دراما التشويق والإثارة تتقدم فى شهر رمضان

انتهى شهر رمضان الكريم وعيد الفطر المبارك على خير، فكل عام وأنتم بخير، وانتهت الوجبة الدسمة من الدراما الرمضانية التى حفلت بها القنوات الفضائية، التى تابع المشاهدون بعضًا من هذه الوجبة الدسمة المتنوعة، وبقى الآن أن أتوقف لأرصد للقارئ بعضًا من أفضل المسلسلات التى استطعت متابعتها، حيث إنه يصعب متابعتها كلها، وإن كنت أتوقف عند ٢ من أفضل ما تم تقديمه، وهما من إنتاج الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، وأستكمل فى الفترة المقبلة متابعة ورصد ونقد واختيار الأفضل من وجهة نظرى ما تتم إعادته حاليًا مرة أخرى ليتابعه المشاهدون.

«بيت الرفاعى» يزيح الستار عن الخلافات الدموية داخل العائلة الواحدة بسبب الرغبة فى الثراء من تجارة الآثار

أبدأ بمسلسل «بيت الرفاعى» الذى قُدّم على مدى ٣٠ حلقة، وهو من أنجح مسلسلات الشهر الكريم نظرًا لجرأة موضوعه وكشفه عالم تجارة الآثار من منظور جديد ومختلف، ومنطقة شائكة لم يتم تقديمها من قبل، وهو مسلسل حركة وتشويق وإثارة لأنه يدخل فى تفاصيل صراع دموى بين أفراد عائلة واحدة بسبب تجارة الآثار، التى تصل إلى أقصى درجات العنف إلى حد القتل، وينشب بينهم صراع دموى بسبب الرغبة فى الثراء السريع، وتحاك المؤامرات والكمائن، وينتشر فساد الذمم وغياب الضمير والخلافات الحادة والشك بين أقرب المقربين.

حيث نجد أن الأب محمود الرفاعى «أحمد عبدالحليم» تاجر آثار كبير وثرى ورث هذه التجارة الحرام عن والده، فامتهنها ووجدها تكفل له شراهته للمال الكثير الحرام دون النظر إلى تبعات ذلك، حتى إنه يُقتل بسببها، كما يُلقى اتهام قتله على ابنه د. يس «أمير كرارة»، وتنشب الصراعات الدموية بين الأقارب ويقتل بعضهم بعضًا، بينما يهرب د. يس محاولًا إثبات براءته، وتشتد الصراعات وتتعقد المشاكل وتتصاعد إلى أقصى درجة، وعلى الهامش تدور قصة حب كنسمة صيف فى ليلة شديدة الحرارة، القصة كلها تعتمد على التشويق والحركة وسرعة الأحداث.

القصة من تأليف المخرج المبدع بيتر ميمى، وفى تقديرى أنه يحسب لهذا المسلسل أنه يقدم رسالة تنوير واضحة، وهى تتلخص فى إظهار تبعات ونتائج الاتجار بالآثار وعقوبة الجريمة، حيث يتم إعدام فاروق «أحمد رزق» فى الحلقة الأخيرة بعد ظهور الحقيقة وبراءة د. يس من جريمة قتل أبيه، وهو الذى كان يرفض تكوين ثروة أبيه من هذه التجارة الحرام، وكان يعارض علانية ممارستها. المسلسل سيناريو وحوار عمرو أبوزيد وهند عبدالله، واستطاع المخرج أحمد جلال أن يقدم مشاهد الحارة الشعبية ومشاهد الأماكن المفتوحة ومشاهد الأكشن باقتدار وحرفية فنية، مع إيقاع سريع يشد المشاهد معه من مشهد إلى آخر.

وفى تقديرى أن القصة قد أوغلت فى العنف بين الأشقاء الذى يصل إلى حد القتل، وإن كان الخير والضمير، متمثلًا فى د. يس، قد صمدا فى وجه العنف ورفض الثراء الحرام، وهذه نقطة إيجابية تحسب للمسلسل. وهنا أتوقف عند الأداء، حيث إن البطل د. يس، الذى تدور حوله الأحداث، كان اختيارًا مناسبًا، وهو النجم أمير كرارة الذى يغيّر جلده فى هذا المسلسل بعد سلسلة من المسلسلات أدى فيها دور ضابط شرطة أمين وشجاع.

كما أدى أفضل أدواره فى مسلسل «الاختيار» عام ٢٠٢٠، حيث جسد بجدارة دور البطل الشهيد المصرى أحمد منسى. وفى «بيت الرفاعى» استطاع النجم أمير كرارة أن يتقمص دوره، فكان أكثر هدوءًا لأنه طبيب وأكثر تأثرًا بالمصاعب التى تواجهه لأنه رجل عادى أمين وشجاع ورافض الحرام ويمتلك ضميرًا حيًا، وهو أيضًا أب حنون لابنته الصغيرة، ويواجه تهمًا باطله لم يقترفها. 

