رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نجيب الريحاني والملك فاروق عشقا صوته.. ما لا تعرفه عن "قيثارة السماء" الشيخ محمد رفعت (حوار)

الشيخ محمد رفعت
الشيخ محمد رفعت

الشيخ محمد رفعت “قيثارة السماء” وصوت رمضان الخالد، وصوت صباح مصر اليومى فى قرآن السابعة صباحا، كان شخصا ورِعا تقيا يخاف الله بشدة، وكان عزيز النفس متصوفا زاهدا يخاف الله بشدة ويتحرى الحلال والحرام في كل صغيرة وكبيرة.

 

مسه الضر “بالحسد" ففقد بصره وهو ابن عامين.. وبدأت رحلة مرضه من نفس مكان انطلاقه للنور.. كان صديقا لكبار مسؤلى ومشاهير مصر والعالم ولم تبهره السلطة.. كان شديد الكرم والجود.

 

كان مثقفا راقيا يستمع للموسيقى العالمية ويأتى كبار الفنانين له محبة فيه وليتعلموا منه.. رفض تبرعات علاجه وقال “الشيخ محمد رفعت غنى بكتاب الله ولا تجوز عليه الصدقة”.

 

التقت “الدستور”،  بهناء حسين محمد رفعت،  حفيدة الشيخ محمد رفعت للتعرف على جوانب جديدة من حياته وشخصيته

وجاء الحوار كالتالى:

الشيخ محمد رفعت طفلًا.. كيف كانت طفولته ؟

كان طفلا محببا للجميع، جميل الشكل، فى طفولته مسه الضر من الحسد، فأفقده بصره وهو ابن العامين، فقد كان طفلا جميلا مدللا، تراه يحمله والده “محمود ” مأمور قسم الجمالية ويتباهى بجماله، فكان محط أنظار المحيطين، رأته سيدة فأعجبت بجماله، وقالت “ابن ملوك وعينيه حلوة.. ده رمشه نايم على صحن خده”، وإذا بالشيخ يستيقظ فى اليوم التالى على صراخ وألم غريب فى عينيه ففقد بصره فى واحدة وأصبح لا يرى بالعين الأخرى إلا رؤية طفيفة.

 

في عام 1936 وبينما كان يقرأ سورة الكهف بمسجد سيدي جابر الشيخ بالإسكندرية، احتشد الناس كالعادة ليسمعوه، وبعد أن أنهى القراءة التفوا حوله ليعانقوه ويقبّلوه، وبينما هم كذلك طالت أصبع أحدهم العين المبصرة عن غير قصد ففُقئت، وفقد بصره تماما بعدها.

 

بدأ حفظ القرآن فى سن الخامسة، وتوفى والده وهو فى التاسعة من عمره، ليصبح يتيما صغيرا مسؤل عن عائلته، وبدأ شيخه يشعر بموهبته فرشحه للقراءات فى الليالى

كيف كان الشيخ “محمد رفعت الإنسان” وكيف كانت شخصيته مع عائلته؟

الشيخ رفعت لم يكن حالة نادرة فى كونه قارئا عظيما فقط ولكنه كان روح وشخصية مبهرة على المستوى الإنسانى، فقد كان طيبا وزاهدا وكريما، وكان متصوفا سمحا غير متشدد على الإطلاق، وكان مثقفا جدا ومطلعا.

 

كان صوفى أحد أبناء الطريقة النقشبندية، وكان شيخه يدعى “محمد أمين البغداد”، شيخ الطريقة النقشبندية وكان عراقى مقيم فى مصر، كان الشيخ رفعت شديد الكرم وبيته مفتوحا للناس طوال السنة وفى رمضان بشكل أكبر، كان أهلى دائما يرددون قصصا عن قيام جدتى من الصباح الباكر لتطهو للضيوف، وكان الجميع يتوافد على البيت لتناول الطعام حتى لو لم يلتقوا الشيخ رفعت فكان التبرك  بتناول الطعام فى منزله كفاية.

 

كان شديد الخشية من الله تعالى ويتحرى مخافة الله فى كل كبيرة وصغيرة، وكان يخرج بعد تلاوة القرآن من الإذاعة ودموعه تغرق وجهه من خشية الله وتأثرا بالقرآن.

 

كان الشيخ رفعت يقيم  صالون ثقافى فى منزله يحضره رامى والتابعى وزكريا وكان الفنانين والمشايخ يتوافدون على الجلوس معه لسماعه مثل الشيخ الشعراوى وليلى مراد ووالدها وأم كلثوم وعبد الوهاب والفنانين من غير المسلمين أيضا.

 

وكان يغنى بصوته قصائد، ويستمع لموسيقى بيتهوفن وموتزرت وباخ 

كم عدد أبناء وبنات الشيخ محمد رفعت ؟

ابنه الأكبر “محمد”، وهو كان بمثابة مدير أعمال الشيخ ينسق له مواعيده ويساعده لكون الشيخ رفعت “كفيف”  وعمي أحمد وقد سار على درب والده فحفظ القرآن ودرس القرآءات ونال الإجازة فيها، وعمتى بهية ووالدى ابنه الأصغر حسين، وجميعهم توفوا إلى رحمة ربهم.

