رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى انتظار تنفيذ قرار محكمة العدل الدولية

تتحول الأمور سريعًا ضد إسرائيل وقادتها بما يشير إلى أنها تتجه إلى الهاوية، وأن العالم يتحول ضدها، بل تتحول إسرائيل أيضًا إلى عبء على داعميها، وهى التى ظلت لعقود طويلة بدءًا من ١٩٤٨ تتوسع فى خططها فى ظل حماية كاملة من داعميها، وظلت عقودًا تحتل أراضى فلسطينية وتتوسع فيها لتحقيق أطماعها فى أرض فلسطين، فإن قاومها الفلسطينيون تقتلهم وتتهمهم بالإرهاب فى العالم الغربى وتصنع «هولوكوست» جديدًا أو محرقة جديدة للفلسطينيين، بل تمسك إسرائيل بخناق العالم فى ظل دعم كامل واتفاقيات سرية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتردد أنها تريد أن تعيش وأن يعيش اليهود فى أرض فلسطين التى وعدهم بها الإنجليز ثم الأمريكيون بعدهم، وتمارس القتل والعنف والاحتلال والتى تتزايد وتتصاعد وتتضاعف حتى تصبح منذ طوفان الأقصى الماضى أسوأ مجزرة شهدها التاريخ الحديث، وهى التى لم تجف يداها يومًا من الدم الفلسطينى.

أما المفارقة الغريبة التى أتوقف عندها هى هذا التزامن الغريب فى يوم الهولوكوست وهو يوم السبت ٢٧ يناير ٢٠٢٤، حيث إنه يوم الهولوكوست الذى يعتبره اليهود يومًا مأساويًا فى كل عام يتجمعون فيه لإحياء وتذكر المحرقة التى ارتكبت ضدهم أثناء الحرب العالمية الثانية على يد أدولف هتلر الألمانى النازى الذى ارتكب ضدهم محرقة، تخلص فيها من عدد هائل من اليهود فى أفران الغاز.

فمنذ أيام كان السبت الماضى هو الموعد السنوى لإحياء المحرقة التى تمت لليهود بأوامر من هتلر، والذى تزامن مع اليوم التالى لإعلان قرار محكمة العدل الدولية بإدانة إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية للفلسطينيين فى قطاع غزة، حيث يعتبر هذا اليوم يومًا تاريخيًا بالنسبة للحرب بين الاحتلال الإسرائيلى والشعب الفلسطينى الذى تم احتلال أرضه عنوة وقتل أهل فلسطين منذ ١٩٤٨ بكل وحشية وصلف وبلا توقع لأى عقوبات، إلا أنه حدث التحول التاريخى بصدور قرار تاريخى من محكمة العدل الدولية فى لاهاى بإدانة إسرائيل الجمعة ٢٦ يناير الماضى بعد تقديم جنوب إفريقيا طلبًا بإدانة إسرائيل وتوقيع عقوبات على إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية للشعب الفلسطينى فى قطاع غزة، وبهذا تسقط محكمة العدل الدولية قناع الضحية الذى طالما ارتدته إسرائيل لتكشف للعالم بالأدلة عن وجهها الإرهابى السافر.

ويتضمن قرار المحكمة أنه على إسرائيل الامتناع عن ارتكاب أى أفعال ذات طبيعة إبادية ضد الفلسطينيين فى غزة، وأنه يجب عليها اتخاذ خطوات فورية تمكن من توفير وصول المساعدات الإنسانية التى يحتاج إليها الفلسطينيون بشكل عاجل، وأن ترفع الحصار الذى تفرضه على قطاع غزة، وفى تقديرى هذا القرار يعنى لأول مرة انتصار جنوب إفريقيا من أجل حقوق الفلسطينيين، ومن أجل كل المناصرين لحقوق الإنسان فى مختلف أنحاء العالم ممن تأذت إنسانيتهم برؤية بحور دم الفلسطينيين التى سالت فى قطاع غزة على يد الجيش الإسرائيلى.

وفى تقديرى أنها خطوة تاريخية شجاعة لجنوب إفريقيا فى اتجاه العدل، رغم الدعم الأمريكى اللا محدود لإسرائيل والتحالف معها لتنفيذ مخططاتها الشيطانية، حيث إنها تحركت لنصرة الحق الفلسطينى دون خوف من غضب أو مقاطعة إسرائيل وداعميها، وسيظل التاريخ يتذكر رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا الذى استطاع أن يجر إسرائيل لتُحاكم أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية للفلسطينيين، وفى هذا السياق كانت إسرائيل أول الشاجبين القرار التاريخى الذى أصدرته محكمة العدل الدولية، فبعد صدور الحكم قامت إسرائيل بنزع القناع لتظهر حقيقتها، ففى اليوم التالى لقرار محكمة العدل الدولية، أى يوم السبت الماضى ٢٧ يناير ٢٠٢٤، الذى تصادف أنه اليوم العالمى للهولوكوست الذى يحييه اليهود، حاول نتنياهو تكريس صورة إسرائيل الضحية، فى محاولة لتذكير العالم بها وحتى يثير تعاطف العالم مع الاحتلال الإسرائيلى، وفى محاولة للتشويش على قرار محكمة العدل الدولية باتهام إسرائيل بارتكاب الإبادة الجماعية، ولم يعترض على قرار المحكمة الدولية سوى ٣ جهات، أولاها إسرائيل، حيث خرج نتنياهو على وسائل الإعلام ليقول إن هذا القرار هو اتهام كاذب وليس هذا فحسب بل هو مشين أيضًا، وعلى الناس فى كل أنحاء العالم شجب هذا القرار. وتعهد فى اليوم العالمى لتذكر الهولوكوست وبصفته رئيس الوزراء الإسرائيلى بعدم السماح بحدوث هولوكوست ثانٍ لإسرائيل.