وأمير كرارة يتمتع بقبول لدى المشاهدين منذ سنوات، وأثبت هذا العام أنه قادر على تقمص نوعية مختلفة من الشخصيات باقتدار، وتبرز أيضًا أدوار بطولة معه بمجموعة من الممثلين والنجوم المتميزين، فى مقدمتهم الفنان «أحمد رزق» فى دور فاروق ابن العم تاجر الآثار المتمرس على الجريمة وعلى التحايل على المواقف والتلون والعنف والمؤامرات، وأدى أحمد رزق دوره بتمكن وتميز، وهو من أهم أدواره التى ستترك علامة مميزة.

وأيضًا برعت رحاب الجمل فى دور شقيقة د. يس الطيبة، وبرع كل من الفنانين أحمد عبدالحليم، وسيد رجب، ومحمد لطفى ابن الحارة الذى يتميز بالجدعنة ويتوب عن الانحراف ويختار طريق الحلال، وأيضًا برعت الفنانة الشابة ميرنا جميل فى دور «سامية» الكوافيرة بنت الحارة الجدعة العفوية التى أحبت د. يس. وبرعت أيضًا الممثلة الشابة الجميلة ملك قورة فى دور «رقية» التى تتزوج فاروق الذى يحبها لأنها لا تريد أن تعيش حياة المعاناة والفقر. وأيضًا صفاء الطوخى فى دور أم د. يس، التى انقلبت عليها الأيام بعد وفاة زوجها وهروب ابنها. وبرعت الفنانة عايدة رياض فى دور أم فاروق، الراقصة السابقة التى لا تكف عن المكائد لكنها تضحى بنفسها فتعترف بجريمة ارتكبها ابنها حتى تنقذه من حبل المشنقة.

وبرع سيد رجب فى دور الأخ الحاقد على أخيه تاجر الآثار الكبير إلى حد أنه يدبر جريمة مع الخادمة لقتله. وفى تقديرى أن هناك الكثير من مشاعر الكراهية والضغينة والعنف المفرط فى الأحداث بين الأشقاء والعائلة الواحدة ما قد يتوقف عنده بالدهشة والرفض لدى المشاهد، إلا أن المؤلف لجأ إلى هذه الأشكال المنفرة من العلاقات حتى تصل للمشاهد فى بيته رسالة هادفة وواضحة، وهى أن الاتجار بالآثار لا ينتج عنه إلا أسوأ الجرائم وكل أشكال الخيانة والضغائن والكراهية والمؤامرات الكريهة والمنفرة.

«حق عرب» يكشف العلاقات الاجتماعية والصراعات والمكائد والضغائن داخل حارة شعبية

أما مسلسل «حق عرب» فهو مسلسل اجتماعى يدور فى حارة شعبية، وهو من نوع الحركة والأكشن والتشويق، ويكشف لنا على مدار ٣٠ حلقة عما يدور فيها من علاقات أسرية وأسرارها المختبئة وصراعات الأفراد وبين أفراد العائلة الواحدة، وما يحاك فى الحارة من مكائد وخلافات بين أهل البيت الواحد، وتتكشف الأسرار لتصيب الأفراد فى مقتل. وهذا المسلسل حظى بنسبة مشاهدة عالية، ونجح فى جذب المشاهدين لمتابعة حلقاته، ويضم مجموعة كبيرة من الأبطال، فى مقدمتهم أحمد العوضى فى دور «عرب»، فى أول بطولة رجالى له، وهو يتناسب مع شخصية ابن الحارة الذى يريد الهروب من ماضيه المرير والأليم.

إلا أن هذا الماضى يلاحقه ويفاجأ بدخوله فى عداوات قاتلة تريد القضاء عليه، واستطاع «العوضى» فى أول بطولة له أن يرسخ قدميه كبطل حركة وابن حارة شعبية فى سلوكه وأسلوب كلامه وحركاته، ومحاولات الوقوف على قدميه كتاجر له تجارة رائجة ومكانة وسط الكبار داخل الحارة، إلا أن قوى الشر والفساد والنفوذ تتكاتف عليه لتدمره.. ويكتسب المسلسل قيمة فنية من خلال دويتو استطاع أن يشد انتباه المشاهدين طوال الـ٣٠ حلقة، وكلاهما قامة فنية، وهما الفنانة المبدعة وفاء عامر، والفنان المبدع رياض الخولى فى دور «عبدربه»، ووفاء عامر هنا أدت واحدًا من أقوى أدوارها، حيث نجحت فى التوحد مع شخصية «صباح الجياش» المرأة القوية التى تقف فى مواجهة التحديات بقرارات قوية تناسب قوة شخصيتها، وهى التى أخفت عن الجميع حتى زوجها «عبدربه» سرها بأنها أم «عرب» خوفًا عليه من بطش أبيه وقتله نتيجة رؤية شيخ حذره بأنه إن أنجب ابنًا فإنه سوف يقتله.

