رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هنا توشكى.. كيف عادت الحياة إلى «مشروع القرن» بعد توقفه سنوات طويلة؟

توشكى
توشكى

لا شىء يضاهى النظر إلى أراض خضراء شاسعة لا نهاية لها، تنبت بالخير من كل جانب، بفضل تعب وكفاح الآلاف من العمال والفنيين والمهندسين الموجودين فى مواقع العمل، ويصارعون قسوة الطبيعة من حرارة شديدة لا يتحملها البشر العاديون.

مشهد تراه رأى العين حاليًا فى مشروع «توشكى»، حيث لم يزرع العاملون فيه مجرد مجموعة من المحاصيل، وأقاموا عددًا من الصناعات المعتمدة عليها، بل زرعوا الأمل وأقاموا الدليل على قدرة المصريين على تحدى وهزيمة المستحيل. 

توجيه الرئيس السيسى فى 2014 أنقذه.. ونجاحاته تتواصل عامًا بعد عام

مع كل موسم حصاد فى «توشكى» تأخذنا الذاكرة إلى توجيه الرئيس عبدالفتاح السيسى بإعادة إحياء المشروع الشهير فى ٢٠١٤، وهو التوجيه الذى تضمن استغلال المساحات التى تصلح للزراعة، وتحويل المناطق التى لا تصلح للزراعة إلى مناطق خدمية، تقام بها أماكن للسكن، إلى جانب طرق ومصانع ومنشآت.

ووفرت الدولة الاعتماد المالى المطلوب لاستمرار المشروع بقوة على أرض الواقع، ولكى تتحقق الاستفادة المأمولة منه، فى ظل ما له من أهداف استراتيجية كبيرة، أبرزها تخفيف الضغط السكانى عبر إعادة التوزيع الجغرافى للسكان، علاوة على رفع مستوى معيشة المواطنين، وتوفير فرص عمل فى كل المجالات.

ويعد مشروع «توشكى» قصة نجاح غير مسبوقة لـ«الشركة الوطنية لاستصلاح وزراعة الأراضى الصحراوية»، التى بذل رجالها العرق والجهد وفعلوا المستحيل لكى تنبض الصحراء بالحياة، من خلال عدة مشروعات عملاقة، تحمل بين طياتها رسالة أمل وبناء، وتستكمل رحلة بدأت أواخر التسعينيات فى منطقة «شرق العوينات»، حاملة حلمًا عظيمًا بتحويل الصحراء إلى واحة خضراء.

وحسب مسئولى الشركة، لم يكن الهدف مجرد استصلاح أراض، بل إحياء لحضارة عريقة، وعودة مصر إلى مجدها كأمة زراعية كبرى، وذلك بداية من زراعة ١٠ آلاف فدان فى مزرعة «شرق العوينات»، وهو ما توسع على مدى سنوات قليلة ليصل إلى ٢٤٠ ألف فدان مزروعة فعليًا.

وبدأ مشروع «توشكى» عام ١٩٩٧، وكُلفت الشركة الوطنية لاستصلاح وزراعة الأراضى الصحراوية بإحيائه فى يناير ٢٠١٧، ووصلت المساحة المزروعة إلى ٤٠٠ فدان تقريبًا، بواقع ٢١٦ فدان نخيل، و١٧٢ فدان عنب.

وأقيمت مزرعة التمور ضمن المشروع بإجمالى مساحة ٣٧٥٠٠ فدان، وهى تضم أفضل أنواع التمور التى تجود فى هذه المنطقة، وتوجت المجهودات فيها بدخولها ضمن موسوعة «جينيس» العالمية كأكبر مزرعة تمور فى العالم.

وخاضت الشركة الوطنية تجربة زراعة القمح بمنطقة «المفارق» فى «توشكى» عام ٢٠١٨، وأثبتت التجربة نجاحها، وتم تكرارها فى ٢٠١٩، لتصبح زراعة القمح فى «توشكى» حقيقة واقعية.

وفى عام ٢٠١٨، كُلفت الشركة بتنفيذ مشروع «تنمية جنوب الوادى»، بالتعاون مع الشركة الوطنية للمقاولات العامة والتوريدات، والهيئة الهندسية للقوات المسلحة.

وشمل المشروع أعمال البنية التحتية، من شق الترع وشبكات الرى والكهرباء والطرق، بالتعاون مع الشركات الوطنية الأخرى العاملة فى هذه المجالات.

وأثمرت جهود الشركة عن الوصول إلى مساحة مزروعة تبلغ ٤٠٠ ألف فدان، بالإضافة إلى مساحات الشركات الاستثمارية فى المنطقة، التى تقدر بـ٦٠ إلى ٧٠ ألف فدان.

