رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تحفة «إمبراطورية ميم»..  ‪كيف دخل خالد النبوى إلى كل البيوت المصرية؟

 

نجح مسلسل «إمبراطورية ميم» فى التسلل إلى البيوت المصرية من خلال دراما اجتماعية أسرية تكشف الفجوة الحالية الكبيرة بين جيل الآباء وجيل الأبناء، ومن خلال قصة الكاتب والروائى الكبير الراحل إحسان عبدالقدوس الذى أحدث نقلة نوعية فى الرواية المصرية منذ نهاية الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، من خلال عرض قصص الحب بجرأة غير مسبوقة والحب غير العذرى، وكان ذلك تطويرًا له فى الرواية المصرية، وتحول كثير من رواياته وقصصه لأفلام سينمائية.

وهو ابن رائدة الصحافة المصرية السيدة روز اليوسف مؤسسة مجلة «روزاليوسف» و«صباح الخير»، ووالده هو الممثل الفنان محمد عبدالقدوس.

وتدور قصة «إمبراطورية ميم» التى كتبها حول رجل يفنى حياته ويعيش من أجل تلبية مطالب أبنائه الستة، لكنه خلال الأحداث المتصاعدة يكتشف أن أبناءه يتمردون عليه، ويريدون أن يعيشوا بحريتهم ودون أن يكون هو المسئول عن تربيتهم أو حياتهم، وهى قصة قصيرة فى مجموعة «بنت السلطان» التى صدرت عام ١٩٦٥، وتضم ٣٣ قصة قصيرة، وتتطرق إلى الواقع المصرى حينذاك، فتلقى الضوء على مشاكل الشباب والآباء فى هذا الوقت، ثم تحولت القصة إلى فيلم سينمائى عام ١٩٧٢، وأصبحت من كلاسيكيات السينما المصرية، وقامت ببطولة الفيلم سيدة الشاشة العربية الفنانة فاتن حمامة، وشاركها البطولة الفنان أحمد مظهر، ومن إخراج حسين كمال، مع مجموعة من الشباب والأطفال.

وأصل القصة أنها حول أب يدعى محمد مرسى، وأسماء أبنائه تبدأ كلها بحرف الميم ليكوّن إمبراطورية بأسرته التى تعد جزءًا من كيانه، ويفاجأ بعد ٢٥ عامًا من تربيتهم أنهم يريدون الخروج عن سلسلة القيود التى يضعهم فيها، إذ يواجهون عدم توافق الرغبات بسبب معارضتهم آراءه ومتغيرات العصر والتكنولوجيا ومستجدات الواقع الذى يعيشون فيه.

وإحسان عبدالقدوس قد تحولت بعض رواياته إلى مسلسلات تليفزيونية ناجحة أيضًا، ولا تزال تؤخذ دراما ومسلسلات من أعماله الأدبية.

ودراما «إمبراطورية ميم»، التى نشاهدها الآن فى شهر رمضان ومن إنتاج الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية مع تامر مرتضى، ضمن السباق الرمضانى ٢٠٢٤ على مدى ٣٠ حلقة، من بطولة الفنان خالد النبوى «مختار أبوالمجد» الذى يجسد شخصية رب أسرة يحاول الحفاظ على تلك الأسرة المكونة من ٦ أبناء وبنات من أعمار مختلفة، وهو أرمل توفيت زوجته وتركته ليفنى حياته فى تربية أبنائه الستة الذين كان يحلم بأن يكوّن بهم إمبراطورية سعيدة، إلا أن الواقع يتغير ويبدأ الأبناء فى التمرد عليه، وفى استبعاده من إدارة البيت، ويختلفون حول معظم الأمور، ويطالبون بحريتهم وتحقيق مطالبهم، كما يطالبون ببيع بيت الأسرة، إلا أن الأب يرفض بشدة لما يمثله له البيت من ذكريات وأحداث يعيش عليها ويعيش بها.

وقد استطاع خالد النبوى أن يقدم أداءً طبيعيًا من نوعية السهل الممتنع، والأب الوحيد الذى يعيش لإسعاد أبنائه، ويحزن لتمردهم، ويضحى برغباته كرجل ليتمكن من رعايتهم، وهذا الدور يعد استمرارًا لدوره فى مسلسل العام الماضى «راجعين يا هوى». 

ويقف خالد النبوى فى مقدمة أنجح الأعمال الاجتماعية هذا العام بقصة سبق نجاحها، وبأدائه الذى يجعله فى رأيى فى مقدمة الصفوف فى السباق الرمضانى، حيث تمكن من جذب اهتمام المشاهد بأدائه السلس لدور الأب الوحيد وسط أبنائه الثائرين على توجيهاته وأسلوبه فى تربيتهم، وذلك لأن المشاهد قد أصابه الملل من المسلسلات التى تقدم العنف المفرط والمليئة بعبارات خارجة وسلوكيات منحرفة كثيرة وعديدة، ومشاهد أليمة للعين وللأسرة فى الشهر الكريم.