وكان الرئيس عبدالفتاح السيسى قبل هذا القرار قد أكد، خلال اتصالاته المستمرة بقادة العالم، أن الحل الوحيد للحرب الوحشية التى تقوم بها إسرائيل فى قطاع غزة ضد الفلسطينيين هو إعلان حل الدولتين، واستعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى وضرورة وقف القتال الفورى، ورفض التهجير القسرى للفلسطينيين إلى أرض سيناء، وما زال يواصل اتصالاته المستمرة منذ ٧ أكتوبر الماضى وحتى كتابة هذه السطور، وتستمر جهوده الحثيثة لوقف القتال الفورى.

أما الإشكالية الآن فتتلخص فى أنه بعد صدور قرار محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل وما قررته المحكمة من الإجراءات، فإن محكمة العدل الدولية ليست لديها سلطة إنفاذ قراراتها، إلا أن السلطة الأخلاقية لقراراتها يمكن تحويلها إلى حراك سياسى إذا ما اتسع وتصاعد فإن بإمكانه الضغط على إسرائيل وأمريكا وإنجلترا لتنفيذ قراراتها أو على الأقل لوقف إطلاق النار وعودة الفلسطينيين إلى أرضهم والمطالبة بدعم دولى لإعادة بناء التدمير الذى حدث فى قطاع غزة من الجيش الإسرائيلى، ما يعد فى حد ذاته مأساة تتطلب دعمًا دوليًا كبيرًا وموقفًا دوليًا مساندًا لحقوق الشعب الفلسطينى الذى يواجه أشرس حرب إبادة فى التاريخ الحديث، كما حدث تحول آخر أيضًا فى اتجاه حقوق الشعب الفلسطينى، حيث تقدمت الجزائر بطلب لمجلس الأمن فى منظمة الأمم المتحدة لينعقد يوم الأربعاء لبحث كيفية تنفيذ قرارات المحكمة وإدانة إسرائيل.

وفى تقديرى أنه وسط الحرب الوحشية لإسرائيل ضد الفلسطينيين فإن قرار محكمة العدل الدولية هو انتصار للعدل ضد الظلم وانتصار لحق الشعوب ضد الاحتلال، وهو قبل كل هذا انتصار للقضية الفلسطينية وانتصار لجنوب إفريقيا على إسرائيل بشأن فلسطين، أما الموقف المُرتهن فيمكننا القول إن العالم كله على وشك الانفجار فى وجه إسرائيل بسبب جرائمها الوحشية، كما صدر أيضًا قرار من المحكمة الدولية بأنه يجب على إسرائيل اتخاذ خطوات فعلية تمكن الفلسطينيين من توفير الاحتياجات الإنسانية التى يحتاج إليها الفلسطينيون فى قطاع غزة.

فى تقديرى أننا قد اقتربنا من الفصل الأخير فى الحرب الوحشية لإسرائيل على قطاع غزة وفى الإبادة الجماعية التى ستنال منها ومن قادتها قريبًا، ولا بد أنه سيتم إنفاذ قرار محكمة العدل الدولية الذى يعكس إرادة العالم أجمع باستثناء إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا، وسوف يتوقف التاريخ كثيرًا أمام موقف جنوب إفريقيا ومصر ولن ينسى العالم المرافعة التاريخية التى قامت بها امرأة من جنوب إفريقيا اسمها عديلة هاشم فى محكمة العدل الدولية، والتى دافعت فيها عن حقوق الفلسطينيين ووقفت فيها لتثبت بالأدلة تفاصيل أبشع جريمة إبادة جماعية فى التاريخ شهدها العالم ضد الشعب الفلسطينى.

وفى رأيى أنه أمام هذا التيار العالمى المتنامى، الذى تصاعد إلى أعلى مستويات الشجب والرفض والإدانة فى العالم تجاه جرائم إسرائيل، فإنه لا بد أن تكون لكل ذلك آثاره الحتمية فى إنهاء الحرب وإنهاء معاناة شعب فلسطين وسيكون ذلك قريبًا جدًا.