رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يا محمد يا مرسى سأنتقدك كما أشاء


ليس لأحد قداسة أو عصمة تجعله أعلى من النقد والتوجيه والنصح.. ولا أظن أن العقل السليم يقبل أن يصنع أحدهم أو بعضهم ممن يسعون إلى توجيه الرأى العام لنفسه مدينة مقدسة عالية الأسوار بحيث يحجب نفسه عن أهل دينه ووطنه ويحجبهم عنه فلا يراهم ولا يرونه..

وطالما أنه لا كهنوت فى الإسلام فلا كهنوتية للمسلمين.. وعندما فهم المسلمون الأوائل هذه المسلّمات وأشربتها أنسجتهم وقفت امرأة تجادل عمر، رضى الله عنه، علانية أمام كل المسلمين ليصل صوتها لنا عبر القرون هادئاً هادياً، وليصل رد عمر، رضى الله عنه، لنا منيراً شامخاً وهو يقول أصابت امرأة وأخطأ عمر، وعندما فهم المسلمون الأوائل حقهم فى المناقشة والتعبير والتعقيب وقف الصحابى الحباب بن المنذر، رضى الله عنه، فى غزوة بدر ليدلى برأيه الذى كان على خلاف رأى الرسول، مارس الحباب بن المنذر عبادة إبداء الرأى حينها وقال دون أن يخشى متقعرا ينهاه عن مناقشة المصطفى، يا رسول الله: أرأيت هذا المنزل، أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدَّم ولا أن نتأخَّر عنه، أم هو الرأى والحرب والمكيدة؟.. نظر إليه الرسول نظرة حانية وهو يحثه على أن يصدح برأيه علانية أمام جموع المسلمين : بل هو الحرب والرأى والمكيدة... فقال الحباب بعد أن فهم تشجيع المصطفى له : «فإن هذا ليس بمنزلٍ» !! يا لها من كلمة جريئة فى حضرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، كان فى إمكان الحبّاب أن يغلف كلماته بطبقات من الرقة، وكان فى إمكانه أن يسر فى أذن الرسول برأيه ولكنه جهر بكلماته الحادة.. هذا ليس بمنزل.. كان فى مقدور الرسول أن يترك رأى الحباب.. ولما لا وهو يعلم أن رسالته رسالة ربانية وأن الله ناصره لا محالة، ولكنه نهض على الفور وتحوَّل إلى المكان والرأى اللذين أشار بهما الحباب.

وإذ وصلت هذه المفاهيم لأجيال من التابعين أخرجوا للعالم علم الرجال وعلم الجرح والتعديل ليعرف المسلمون ممن يأخذون دينهم من غير أن تكون هناك غضاضة فى ذلك.

ولا غرو أن تقربت لله أجيال وأجيال من المسلمين بعبادة النقد وعبادة إبداء الرأى دون أن يشترط أحدهم وجوب الأخذ بهذا النقد أو ذاك الرأى، فهو مجرد رأى يرد عليه الصواب كما يرد عليه الخطأ «علمنا هذا رأى فمن أتانا بخير منه قبلناه».

إلا أن واقعنا أصبح غير سالفنا، فجهل معظمنا من حيث التطبيق عبادة النقد وإبداء الرأى، وضاقت صدورنا واسترابت أنفسنا من كل صاحب رأى يختلف مع رأينا.. ونظرنا إلى الناقد ولم ننظر إلى موضوع النقد فوقعنا فى دائرة «الشخصنة» تلك الدائرة التى يحركها الحب والبغض، ويحجب الرؤية فيها مشاعر الخلاف والاختلاف.

ومن عجب أن معظم أجيالنا نحن أبناء الحركة الإسلامية فى عصرها الحديث انتقدنا استبداد النظام السابق ورفضه للرأى الأخر، ثم وقعنا فى نفس ما أخذناه على الأنظمة المستبدة... وليس معنى أن الرئيس مرسى يخطب فى الناس بالآيات والأحاديث فيكون مقدساً أو مبرأً من الخطأ، كما أن هذا لا يعطيه ولا يعطى جماعته قداسة فهو واحد من بنى الناس كان بالأمس لا يفهم ما فهمه اليوم وهو اليوم لا يفهم ما سيفهمه غداً... فإذا سكتنا عن أخطائه وأخطاء جماعته «غير الشرعية» فإننا نكون قد شاركنا فى استمرار الخطأ.

