رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سقطة «CNN» الجديدة

استنادًا إلى مصادر مجهولة، أو وهمية، ادّعت شبكة «سى إن إن» أن المفاوضين المصريين غيَّروا بنودًا فى مسودة اتفاق لوقف إطلاق النار فى قطاع عزة، وأضافوا شروطًا طالبت بها «حماس»، دون إبلاغ الجانب الإسرائيلى، زاعمةً أن البنود التى تغيّرت، والتى لم يتم الكشف عن تفاصيلها من قبل، أدت إلى موجة من الغضب والاتهامات المتبادلة بين المسئولين الأمريكيين والإسرائيليين والقطريين، وأوصلت المفاوضات إلى طريق مسدود!

من الكذب الناعم المُتقَن إلى التبجح الفج المرتبك، تحوّل أداء الشبكة الإخبارية الأمريكية، بعد هجمات ٧ أكتوبر، فى خطوة كانت متوقعة، منذ أكثر من سبع سنوات، تحديدًا منذ أن عرضت، مساء ٢٥ نوفمبر ٢٠١٦، مقطع فيديو إباحى، «بورنو»، مدته ٣٠ دقيقة، دون توقف، بينما كان مشاهدوها يستعدون لمتابعة حلقة جديدة من برنامج «أماكن غير معروفة»، الذى كان يقدّمه «أنتونى بوردين»، وانتحر بعد تلك الواقعة بسنتين تقريبًا!

تلك، إذن، هى إحدى الأدوات، التى يجرى استعمالها لترويج أكاذيب بشأن الدور المصرى، الرئيسى والبارز والمقدّر إقليميًا ودوليًا وأمميًا، فى محاولات ومفاوضات وقف إطلاق النار فى قطاع غزة، سواء بجهودها السياسية والدبلوماسية أو بقبولها الوساطة، بعد إلحاح متكرر من الولايات المتحدة وإسرائيل، اللتين كشفت لهما تجارب عديدة سابقة عن مدى خبرة وحرفية ونزاهة المفاوض المصرى فى إدارة مثل هذا النوع من المفاوضات، وعدم انحيازه إلا للقانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى.

المهم، هو أن التقرير «المغلوط، الملىء بالمزاعم غير الصادقة، لا يؤدى، وربما يهدف، إلى تشويه دور مصر الرئيسى والبارز فى محاولات ومفاوضات وقف إطلاق النار بقطاع غزة منذ بدء العدوان الإسرائيلى الدموى عليه قبل نحو ٨ شهور»، بوصف، أو تفسير، زميلنا ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، الذى أبدى «استغراب مصر من محاولات بعض الأطراف الإساءة للجهود الهائلة التى بذلتها، ولا تزال، على مدار الأشهر الماضية فى محاولة للتوصل لوقف إطلاق النار بالقطاع، لمنع قتل وإصابة مئات المدنيين الأبرياء يوميًا والتدمير الممنهج لكل مظاهر الحياة فى القطاع».

يعرف القاصى والدانى والواقف بينهما، أن إدارة بايدن وحكومة نتنياهو تواجهان أزمات داخلية، بسبب فشل العدوان الإسرائيلى، المستمر منذ ٢٣٠ يومًا، فى تحقيق أى نتائج، غير إثبات وحشية ولا آدمية تلك الإدارة وهذه الحكومة، وعدم اكتراثها بأرواح ومصائر البشر، إسرائيليين كانوا أم فلسطينيين أو أمريكيين. وفى هذا السياق، أوضح رشوان أن «قيام أطراف بعينها بممارسة لعبة توالى توجيه الاتهامات للوسطاء، القطرى تارة ثم المصرى تارة أخرى، واتهامهم بالانحياز لأحد الأطراف»، يهدف إلى «التهرب من اتخاذ قرارات حاسمة بشأن صفقة وقف إطلاق النار، وتحرير المحتجزين الإسرائيليين مقابل الأسرى الفلسطينيين، للحفاظ على مصالح سياسية شخصية لبعض هذه الأطراف، ومحاولاتها مواجهة الأزمات السياسية الداخلية الكبيرة التى تمر بها».

ما يثير الدهشة، وربما السخرية، ويجعلك تعتقد أن محررى «سى إن إن» مضطربون نفسيًا، أو يعملون تحت تأثير المخدرات، هو أن التقرير نفسه رجّح أن «تلعب مصر دورًا مركزيًا»، حال استئناف المفوضات، «نظرًا لقربها الأساسى من حماس، فضلًا عن تفضيل إسرائيل لمصر على قطر». أما ما يقطع بارتباك واضطراب من يستعملون الشبكة، فهو أن التقرير الكاذب، المنشور مساء الثلاثاء، ذكر أن إعادة إطلاق المفاوضات لا تبدو وشيكة، بينما أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلى، صباح الخميس، عن صدور أمر من مجلس الحرب للمفاوضين الإسرائيليين، بالعمل على استئناف المفاوضات.

.. وأخيرًا، نرى، ومعنا كل المنصفين والعقلاء، أو غالبيتهم على الأقل، أن أكاذيب «سى إن إن» وأخواتها، ما ظهر منها وما سيظهر لاحقًا، ليست أكثر من محاولة بائسة، أو يائسة، للانتقام من مصر أو لدفعها إلى التراجع عن مواقفها المبدئية الثابتة تجاه الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى الشقيق، بدءًا من رفضها تهجيره قسريًا، داخل أو إلى خارج أرضه، مرورًا بتمسكها بضرورة تواجد عناصر فلسطينية بالجانب الفلسطينى من معبر رفح للموافقة على تشغيله، ووصولًا لانضمامها إلى جنوب إفريقيا فى الدعوى المقامة أمام محكمة العدل الدولية، ضد الإبادة الجماعية للفلسطينيين والممارسات الوحشية لجيش الاحتلال الإسرائيلى فى قطاع غزة.