رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أسواق الكتب القديمة

في كل دول العالم توجد أسواق للكتب القديمة، وهي بقايا الكتب التي لم تبع في دور النشر، ومكتبات القراء التي يتخلص منها ورثتهم بسبب عدم رغبتهم في مشاهدة الكتب، وهي تجارة رائجة، تحقق الكثير لدى هواة اقتناء الكتب والباحثين، وعلماء التراث والتاريخ. 
في معظم الدول العربية توجد أماكن لبيع تلك الكتب، ولها أماكن محددة ومعروفة، يتجه إليها الراغبون للحصول على ما يريدون. 
وفي مصر توجد أماكن بيع الكتب المستعملة بأسعار رمزية في عدة أماكن هي: سور الأزبكية بجوار ميدان العتبة، والأوبرا بجوار محطة مترو العتبة، وتوجد به كل أنواع الكتب المستعملة بأسعار بسيطة جدًا، وسور جامعة القاهرة، وسور السيدة زينب، وسور دار القضاء العالي، وسور ضريح سعد زغلول.
ويعتبر سوق الأزبكية أشهر تلك الأسواق وأكبرها حجمًا، وتوجد به أنواع مختلفة من الكتب، وتجار الكتب فيه محترفون، ويلتقطون زبائنهم من الباحثين والعلماء ويتعاونون معهم، وهو مكان شهير، بجوار المسرح القومي، ومواجه لمسرح العرائس بمنطقة العتبة الشهيرة في القاهرة، يضم أكثر من ١٥٠ مكتبة، يجمع بينها جميعًا بيع وشراء الكتب المستعملة، فهو بمثابة معرض دائم للكتاب في وسط القاهرة المزدحم، ولا تضاهيه إلا سوق أخرى على ضفاف نهر السين بالعاصمة الفرنسية باريس، وشارع المتنبي في بغداد. 
استمدت السوق اسمها من تواجدها بالقرب من حديقة الأزبكية، التي أنشأها الخديو إسماعيل في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكانت فيها سوق بكل ما تعنيه الكلمة، حيث يتجمع المئات من باعة الكتب القديمة والجديدة، يعرضون بضاعتهم الثقافية، وتنتشر بين المثقفين مقولة إن أي كتاب تبحث عنه ستجد منه نسخة في سور الأزبكية. 
في كل محافظة من محافظات مصر تجد سوقًا للكتب شبيهة لسوق الأزبكية، وتضم تلك الأسواق مجموعات من الكتب النادرة.
في مدينة الإسكندرية يوجد شارع النبي دانيال، كانت به مجموعات هائلة من الكتب، موزعة في عدة محلات، تحكى تاريخ الإسكندرية ومصر، ولكنه تحول الآن إلى محلات لبيع العطور وأدوات التجميل. 
يعد سور الأزبكية المقصد الرئيسي للباحثين عن الكتب القديمة، وتقصده أعداد كبيرة من الكُتّاب والشعراء والمثقفين العرب، ويعد مصدرًا لمقتنياتهم من الكتب النادرة التي توقف طبعها، ولم تعد تطبع الآن، ويجدون فيه تلك الكتب، ففيه يتم بيع واستبدال وشراء جميع أنواع الكتب، فالراغبون في شراء الكتب بثمن زهيد يقصدون السور، والأطفال ممن يدفعهم والداهم إلى القراءة، والراغبون في البحث عن مجلات التسلية دون إرهاق كاهل أسرهم بمزيد من المصروفات. 
من سور الأزبكية اقتنيت معظم كتبي الموجودة بمكتبتي، وما زلت أحتفظ بكثير من الكتب النادرة التي وجدتها في تلك المكتبات.
لا أحد يعرف على وجه التقريب متى بدأت هذه السوق التاريخية والعريقة، ولا سبب تواجدها في هذا المكان. 
وبرغم مكانة السور ورواج منتجاته الثقافية، تعاملت أجهزة بلدية ‬القاهرة مع أصحاب المكتبات على أنهم باعة جائلون، يزحمون المكان، فكانت تطاردهم ولا تزال عمليات الكر والفر بين بلدية القاهرة ومعها شرطة المرافق. ‬‬ 
الحقيقة ما دفعني إلى كتابة المقال هو رغبتي في تقديم اقتراح أود أن أطرحه على السيدة وزيرة الثقافة، ونحن نعلم مدى حرصها على تنشيط الثقافة لنقل هذا المخزون الثقافي الهائل من المنطقة المزدحمة في وسط القاهرة والعتبة، إلى مكان متسع وهادئ، يسمح لآلاف الراغبين في اقتناء الكتب بالتجول فيه. 
المكان المقترح هو المنطقة التي تبدأ بكوبري قصر النيل، ومجمع أوبرا القاهرة الحديث في الطرف الجنوبي من الجزيرة. عند نهايتي الكوبري المكان كله مصمم ليكون مكانًا ثقافيًا وبؤرة للنشاط الثقافي. 
يمكن تأجير المكان لأصحاب تلك المكتبات، السور مصمم ليكون مناسبًا لعرض الكتب، وفيه مكان يسمح للمشاة بالتجول، فضلًا عن وجود مكان بجوار كورنيش النيل، بجوار المجلس الأعلى للثقافة ونادى الشرطة ونادى التجديف، يسمح بوجود تلك المكتبات. 
يمكن تجميل المنطقة والسماح بوجود تلك المكتبات في تلك المنطقة بعيدًا عن الزحام، فضلًا عن أن هذا المكان يعد ممشى جميلًا لمن يرغب في التجول سيرًا على قدميه.
ويمكن استغلال المكان أيضًا كمعرض هائل للفنانين التشكيليين بعيدًا عن زحام القاعات في الزمالك ووسط البلد. إنه جاليري طبيعي متسع، ويصلح بلمسات فنية بسيطة، كمكان راقٍ لعرض اللوحات للفنانين التشكيليين والرسامين وذوي المواهب، يمكن استغلاله كمكان جميل للوحات استعراضية هائلة. 
نأمل دراسة الاقتراح، بما يسمح بعمل معارض دائمة للإنتاج الثقافي للمجلس القومي للترجمة والمجلس الأعلى للثقافة، وهيئة قصور الثقافة والهيئة العامة للكتاب.
ويمكن استغلال المكان المُطل على نهر النيل في إنشاء مقهى ثقافي دائم للأدباء، على غرار المقهى الثقافي الذى كان يعقد في فترة معرض القاهرة للكتاب، كمكان مفتوح، ويصلح لأغراض الندوات، ويكون بمثابة ملتقى ومركز لتجمع الأدباء من كل الأماكن.
المكان جاهز ولا يحتاج إلا إلى بعض التشطيبات.