وجرى ذلك بالتزامن مع تنفيذ مشروعات ضخمة مماثلة فى الفرافرة، حاملة معها رسالة إعمار وتنمية لكل شبر من أرض مصر. وفى الفرافرة مثلًا، شهدت مشروعات الشركة نجاحًا باهرًا، لتصبح رمزًا للإصرار والعزيمة على تحويل الصحراء إلى أرض خصبة، من خلال المشروع الذى حظى بزيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى مرتين، الأولى بمناسبة الانتهاء من موسم الزراعة فى ديسمبر ٢٠١٥، والثانية بمناسبة بدء موسم الحصاد فى مايو ٢٠١٦.

وفى ٢٠١٨، جرى تكليف الشركة باستصلاح وزراعة ١٢٥٠٠ فدان فى منطقة «عين دالة» بالفرافرة، إلى جانب تنفيذ مشروع «الجوجوبا» على مساحة ٦٠٠٠ فدان على مرحلتين، من بينها ٣١٢٥ فدانًا كمرحلة أولى.

زراعة قمح وفول وتمور.. ومصانع ضخمة للاستفادة من المحاصيل

لم تقتصر إنجازات الشركة الوطنية لاستصلاح وزراعة الأراضى الصحراوية على زراعة المساحات الشاسعة، بل تنوعت زراعتها لتشمل العديد من المحاصيل الاستراتيجية والاقتصادية، مثل القمح فى «توشكى»، لتسهم فى تحقيق الاكتفاء الذاتى من هذه السلعة الأساسية. والفول السودانى، لتصبح مصر من أكبر الدول المنتجة له.

أما البطاطس، فقد جرى إنشاء مصنع ضخم للبطاطس فى «العوينات» بطاقة ١٠ أطنان/ ساعة بطاطس نصف مقلية، و٢ طن/ ساعة بطاطس مهروسة، بالإضافة إلى ثلاجة تقاوى بطاطس بقدرة تخزين ٦٤ ألف طن.

أما فى مجال النخيل، فتعد مصر من أكبر الدول المنتجة للنخيل، وتسهم مشاريع الشركة فى زيادة إنتاج التمور المصرية ذات الجودة العالية، كل ذلك جنبًا إلى جنب مع إقامة العديد من الصوب الزراعية لزراعة الخضروات الطازجة، لتلبية احتياجات السوق المحلية، والمساهمة فى التصدير.

ولم تكتف الشركة الوطنية لاستصلاح وزراعة الأراضى الصحراوية بزراعة المحاصيل، بل اتجهت إلى إنشاء العديد من الصناعات التحويلية للاستفادة القصوى من المنتجات الزراعية، مثل استثمار قصب السكر فى إنتاج السكر، ما يسهم فى تلبية احتياجات السوق المحلية، ويقلل من الاعتماد على الاستيراد.

هناك، أيضًا، تصنيع التمور بأنواعها المختلفة، لتلبية احتياجات السوق المحلية، وتصدير الفائض إلى الخارج. وفى «توشكى» جار إنشاء ثلاجة تمور بطاقة ٣٠ ألف طن. ومصنع آخر لألواح خشب «MDF - HDF» المشتق من جريد النخيل، بطاقة ٤٠٠ متر مكعب فى اليوم.

كما تُولى الشركة الوطنية لاستصلاح وزراعة الأراضى الصحراوية اهتمامًا كبيرًا بتربية الحيوانات، مثل الأغنام والماعز، للاستفادة من لحومها وألبانها وصوفها.

وحظيت مشاريع الشركة بتقدير كبير من الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى أجرى زيارة تفقدية لمشروع التمور فى «توشكى»، خلال مارس ٢٠١٩، وافتتح المرحلة الأولى لـ«توشكى» فى ديسمبر ٢٠٢١، وزار المنطقة بمناسبة بدء موسم الحصاد فى أبريل ٢٠٢٢، وتكررت الزيارة مع بدء موسم الحصاد فى «العوينات» فى مايو ٢٠٢٣.

وعكست شهادة الرئيس عن القوات المسلحة والأبطال فى «توشكى» المعجزة التى جرت هناك، حينما قال: «توشكى اللى كان وقّفها قبل كده مش عيب فى الاختيار ولا عيب فى التخطيط، لكن عدم القدرة على التنفيذ». كما قال فى تصريح ثانٍ: «والله أنا لو مكانكم هكون أسعد واحد فى الدنيا، لأن أنتم بتبنوا، بتبنوا لبلدكم، مش ليكم أنتم».

وقال الرئيس السيسى فى زيارة أخرى إلى الفرافرة: «الناس كانت دايمًا بتفكر وتقول إن احنا نعطى الأرض للناس وهما يعملوا، وده أمر جيد، لكن عمرها ما كانت هتبقى كده، كانت هتبقى أى حاجة».