من أجل ذلك ولتنبيه الغافلين وتوسيع مدارك الجاهلين قال سيدنا عمر رضى الله عنه، «رحم الله امرءاً أهدى إلىَّ عيوبى»... لم يصل سيدنا عمر إلى لآلئ الحكمة تلك إلا بعد أن وعى حديث الرسول «الدين النصيحة... قلنا لمن يا رسول الله.. قال لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم»... ولا يخدعنك أحد فيقول لك إن النصيحة ينبغى أن تكون فى السر؛ لأن من تصدى لأمر المسلمين وانشغل بحالهم وهمهم ينبغى وفقاً للقواعد الأصولية الصحيحة أن ننصحه فى العلن.

ويتملكنى العجب ممن يجهلون هذا الأمر أو يرفضونه، ففى غياب النقد العلنى غياب للشفافية، وقد يدفع هذا التعتيم إلى استمراء البعض لخطئهم، كما قد يحوّل هذا الأمر أولئك الرجال الأتقياء إلى مستبدين باسم الإسلام وباسم الأخوة.

النقد فى السر يكون فى الخصوصيات كأن أنتقد أخى أو أنصحه فى أمور حياته الشخصية، أما إذا نصحنا جماعة أو حكومة أو حزباً أو حركة تتصدى لمصالح الأمة فإننا ينبغى أن ننصحهم علناً وعلى رؤوس الأشهاد.. وما تقدم الغرب إلا بذلك... وما تأخرنا إلا عندما جهلنا هذا الحق، لذلك أصبح الحكام لدينا مقدسين مبرأين من الخطأ وأصبحت كلمة الحاكم... أو الزعيم... أو المرشد حكمة... وإشارته عبقرية.

وإذا كنتم يا محمد يا مرسى تقدمون أنفسكم للجماهير بحسب أنكم تحملون فوق أكتافكم حلاً، كما أنكم تطرحون أنفسكم وجماعاتكم للكافة باعتبار أن أفكاركم هى طريق الخلاص للأمة وأنكم «رعاة الحل الإسلامى»، فإنكم يجب أن تضعوا أنفُسَكم وأنفَـَسَكم تحت رقابة الأمة دون أن تتذرعوا بأى حجة، فإذا ما وجد الناس أى ناس فيكم اعوجاجاً فى إقامة العدل – وأنتم طلابه جدلاً – أليس من حقهم أن ينبهوكم علناً وعلى رؤوس الأشهاد إلى هذا الاعوجاج ويطالبوكم بتطبيق ما تقولونه فى شعاراتكم.

من حقنا يا محمد يا مرسى ومن حق الناس أن نعرف... ومن حقنا أن نراقب... فإذا ما وجدنا نقيصة أو اعوجاجاً أو ازدواجية قام حقنا فى النقد والتوبيخ، لنا الحق أن نغلظ لكم فى القول ونضرب على أيديكم وأيدى مجموعة «الهلافيت» التى تنافقكم، خاصة أننا رأينا أنك تسعد أيما سعادة بهذا النفاق الذى حَوَّلك إلى نبى وجعلك كأنك أنت الإسلام بحيث يصبح من يعارضك فى عيون «أهل النفاق» كافراً!!.

أظن أنه مضى يا محمد يا مرسى زمن التعتيم والنفاق ولا نقبل أن يعود مرة أخرى باسم الإسلام، وطالما أنك يا عم الرئيس أصبحت رئيساً فإن علينا واجب المراقبة والنقد من الآن، بل إذا ما وجدنا حالك فى باطنك يختلف عن ظاهرك، ووجدنا خطابك المعلن يختلف عن ممارستك الحقيقية فلنا الحق آنذاك فى رفضك وتوجيه الرأى العام ضدك، ولن يرهبنا مجموعة «الكتبة القضائيين» الذين يجلسون تحت الشمسية أمام المحكمة يكتبون العرائض ضد من ينتقدك وكأن ذاتك مثل الذات الإلهية،وأحب أن أنهى مقالى يا عم الرئيس مرسى بكلمة وقفت فى حلقى، وأنا أقولها تيمناً بالمرشد السابق الأخ مهدى عاكف ربنا يهديه «طظ فى كل من يقف ضد حرية نقدك