من كان من أصدقاءه على علاقة وثيقة به من المشاهير؟

جميع المشاهير كانوا من أصدقاءه وعشاقه، أبرزهم الراحل محمد عبد الوهاب والسيدة أم كلثوم التى كانت تأتى لتتعلم منه، والغريب أن من عشاقه ومحبيه كان الفنان المسيحى “نجيب الريحانى” فقد كان عاشقا لصوته ونجيب حكى فى مذكراته أنه كان يجيد الفرنسية، ومن حلاوة صوت الشيخ رفعت طلب الريحانى ترجمة القرآن بالفرنسية، ورغم كونه إلا أنه كان يأتى لنا لسماع الشيخ هو ووديع خيري.

 

كما كان يأتى لسماعه الملك فاروق ومصطفى النحاس والشيخ الشعراوى وأنيس منصور غيرهم.

علِمنا أن الشيخ رفعت كان شديد الخشية من الله تعالى ويخاف ربه فى كل صغيرة وكبيرة.. ما مدى صحة هذا الكلام؟

بالفعل كان الشيخ رفعت، قلبه متعلق بحب الله تعلقا شديدا، وكان يخاف الله بشدة فى كل تصرف، فكان أبي يسمعه حينما يدخل خلوته، يبكى بحرقة ويظل يتوسل إلى الله قائلا “يارب أخاف أن كون مذنب.. اغفر لى” وكان يغلق غرفته عليه ويناجى الله ببكاء شديد وصوت عالى خائفا منه وطالبا لعفوه وكان لا يأبه أن يسمعه أطفاله وهو فى هذه الحالة من التضرع والتذلل والبكاء.

ما قصة رفضه وتخوفه من افتتاح الإذاعة بصوته؟

كما ذكرنا سابقا، أن الشيخ محمد رفعت كان شديد الخشية من الله تعالى متحريا للحلال والحرام فى كل صغيرة وكبيرة، البداية حين سمعه البرنس محمد على ابن عم الملك فاروق، وأعجب بصوته وطلب أن يفتتح الإذاعة، وقتها كان الراديو اختراعا غريبا، فتعجب الشيخ رفعت قائلا إنه كيف لقطعة الجماد تلك أن تصدر أصوات المشايخ وخاف من حرمانية انطلاق صوته فى موقع لا يرضى الله ورسوله، فأفتى له شيخ الأزهر “محمد الأحمدى الظواهري” فى ذلك الوقت بجواز قراءته فى الإذاعة وقال له “لعل عاصيا يسمعك فيلين قلبه” وطمأنه شيخ الأزهر قائلا إنه أول من سيشتري جهاز الراديو؟.

طلبته الإذاعة البريطانية وإذاعة برلين ولندن وباريس للقراءة لجذب المستمعين.

حدثينا عن ما تم من إعادة ترميم تراث الشيخ محمد رفعت بالإذاعة وكيف رأيتم ذلك؟

كان والدي يحاول جاهدا وبكل ما أوتى من قوة أن يجمع تراث والده الشيخ محمد رفعت، وكان يقضى الليالى محاولا ذلك، ولكن لم تسعفه وشال التكنولوجيا لكونها قديمة، ونحن كعائلة الشيخ لنا أكثر من 20 عاما نحاول إصلاح تراثه. 

كان هناك بعض التسجبلات التي جمعها الوالد، وكُتب عليها “لا تصلح”،  لكون وسائل التكنولوجيا قديمة وبداية فى ذلك الوقت، وكنت أنا وباقي الأحفاد نقوم بجمع تلك الإسطوانات ونحاول إعادة إصلاحها ونذهب بها للاستديوهات ولكن النتائج كانت غير مُرضية، إلى أن قام أحد لأساتذة بكلية الإعلام بكتابة “حفيدة الشيخ رفعت لديها كنز من التسجيلات”، مطالبا بإعادة إحيائها وسمعه فى ذلك الوقت الدكتور العزبى صاحب صيدليات العزبى والذى طلب لقائى، وأعلن تحمله لكافة التكاليف ووقتها علمت أن مدينة الانتاج الإعلامى بها أفضل استديوهات، فأوصلني بهم ولاقيت ترحيبا كبيرا، وأعدوا لنا ميزانية مفتوحة، وكل ذلك كان مقبل الاحتفاظ بنسخة، وتم إعادة الإحياء لمرحلة واحدة على ان يتم إعادة إحياء مرحلتين لا حقتين.

هناك قصة محبة كبيرة وإعجاب من الشيخ الشعراوى للشيخ محمد رفعت.. حدثينا عنها ؟

حالفنى الحظ بأن اطلعت على بعض كتابات الشيخ الشعراوى، وكان يروي فيها أن البداية حين كان الشعراوى وزملاءه تلاميذا، وعلموا أن هناك قارئ يقرأ فى مسجد فاضل باشا يأتى له الناس لاستماعه لحسن صوته، فقرروا الذهب للاستماع إليه، فلم يجدوا مكانا فأخبرهم أصحاب الشأن بالتواجد منذ الفجر، وبالفعل حضر الشعراوى وزملاءه فجرا وانتظروا لبعد الجمعة للإستماع للشيخ محمد رفعت ومن هنا بدأت رحلة العشق لتلاواته.

