رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شخصيات روائية 4

الكاتب حمدي الجزار عن شخصيته الروائية "ريحان": "له أساس حقيقي من الواقع"

حمدي الجزار
حمدي الجزار

الشخصية الروائية، قد تتمرد على خالقها وتقتنص مصائرها بنفسها، وترسم دروبها بمفردها، ومنها المذعن من يرضخ لـ“ألاعيب السرد والحبكة” فتكون حياته خيوط عرائس ماريونيت يحركها المبدع كما يشاء.

وبين هذه الشخصيات ومبدعيها/ خالقيها، نقدم لكم في الـ“الدستور”، هذه السلسلة من الشخصيات الروائية، يتحدث عنها مبدعيها، كيف خلقوها، خلفيات هذه الشخصيات الاجتماعية والتاريخية، وهل الشكل الأخير الذي وصلت لنا بهذه هذه الشخصيات، هو نفسه الذي خلقه مبدعها في المبتدا، وغيرها في هذه الزاوية الأسبوعية.

وفي هذه الحلقة ــ الرابعة ــ يحدثنا الكاتب الروائي حمدي الجزار عن بطل روايته “سحر أسود”، والصادرة عن دار ميريت عام 2005. 

ريحان كهل بلا عمر تقريبًا موجود دائمًا وقوي الحضور

ويستهل “الجزار” حديثه عن الشخصية الروائية مشيرا إلى أن أول ما تبادر إلى ذهني حين قرأتُ سؤالكِ، هو شخصية ريحان في روايتي الأولى "سحر أسود". ريحان يظهر في السطر الثاني من الرواية، وبعد كلمات قليلة من الراوي، "ناصر عطا الله": “لا”.

لم أشعر برهبة من هذا المكان، أو بخوف من هذا العجوز الجالس على دكته الخشبية الصغيرة في مدخل البيت القديم، يخيط الأكفان البيضاء بابتسامة ثابتة تجمّدت معها ملامح وجهه، ونظرته المقتحمة التي تتردد بين الإبرة والقماش والداخلين والخارجين من البيت. يتفحصهم طويلًا، بثبات، كأنه لا يراهم، تقريبًا، كأن عينيه ميتتان، أو هكذا يبدو لشخص جديد مثلي هنا. يتفرس في وجوههم، يزنهم بميزان حسَّاس متفهم، وأيًا كان شخص الداخل أو الخارج من البيت، رجلًا أم امرأة أم طفلًا، وأية كانت هيئته وحاله ومشيته فإن العجوز غالبًا ما تنفرج شفتاه، وتلمع عيناه العميقتان الصغيرتان في ابتسامة ودودة تمنحها تجاعيد وغضون وجهه براءة الخلوّ من الغاية".

ويضيف صاحب رواية العروس عن الشخصية الروائية: “ثم يختفي ريحان لصفحات طويلة، يحدث خلالها بعض الأحداث الرئيسية في الرواية، حتى يأتي يوم ويصطحب فيه ناصر عطا الله حبيبته فاتن شهدي لشقته التى تقبع فوق محل ريحان مباشرة”.

"هذا العجوز لن يترك لي الفرصة للصعود إلى شقتي بالدور الثاني، برفقة امرأة، دون أن يثير في نفسي بعض الشكوك حول رد فعله، كما أن تسريبها، إن حدث ونجحت في اصطياد إحداهن، سيكون عسيرًا أثناء النهار، وهو الوقت الذي أفضل أن تغادر فيه المرأة".

بعدها سيدور حوار قصير بين ناصر عطا الله وريحان، حول النساء والحب والموت. ويختفي ريحان مرة أخرى، لكن العلاقة بينه وبين ناصر عطا الله قد تعمقت.

"يومًا وراء يوم تعمقت بيننا ألفة وتناغم وارتباط غامض مبهم، حتى إنني أصبحت أشم رائحته المميزة من على بعد مئات الأمتار".

ناصر عطا الله مشغول بقصة غرامه بفاتن شهدي، وعمله ككاميرا مان وتصوير البرامج التليفزيونية، وأصدقائه، وأحلامه في العمل بالسينما، ولكن القابع خلف كل ذلك هو علاقته بريحان، وشعوره بوجوده كمراقب يقظ طيلة الوقت.

وفي حديثه عن الشخصية الروائية “ريحان” يلفت “الجزار” إلي: قبيل نهاية الرواية يصدم ناصر عطا الله حين يكتشف خدعة "ريحان" وما كان يقوم به طيلة الوقت.

"رأيته تلك الليلة، رأيته وهو يفض ما قضى يومه في عمله. كان كل مساء حين يكون على وشك إغلاق دكانه يمسك الكفن، الذي قضى يومه في خياطته بين يديه المعروقتين الماهرتين، وببطء يبدأ في فك الخياطة محاذرًا أن يحدث أي قطع في الكفن. يفك ما خاطه ليعود الكفن كما كان، قطعة قماش بفتة كبيرة طولها نحو المترين وعرضها متر، يطويها بعناية ويضعها على الرف الخشبي إلى جوار قماش الأكفان الأخرى!

في الصباح يأتي بهذا القماش نفسه ليبدأ في خياطته من جديد. هكذا كل يوم، يخيط القماش في النهار ويفضه فى المساء، ويترك لي حيرة أشد من حيرتي الأولى".

لريحان أساس واقعي، مشهد صغير تكرر في خبرتي الذاتية حين كنت أسكن فوق محل "حانوتي السيدة زينب" مباشرة في عام 2000، لكن الباقي كله خيال في خيال.

حين قرأ الروائي والقاص الراحل محمد البساطي "سحر أسود" قالى لي إن شخصية ريحان لا تأتي للروائيين كثيرًا، وإنها شخصية فريدة بالفعل.

وتسائل بعض نقاد عن ظهورها المحدود، ورأى آخرون أني نسيتها!

ريحان كهل، بلا عمر تقريبًا، موجود دائمًا، وقوي الحضور، وسر قوته في أنه الشاهد على كل ما حدث بالرواية. ريحان قليل التدخل، قليل الكلام، لكن الرواية كلها تقع تحت بصره ومعرفته، وبغيره لم تكن لتوجد"سحر أسود" على الإطلاق.

188944_1015286263162_8031_n