رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المثقفون العرب.. وأزمة غزة

تعوّد المثقفون في كل بلد أن يكون لهم صوتهم المعبر عن رأيهم في الأمور الكبرى التي تعترض الوطن. 
انتظرنا موقفًا موحدًا من المثقفين والأدباء العرب، للتعبير عن عدم رضاهم عما يحدث في غزة، ومن سلبية المجتمع الدولي، إلى الحد الذي قام فيه هذا المجتمع بقطع المعونات عن المؤسسات الدولية التي تسهم في تخفيف المعاناة عن أبناء غزة مثل منظمة أونروا التي كانت بمثابة قطرة في بحر لرفع المعاناة عن الفلسطينيين في غزة. 
وكما استغل المثقفون الغربيون مناسبة معروض فرانكفورت الدولي للكتاب، وهي مناسبة ثقافية ووظفوها سياسيًا، وأيدوا الغزو الإسرائيلي لغزة.
هل يفعلها الأدباء العرب؟؟ ويتكاتفون معًا، الأدباء والمفكرون والمثقفون والفنانون، ويصدرون معًا بيانًا موحدًا للعالم أجمع، بمناسبة معرض القاهرة الدولي للكتاب، يناشدون فيه المفكرين والأدباء والحكام، في الغرب وأمريكا، يشرحون فيه ما حاق بغزة من جراء الغزو الإسرائيلي الغاشم، والمفرط في الوحشية، الذي بدأ منذ أكتوبر الماضي، وكل يوم تزداد فيه وحشية الإسرائيليين. 
ويكتبون أيضًا عن الفوضى الخلاقة التي اختلقها مفكرهم برنارد لويس، وتبنتها كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، صاحب مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي برز في ذهنه وحاول تحقيقه، وعندما جاءت أحداث سبتمبر 2001، جعلته يتخلى عن مشروعه، ويقوم بتوجيه ضربة لأفغانستان أو تنظيم القاعدة. في أعقاب أحداث سبتمبر، وعلى الفور اتجهت أنظار المفكرين والمثقفين الأمريكيين إلى العرب والمسلمين، وجمعوا أكثر من ستين مثقفًا أمريكيًا من كبار المثقفين في أمريكا، بينهم فرانسيس فوكوياما وصامويل هنتغتون وجيرار برادلى وصامويل فريدمان ونيل جلبرت وتوماس كوهلر وهارفى مانسفيلد وروبرت بوتمان وبول فيتز. 
اجتمع هؤلاء ومعهم أكثر من 60 مثقفًا أمريكيًا، ووجهوا رسالة إلى العالم الإسلامى والمفكرين العرب عنوانها "لماذا يكرهنا العرب"، معتبرين أن الحرب على الإرهاب هى حرب إنسانية، لا تستهدف شعبًا أو ثقافة أو دينًا بذاته.
وقتها قالوا في رسالتهم: إننا نشدد على خمس حقائق أساسية تتصل بكل الناس من غير تفرقة:
١ ــ إن البشر يولدون متساوين في الكرامة كما الحقوق. 
٢ ــ الشخصية الإنسانية هى العنصر الأساسي في المجتمع، وتكمن شرعية دور الحكم في حماية هذه الشخصية والمساعدة على تأمين فرص التفتح الإنساني. 
3 ــ يرغب البشر بطبيعتهم في البحث عن غاية الحياة ومقاصدها.
٤ ــ حرية الضمير والحرية الدينية من الحقوق التي لا يمكن انتهاكها في الشخصية الإنسانية.
٥ ــ القتل باسم الله هو مخالف للإيمان بالله وهو يعد خيانة عظمى لكونية الإيمان الديني.
بناءً عليه، فنحن نحارب للذود عن أنفسنا، ودفاعًا عن هذه المبادئ الكونية. 
ما هى القيم الأمريكية؟ منذ 11 سبتمبر، يسأل ملايين الأمريكيين أنفسهم، ويسأل الواحد منهم الآخر: لماذا؟ لماذا نحن عرضة لاعتداءات مبغضة؟ ولماذا يحتاج هؤلاء الذين قتلونا إلى قتلنا؟ 
ونحن أيضًا كمثقفين عرب نريد أن نقول للمثقفين الأمريكيين والغربيين: إننا سئمنا من القتل والخراب لشعوبنا وأوطاننا. ألا تكفي 23 عامًا من العذاب، للشعوب العربية في مصر وسوريا وتونس والعراق وليبيا واليمن والسودان، في ظل ما يعرف بالربيع العربي؟ لا يسمع العالم في منطقتنا، سوى أصوات القنابل والرصاص والانفجارات، والصراخ والعويل، ونعرات التهديد والوعيد، وصيحات الله أكبر في ميادين القتال فقط.
لقد أصبح العالم لا يسمع أصوات صلواتنا، التي خفتت وضاعت تحت وطأة الانفجارات وفرقعة الطلقات، ولا يسمعون صوت كتابنا وشعرائنا وأدباءنا، ولا الأصوات الخافتة التي تدعو للسلام.
إننا نريد أن نقول أيضًا: إننا أصحاب حضارة، لها قيم نبيلة، تدعو للمحبة والتسامح، وتدعو لصون إنسانية الإنسان وكرامته وحريته، قيمنا هى التي حفظتنا من الاندثار. 
تعاونوا معنا وحثوا قادتكم على الكف عن التدخل في بلادنا وعقيدتنا، واتركونا نقرر مصائرنا بأنفسنا، ولا تخربوا بلادنا من أجل حفنة من الإرهابيين الذين لا يعرفون قيمنا الحقيقية، هؤلاء الإرهابيون الذين وفدوا إلينا من كل حدب وصوب، ليزعزعوا استقرارنا وهدوءنا، ويشوهوا أطفالنا وبلادنا وحضارتنا. تضامنوا معنا من أجل مستقبل واعد مشرق للإنسانية في ظل السلام. هل يمكن أن يفعلها المثقفون والأدباء العرب ويخاطبوا أقرانهم من المثقفين والأدباء الغربيين، ليتضامنوا معنا في حملتنا ضد الإبادة والقتل والخراب والتدمير؟؟ أتمنى.