 

وخط الشعراوي بخط يده فى كتاباته قائلا: “إن الشيخ محمد رفعت وأثناء قراءته القرآن واستخدام أحكامه قد لفت انتباهنا نحن علماء الأزهر إلى معانى لم نكن نلتفت إليها من قبل”، مستشهدا بإحدى تلاواته لسورة إبراهيم واستخدام أحكام الوقف فى الآيات، والذى جعل الشعراوى وزملاءه ينظرون لمعانى الآيات بمنظور مختلف.

ما الموقف الذى فعله الشيخ محمد رفعت وأغضب الملك فاروق؟

كان الشيخ محمد رفعت رجلا زاهدا لا يأبه بالمال ولا بالسلطة، وذات مرة دعاه الملك فاروق لإحياء ذكرى والده، فأتاه الرد برفض الشيخ محمد رفعت، وذلك لم يكن إلا لأنه وعد بإحياء ليلة إحدى السيدات كبار السن من الفقراء التى كانت جارته وفضل القراءة فى ليلتها على القراءة بجوار الملك.

 

وأيضا ذات مرة استمع إليه “مهراجا هندى”، وطال منه السفر لإحياء بعض الليالى فرفض الشيخ رفعت، وظن المهراجا أن سبب رفض هو المال، فحاول تجديد طلبه بالمال ظنا منه أن المبلغ لم يعجب الشيخ حتى أصبح المبلغ خرافيا، وأرسل إليه المهراجا عن طريق الخارجية المصرية، ولكن سبب الرفض كان لتعلقه بالقراءة فى مصر فى رمضان.

كيف كان الشيخ محمد رفعت فى فترة مرضه؟

كان صابرا راضيا محتسبا، فقد احتبس صوته 8 سنوات وكن يتمنى رجوع صوته ليعود لقراءة آيات الله مرة أخرى.

بداية الأمر حين كان الشيخ محمد رفعت يتلو الكهف كعادته فى نفس المكان الذى حفظ فيه القرآن وهو طفل صغير وانطلق منه وهو “كُتاب بشتاك” المُلحق بمسجد فاضل باشا، وأثناء التلاوة احتبس صوته، وحاول القراءة مرة أخرى ولكن احتبس صوته تماما، كانت لحظة قاسية ضج الحضور بالبكاء، وارتفع صراخ المقرئين الشباب الذين كانوا يلتفون حول الشيخ كل جمعة يحاولون أن يتلقنوا بعض أسرار صناعته، وخرج الشيخ من مجلسه وهو حزين وخرج الحضور من المسجد يملأهم الحزن والدموع، ولكنه صبر على مرضه واحتسبه عند الله وكان عزيز النفس فى كل تصرفاته.

ما حقيقة رفضه لتبرعات علاجه؟

حين مرض الشيخ محمد رفعت، باع بيته وقطعة أرض كان يملكها ولم يقبل التبرعات التى جمعها المحبون له، وبعد ضغط وإلحاح تلميذه وصديقه الشيخ أبوالعينين شعيشع، وافق على قبول المعاش الشهرى الذى خصصه له وزير الأوقاف وقتها "الدسوقى باشا أباظة".

 

وتبنى الكاتب الصحفى أحمد الصاوى حملة لعلاج الشيخ من خلال اكتتاب شعبى، ونجح فى جمع 50 ألف جنيه، ولما علم الشيخ كتب إليه: «أنا مستور والحمد لله ولست فى حاجة إلى هذه التبرعات، والأطباء يعالجوننى ولكنهم لم يستطيعوا وقف هذا المرض ومنعه، والشيخ محمد رفعت غنى بكتاب الله ولا تجوز عليه الصدقة، وأعتذر عن عدم قبول هذه التبرعات».

 

يذكر أن الشيخ “محمد رفعت” واسمه مركب وهو ابن محمود رفعت ابن محمد رفعت فكان اسمه واسم ابيه وجده كلها مركبة، حفظ القرآن صغيرا وتزوج من محافظة المنوفية، وقرأ القرآن فى مسجد فاضل باشا والذى ظل يقرأ فيه رافضا الالتزام بالقراءة فى أي من المساجد الكبرى حتى ان الملك فاروق كان يأتى للمسجد لسماعه وكانت الإذاعى تبث من هناك.

 

توفي عام 1950 وكان حلمه أن يُدفن بجوار مسجد السيدة نفيسة حتى تقرر منحه قطعة أرض بجوار المسجد فقام ببناء مدفنه عليه، وقد كان من عادته أن يذهب كل يوم اثنين أمام المدفن ليقرأ ما تيسر من آيات الذكر الحكيم.

18c44b18-203a-4a4a-bc8b-b876bafa2445
18c44b18-203a-4a4a-bc8b-b876bafa2445
daf289d6-5b31-4c18-b83b-0688cd832778
daf289d6-5b31-4c18-b83b-0688cd832778
هناء حسين محمد رفعت
هناء حسين محمد رفعت