وفاء عامر واحدة من أقوى فناناتنا الآن أداءً، ولها حضور متميز فى كل مشاهدها، فضلًا عن قدرتها على الأداء بتعبيرات العين والصوت وحركات الجسد، ثم «عبدربه»، أو رياض الخولى، الذى أدى باقتدار دور التاجر الثرى المتجبر والمتكبر والمنحرف الذى لا يتراجع عن نوازعه الشريرة ولا يلين ولا يهادن، وإنما يمارس النفوذ والسطوة والعنف فى أسوأ صوره.

ونرى صراعات متتالية وعداوات تظهر لـ«عرب» كلما حاول أن يعيش بشكل كريم، وفى تقديرى أن المسلسل قد أمتعنا بمباراة فنية فى الأداء المتفوق بين وفاء عامر ورياض الخولى، جاءت نتيجتها فى مصلحة المسلسل وفى مصلحة المشاهد.. كما لا يفوتنى أن أتوقف عند قدرة إبداعية فى التعبير عن شخصية الأم، للفنانة القديرة سلوى عثمان، التى تتقن التقمص إلى حد التوحد مع الشخصية التى تقدمها، وهى هنا الأم الفقيرة الملتاعة على ما أصاب ابنها من أذى، وتقف صامدة أمام تحديات هائلة وأليمة وتريد إنقاذ ابنها من الإدمان ومن التدمير والضياع بعد خطفه وتعذيبه وحقنه عنوة.

وفى الأداء نجح المخرج هانى خليفة فى قيادة الممثلين فى الحارة الشعبية وفى كل المواقع، ما أسفر عن إخراج فنى جاذب للمشاهدين. وقدمت دينا فؤاد دورها باقتتال، والفنان أحمد صيام فى دور الأخ الفقير، وفى نفس الوقت يحمل هموم الدنيا على رأسه وينصاع لأوامر شقيقه الثرى المنحرف. واستطاعت الفنانة الشابة والوجه الجديد كارولين عزمى أن تلفت الانتباه فى دور ابنة عبدربه العاشقة لـ«عرب» التى تحبه رغم الفارق فى كل شىء بينهما، وأتوقع لها مستقبلًا واعدًا لأنها عبرت ببساطة ودون مبالغة عن مشاعرها المختلفة وفقًا لمتطلبات الأحداث.

أما عن دينا فؤاد، فهذا الدور فى بنت الحارة الفقيرة ذات الطموح قد أحدث لها نقلة نوعية فى مشوارها الفنى، لأنها أدت باقتدار ابنة الحارة الشعبية التى تتميز بالجمال ويحبها «عرب» وتحبه، إلا أنها تواجه كثيرًا من الشدائد والصعاب التى تجعلها تتذبذب فى خطواتها وتفقد قدرتها على إدارة دفة حياتها، فهى تحب «عرب» لكنها تواجه صعوبات تسفر عن زواجها من عدوه التاجر عبدربه الثرى. والقصة كتبها محمود حمدان عن الصراع بين الخير والشر، والثراء والفقر، وفتوات الحارات الشعبية ومكائدهم.

وفى آخر حلقة نكتشف أن «عبدربه» هو أبو «عرب»، وفى تقديرى أن مشاهد العنف وتعذيب «عرب» فى مخزن الفيلا كانت أكثر من قدرة المشاهد على الاحتمال، خاصة فى شهر رمضان الكريم، وكان يمكن اختصارها إلى النصف، وأيضًا هناك مشهد أليم حيث يتم دفن أحد المنحرفين فى الحارة بواسطة أمر من «عبدربه»، ومشهد مقتل زوج بنت «عبدربه» خنقًا بواسطة فتوة الحتة وزوجة القتيل كان أيضًا مفرطًا فى العنف، وكان من الممكن اختصار بعض الحلقات واختصار بعض مشاهد العنف التى تؤذى العين، والتى تجعلنا غير قادرين على استيعاب هذا العنف فى شهر رمضان الكريم.. وإلى مسلسلات أخرى من أفضل ما قدم وسأرصدها للقارئ، فى حلقة مقبلة.