رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حول الدعم في مصر

بدأت فكرة الدعم منذ الحرب العالمية الأولى ليس في مصر فقط، بل في معظم دول العالم التي تضررت كثيرا من جرار الحروب والدمار الذي حل بسببها.
يرجع تاريخ الدعم الحكومي فى مصر إلى عام 1941، ويعتبر أحد أكبر بنود المصروفات التي تتحملها الدولة، ويهدف في الأساس إلى تخفيف الأعباء عن المواطن البسيط الذي يستحق الدعم عن طريق تخفيض أسعار بعض السلع والخدمات على أن تتحمل الدولة الفرق بين السعر الرسمي والسعر الحقيقي للسلعة أو الخدمة المستهدف دعمها.
لم تعرف الدولة المصرية الدعم بالشكل الرسمي قبل 120 عامًا، فإن ما كان يتم قبل الحربين العالميتين الأولى والثانية على فترات لم يرتقِ إلى مسمى الدعم بمعناه الحالي. فعلى سبيل الذكر تصدى الملك فاروق لمشكلة دعم أبناء الطبقات الفقيرة عام 1941،، وخصص مبلغا ماليا، وكان هذا المخصص أولى حلقات الدعم في مصر، لكن بشكل غير مباشر وفقًا لدراسة أعدها المركز المصري للدراسات السياسية والاقتصادية.
وسمع المصريين عبارات دعم السلع الأساسية كالزيت والسكر والوقود والأرز والشاي والكهرباء والكوبونات والتموين والبطاقات التموينية.
يرى البعض أن منظومة الدعم غير فعالة في الوصول لهذا الهدف، حيث أن أغلبية المستفيدين هم من الفئة الغير مستحقة للدعم الحكومي، لذا قامت الدولة بوضع خطة لإعادة هيكلة المنظومة بالكامل لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه وتخفيف العبء على الموازنة العامة للدولة.
أصبح الدعم أحد أركان العدالة الاجتماعية، التى نادت بها ثورة يونيو2013، وسابقا كان الدعم أحد أفكار ثورة 23 يوليو 1952 منذ أكثر من سبعين عامًا، بعد أن تبنت الفكر اليساري في الاقتصاد، وقامت بتحويل مصر من دولة رأسمالية إلى دولة اشتراكية، ومع مرور الوقت أصبح الدعم مشكلة تاريخية في مصر، يصعب الاقتراب منها، وتؤرق كل حكومة جديدة تفكر في إلغائه والمساس به. 
ولعل هاجس ما حدث في يناير 1977 هو خير دليل على ذلك، عندما قامت حكومة اللواء ممدوح سالم ووزير اقتصاده الفذ، الدكتور عبدالمنعم القيسونى، الاقتصادي الشهير، برفع الدعم جزئيًا بزيادة أسعار بعض السلع بنسبة متفاوتة، عندها قام اليسار المصري بإشعال الثورة وإثارة البسطاء، انطلقت من شوارع القاهرة، والجيزة، وحطمت المحلات وسرقتها، وحطم الثوار العربات أمام بيوت أصحابها، وهددت الثورة حكم الرئيس السادات، وكان في زيارة استجمام في أسوان، فعاد على الفور للقاهرة، وتم إخماد الثوار والقبض على المتآمرين، وظلت القضية متداولة حتى حكم ببراءة كل المتهمين فيها، وأطلق عليها السادات «انتفاضة الحرامية»، كما أطلقت عليها وسائل الإعلام «انتفاضة الخبز». 
ظل هذا الهاجس يؤرق الرئيس السادات ثم مبارك من بعده، وفى عهد حكومة الإخوان فى 2012، استحدث نظام منظومة الخبز، وبمقتضاه يعطى لكل مواطن خمسة أرغفة، وظل هذا ساريا، حتى حكومة شريف إسماعيل والتي تبدل عليها 3 وزراء للتموين، مما يدل على خطورة الأمر، وكالعادة كل وزير يحب أن يطبق وجهة نظره هو، فيتم التعامل مع ما سبق وكأنه فساد. 
تقوم الحكومة المصرية حاليا، ببيع عدد من السلع بأسعار مدعمة للمستهلك، وفى مقدمتها المشتقات البترولية بأنواعها والكهرباء، والخبز وبعض السلع التموينية، بما يوازى 37% من إيرادات الدولة الكلية، في حين أنه بقليل من التفكير، يمكن أن يصل إلى صيغة أفضل. 
وزارة للتموين يعمل بها آلاف الموظفين وينفق عليها ملايين الجنيهات سنويا تكاد تنحصر مهمتها في جلب المواد التموينية وتخزينها ونقلها وتوزيعها، وتنظيم الرقابة على آلية توزيع الدعم العيني، هذا فضلا عن التكلفة غير المباشرة التي يتحملها الجهاز الشرطي والقضائي لمعاونة الوزارة في أداء عملها. 
فبدلا من قيام الوزراء بعمل مناقصات لتوريد السلع التموينية لكل الجمهورية، من أرز وسكر وعدس وشاى وسكر ومكرونة وجبن وزيت، وهي عملية معقدة، وتحتاج لتكاليف باهظة تضاف إلى ميزانية الدعم، من نقل وبدلات لجان وحفظ ومخازن وغيره، فضلا عما يتخللها من فساد وفقد وتالف. 
فما المانع من حساب نصيب الأسرة من الدعم نقدًا، وتسليمه لها، نقد بكروت شهرية تصرف لدى وزارة التموين أو وزارة الشئون الاجتماعية، مع حماية المواطنين من تغول الأسعار، وهو الأمر الذي يؤدى إلى ابتلاع الدعم النقدي، بما يضمن حدا أدنى للحاجات الأساسية للأسرة.. المهم الرقابة وضبط المنظومة.

وفى كل الحالات، أي إجراء تتخذه الحكومة تجاه المواطنين لتخفيف المعاناة عنهم، يصبح جهدًا مهدورًا ومالًا مبعثرًا، ما لم يتم إحكام الرقابة على الأسواق والأسعار، من احتكار التجار للسلع الأساسية، وهي السكر والزيت والأرز