وللأسف، فإننى أرى أن هناك حاجة ملحّة الآن لتقديم دراما تتضمن إعلاء القيم، وتسلط الضوء على الأخلاقيات والكفاءة والأمانة وتصحيح السلوكيات السيئة، لأن هناك على القنوات كمًا هائلًا من مسلسلات تقدم العنف المفرط والقتل والسلوكيات الخارجة والفاسدة فى معظم حلقات الدراما التليفزيونية الحالية، وفيها مشاهد تؤذى العين، هذا دون مراعاة أن الإعلام والدراما هما من أهم عناصر التأثير على السلوكيات فى البيوت المصرية، وذلك لارتفاع نسب المشاهدة خلال الشهر الكريم، وفى رأيى أن هذا النجاح الذى لقيه مسلسل «إمبراطورية ميم» يعود إلى أنه مسلسل يمكن أن تشاهده كل الأسرة، كبارًا وصغارًا، دون إسفاف أو عنف مفرط، ودون خجل، ولهذا استطاع أن يتسلل بسلاسة إلى البيوت المصرية فى الشهر الكريم.

وإن كانت هناك فى تقديرى مبالغة فى ذكر الأرقام بالملايين بشكل استفزازى، التى يعرضها صاحب المشروع الثرى الذى يهدف إلى هدم بيوت الحى القديم فى منطقة المعادى لبناء مشروع أبراج سكنية يعود عليه بالربح الوفير.

ويشارك الفنان خالد النبوى مجموعة من الفنانين أجادوا فى أدوارهم بشكل عام، مع درجات متفاوتة من الإجادة، منهم الفنانة حلا شيحة التى تعود بدور أم مطلقة تربى ابنتها وتواجه مشاكل عديدة مع طليقها، وبسبب تمسكها بعدم بيع بيت الحضانة، وهى عودة جيدة لحلا كممثلة قادرة على جذب المشاهد بسبب تعاطفها ثم إعجابها بمختار، وهى فى حاجة إلى الاستقرار فى حياتها وفى فنها، وعدم الإدلاء بتصريحات هوجاء تفقدها الكثير من مصداقيتها كفنانة، بينما لديها إمكانات فنية تؤهلها للتواجد مع نجمات الصف الأول، وتقديم أعمال ناجحة وأدوار صعبة.

ونجح بجدارة فى تقديم معالجة عصرية السيناريست محمد سليمان عبدالمالك، وبرع فى الإخراج المخرج الفنان محمد سلامة ضمن دراما رمضان، وتدور الأحداث من خلال الخلافات فى أسلوب الحياة واختلاف الرغبات بسبب الحلقة المفقودة بين الجيلين، وتستمر الأحداث المشوقة، ويحاول الأب بث القيم فى أبنائه مع اشتداد المشاكل، ويتابع المخرج محمد سلامة مواصلة المشاكل بين الجيلين بتسارع المشاهد أحيانًا وببطء أحيانًا أخرى. أما السبب الآخر فى نجاح المسلسل فيعود لمجموعة العمل التى تضم عددًا كبيرًا من الفنانين، بجانب خالد النبوى، من بينهم نور النبوى، الذى يبشر بمستقبل واعد، وهاجر السراج التى استطاعت أن تجسد دور الفتاة المتمردة التى تريد السفر للخارج، وهى تمتلك مقومات النجاح، وأتوقع لها مستقبلًا متميزًا.. الدويتو الكوميدى الناجح الذى يجعلنا نبتسم رغم تعقد المشاكل وأقصد به الفنانة الكوميدية المبدعة نشوى مصطفى، التى تتصدر قائمة أهم نجوم الكوميديا الاجتماعية فى مصر بما لها من جاذبية طبيعية، ومن قدرة على الوصول لقلب المشاهد، بالإضافة للبساطة فى الملابس والمظهر دون مغالاة أو إسفاف وإفيهات خفيفة ظل، ومعها محمود حافظ، الفنان الكوميدى الذى يتمتع بخفة ظل منذ لحظة ظهوره فى المشهد، وهو قادر على التلون فى أدواره، لكنه فى «إمبراطورية ميم» أبدع وتميز ونجح فى إضحاكنا، كما أجاد الفنان عمر زهران فى دور الصديق المتلون لمى، أو حلا شيحة، كما تميزت الفنانة السورية سولاف فواخرجى بأدائها الفنى الناعم لدور زوجة مختار، كما نجح الأطفال والشباب: مايان السيد فى دور الفتاة الضائعة، والطفلة منى زاهر والطفل ريمون توفيق، وإلهام صفى الدين التى قدمت مشهدًا متميزًا بحلق شعر رأسها أمام المشاهدين، وإن كان فيه تطويل ومط غير ضرورى، ويقوم الفنان محمد محمود عبدالعزيز بدور الأب المطلق لمى، الذى يستخدم صوته العالى لكسب معاركه، ولا ينجح فى استعادة طليقته مى بسبب فجاجة سلوكياته، ونجح فى تجسيد نوعية موجودة حاليًا من الإعلاميين الوصوليين المتواجدين فى الساحة الإعلامية.

وتتوالى الأحداث ويستمر الخلاف بين الأب وأبنائه مع صراعه بين الحفاظ على حب حياته الذى ظهر مع الأحداث وبين أبنائه الذين يحيطونه بالمشاكل المستمرة، والخلاف على بيع بيت الأسرة الذى يعتز به، ورفضهم الواضح لارتباطه بمن يهفو لها قلبه، وتبادله الإعجاب والحب، ويقف حائرًا بين حقه فى الحب وبين مشاكل أبنائه