، وحين يتدثر الباطل بثياب السلطة تصبح مهمة النائب العام أشق وأكدى، ولكن مهما كانت المشاق فإن النائب العام يحتملها لأنه يكتسب قوته من قوة القانون، وشموخه وحسمه من تفويض المجتمع له، ومضاءه من موقعه القضائى، وعدله من رسالة الحق التى يحملها .

ولأنه ليس لنا حين نرى البعض يستهين بالقانون ويزدريه ويجاهر بعدم الانصياع له إلا أن نلجأ لنائب المجتمع، النائب العام، نضع بلاغنا وأوراقنا أمامه، ونطلب منه الكشف عن جريمة ارتُكبت وما زالت تُرتكب، والتحقيق فيها واتخاذ اللازم بشأنها قانونا بحسب أنه صاحب الدعوى العمومية والمهيمن عليها، ولذلك فإننى يا سيادة النائب العام أقدم لك هذا البلاغ ضد مرشد الإخوان المسلمين محمد بديع عبد المجيد سامى يطلقون عليه المرشد العام لجمعية تسمى جماعة الإخوان المسلمين، ويشمل هذا البلاغ أعضاء مكتب الإرشاد، وقصة البلاغ يا سيدى المستشار هو أنه منذ عقود طويلة و«جماعة الإخوان المسلمين» تمارس نشاطها «كجمعية أهلية» دون أن يكون مرخصاً لها بذلك من الجهات المعنية، مخالفة بذلك أحكام القانون 84 لسنة 2002، وأصبح نشاط هذه الجمعية ظاهراً بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير بعد أن كان مستتراً وسرياً قبلها، فعمدت إلى اتخاذ العديد من المقار لها فى القاهرة وفى جميع المحافظات وأخذت فى تلقى الاشتراكات المالية من أعضا>ها والتبرعات دون أن تخضع لرقابة أى جهة مسئولة فى الدولة فبدت وكأنها دولة فوق الدولة ونظام فوق النظام، وزاد وغطى يا سيادة النائب العام أن كل سلطات الدولة وقفت بكل قوتها تدافع عن أمن هذه الجمعيات المخالفة للقانون والتى تمارس نشاطاً يعاقب عليه قانون العقوبات وقانون الجمعيات الأهلية .

وحين كان النظام السابق يلاحق هذه الجمعية أمام القضاء العسكرى وفقاً للمادة 86 مكرر من قانون العقوبات كنا وقتها- وكل الناشطين فى المجالات الحقوقية والسياسية- نقف معها ونؤازرها لا بحسبها لا تخالف القانون ولكن للمطالبة بمحاكمتها أمام القاضى الطبيعى لا الاستثنائى، إذ كنا وما زلنا نرفض محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى، وفى ذات الوقت كنا نختلف مع التوصيف القانونى للفعل المنسوب لأفراد هذه الجماعة وقيادييها.

وكان من الأحاجى السياسية التى تواجهنا هى : لماذا تصر جماعة الإخوان على مخالفة القانون فى هذا الصدد وعدم الانصياع له وهى التى تستطيع التقدم بطلب لإشهار جمعيتها وفقاً لأحكام القانون، وحتى لو رفض النظام السابق ممثلا فى جهاته المعنية تأسيس الجمعية ففى القضاء مندوحة لها؟ ولا يستطيع أحد من جماعة الإخوان أن يشكك فى طهارة وعدالة القضاء المصرى خاصة أن محاكم القضاء الإدارى سبق وأن أصدرت عشرات الأحكام التى تنتصر فيها لحقوق هذه الجماعة، كما أنها انتصرت لها عشرات المرات ضد تغول وافتئات السلطات عليها !! .

أما التكأة التى كانت تستند إليها جماعة الإخوان فهى أنها «جمعية قائمة» ولم يسبق لأى جهة أن قامت بحلها !! وبالتالى ووفقاً لمظنتها يحق لها أن تباشر أنشطتها دون أن تلقى بالاً لقوانين الجمعيات الأهلية التى صدرت بعد الجدل حول «قرار حل الجماعة» من عدمه !! إلا أن هذه التكأة فى حقيقة الأمر أوهى من أن تقف فى مواجهة «الحقيقة القانونية» فلكى يثار الجدل حول «قرار الحل» يجب أن نبحث أولاً عن قرار «الإنشاء والترخيص»، أين هو قرار إنشاء هذه الجمعية؟ وأين هو ترخيصها أصلاً؟، وما هى الجهة التى رخصت لها بالعمل؟ وتحت أى مظلة شرعية أوجدت نفسها؟ القدر المتيقن لدينا وفقاً لأبحاثنا التاريخية فى هذا المجال يشى بأن جمعية الإخوان نشأت وفقاً لأول قانون مدنى فى مصر وهو القانون المدنى الصادر عام 1875، ولم يكن هذا القانون يتطلب إجراءات ما لكى تعمل أى جمعية أهلية، ولم يكن أيضاً يفرض أى رقابة عليها، أى أن الجمعيات آنذاك كانت تنشأ بشكل عرفى ليس له صيغة رسمية، وظلت جمعية الإخوان تعمل بشكل عرفى وفقاً لأحكام القانون المدنى إلى أن صدر أول قانون للجمعيات الأهلية فى مصر عام 1945 ولم تقم الجماعة باتباع أحكام هذا القانون رغم أنه كان يتطلب إجراءات وشكليات ووسائل معينة، وإذ امتنعت الجماعة عن إشهار نفسها وفقا لأحكام القانون مكتفية بأحكام القانون العام، ملتفتة عن أن القواعد الأصولية تقرر بأن «الخاص يقيد العام» وبالتالى تكون الجماعة بلا شرعية منذ الابتداء، ولن يستطيع أى فرد من أفراد هذه الجمعية أن يقدم لجهات التحقيق رخصة إنشاء الجمعية لأنها لا توجد أصلا « والقدرة لا تتعلق بالمستحيل « . مسألة «رخصة الابتداء» هذه تغنينا عن الجدل فى «قرار الحل» من حيث الصدور أو الانتفاء، ولكن وعلى الفرض الجدلى أن «جمعية الإخوان المسلمين» حصلت على رخصة وفقاً لأحكام قانون الجمعيات الأول رقم 49 لسنة 1945، وهو الأمر الذى لم يحدث يقيناً، فإن هذا الزعم أيضاً لا يصلح لمواجهة «الحقيقة القانونية» فقوانين الجمعيات الأهلية على التعاقب كانت تتطلب من الجمعيات القائمة توفيق أوضاعها وفقاً لأحكام القانون وإلا اعتبرت جمعية منحلة، وجمعية الإخوان المسلمين رفضت توفيق أوضاعها حتى بعد أن سمح لها النظام بذلك فى السبعينيات، وحتى بعد أن تلقت ضوءاً أخضراً بهذا فى بداية حكم الرئيس السابق مبارك !! وأبواب القضاء مفتوحة على مصراعيها إذا ما استكملت أوراقها القانونية وقوبلت بالرفض .

كانت القصة إذن ليست فى عدم وجود قرار بحل هذه الجمعية، ولكن أمر هذه الجماعة كشف عن أنها تريد أن تمارس أنشطتها بعيداً عن رقابة القانون، فميزانيتها التى تصل إلى المليارات من الجنيهات، والاشتراكات والتبرعات الشهرية التى تتلقاها تأبى أن تكون مرئية مكشوفة للمجتمع، وإذا كانت الموارد يجب فى عرفها أن تظل سرية فإن المصارف ينبغى أن تظل مستترة لا يعرف مسارها أحد، كما أن الجماعة التى عملت عقوداً طويلة فى سرية بعيداً عن سطوة القانون وعينه المستبصره لا تستطيع أن تفتح أوراقها وأدراجها للقانون وأحكامه .

هذه يا سيادة النائب العام هى الجريمة « المكشوفة» أمام كل المجتمع والتى لا يحب أحد من المسئولين أن يحركها، وسبحان الله أتفريط هنا وإفراط هناك؟!