رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشباب وصناعة الكتاب

  تابعت على هامش فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب ظاهرة اختلفت حولها الآراء بين متفق ومتحفظ ومعترض. تلك هي كثرة أعداد العناوين الجديدة الصادرة عن شباب يُصدرون كتابهم الأول أو الثاني على الأكثر. وحقيقة الأمر أن هذه الظاهرة ليست جديدة على الإطلاق، ففي كل عام لابد أن نرى كتّابا جددا وإصدارات - ولا أقول إبداعات - جديدة. وقبل عدة أعوام لفتت انتباهي تلك الظاهرة وتوقفت عندها مرحبا ومشيدا، بل ومساندا عبر منصتي الإعلامية، إذ استضفت ثلاثة كتّاب يُصدر كل منهم عمله الإبداعي الأول.
  واليوم لا أجد أن موقفي بل وحماسي للمبدعين الشباب قد تغيّر أو تراجع أو فتُر. أتذكر أن كنا في معرض الكتاب في موقعه السابق بمدينة نصر قبل 17 عاما، وإذا بطابور طويل من الشباب قد انتظم ليحصل على توقيع واحد من شباب الكُتاب - في حينها -على نسخ اقتنوها من كتابه الأول. وساعتها أبدى لي أحد كبار المبدعين دهشته، بل وسخر من المشهد كله. لكن هذا المبدع الكبير لم يدرك أن هذا الإقبال الشديد قد سبقته لقاءات وحوارات وصداقات بين الكاتب وهذا الجمهور في العالم الافتراضي ومنصاته ونجح في إقناعهم بنفسه فأتوه اقتناعا ومحبة، لا نفاقا ومجاملة. نعم، فقد استطاع هذا الكاتب حينها أن يتحقق عبر السوشيال ميديا واختار جمهوره ليكون جيل الشباب، وفي هذا الاختيار ذكاء يحسب له لا عليه. وقد صار هذا الكاتب اليوم أكثر تحققا وأغزر إبداعا وأعمق فكرا وأنجح تجربة وأوسع شهرة.
   هي تجربة شبيهة بما حققه قبله أستاذ جيله الكاتب الراحل د. أحمد خالد توفيق والذي راهن على جيل من القراء فصنع لنفسه جمهورا كبيرا، وصار هذا الجمهور فيما بعد إضافة لعالم الإبداع كله. فلماذا إذن نعيد طرح السؤال اليوم وننكر على مبدعينا الشباب حقهم في ولوج هذا العالم الرحب الفسيح ؟ وطالما أن كل - وأكرر كل - إبداعات شبابنا لا تعتريها دعوات تطرف أو شبهة انحراف فكري أو عقائدي، فلماذا يسعى بعضهم لتقييد حرية الشباب الفكرية واتجاههم نحو الإبداع؟
    وإذا كانت حجة بعض الأساتذة أن شبابنا متعجل إذ اتخذ قرار الخلق قبل أن يمتلك كامل أدواته سواء الفكرية أو حتى مهارات الكتابة ذاتها، فإن من حقنا أن نرد الكرة إلى ملعب هؤلاء المعارضين. إذ من الواضح أن هؤلاء الآباء أنفسهم قد قصّروا في أداء دورهم المفترض بالرعاية والمتابعة والتوجيه، فابتعد الشباب المبدع عنهم جسدا وروحا وقراءة ومتابعة ومن ثم تتلمُذا واستفادة. وبناء عليه، أجدني متفقا تماما مع أصوات الشباب التي تخاطبنا قائلة: لا تلومونا، ولوموا أنفسكم.
    وعلى عكس تلك الأصوات المطالبة بأن يكون شباب المبدعين أكثر رشدا وتأنيا في الإقبال على النشر، فإنني أشد على أيادي كل الناشرين الذين يتيحون الفرصة من خلال دورهم لمبدعين جدد، وأرى فيهم ذكاء يحسب لهم فهم بهذا يحافظون على سوق الكتاب بزيادة قاعدة المتلقين الذين سيقهرون بإرادتهم القوية كل تقلبات السوق التي تهدد صناعة الكتاب وتحارب تلقيه ورقيا أو مطبوعا. كما أن هذا الجيل من شباب الكتّاب هو الذي يحافظ بصبره وتجاربه الإبداعية - الموفقة في معظمها - على أن تكون الكتابة الموثقة ورقيا هي الأصل والمرجع في مواجهة تحديات السوشيال ميديا.
  وأعود  لمناشدة وزير الشباب أن تطّلع الوزارة بدورها في مجال تثقيف الشباب بتنظيم مسابقة للمبدعين منهم في القصة والرواية والشعر وأدب الرحلات والإبداع الفكري، وأن تكون الجائزة عبارة عن طباعة الكتب الفائزة فيها، وقطعا ستحظى تلك الكتب بالرواج والتوزيع فللشباب جمهورهم من أبناء جيلهم ولديهم آلياتهم المبتكرة في الدعاية والإعلان. وبالقطع ستوزع تلك الكتب بكثرة خاصة إذا تمت إتاحتها للبيع بسعر التكلفة، وحبذا لو كانت بدعم مناسب من ميزانية الوزارة، إذ أن العناية بتثقيف الشباب لا تقل أهمية عن رعايتهم صحيا ورياضيا.
    حديث البعض اعتراضا على كم المنتج الثقافي الشبابي الورقي غير منطقي، إذ الأولى أن نناقش المبدعين الشباب في جودة منتجهم ومحتواه وهنا يتطور عملهم ويصبح أكثر نضجا فيقبلون بعد ذلك على تحسينه في طبعات لاحقة، أو يراجعون أفكارهم ويعيدون طرحها بعد تعديلها في إصدارات جديدة، لتبقى مصر دائما بلد الإبداع الأول ومصدر الوعي لأمتها ولكل الناطقين بلغة الضاد. وراجعوا أيها المعترضون تجربة الإذاعية الرائدة هدى العجيمي "مع الأدباء الشبان" وكيف كانت تلك المنصة همزة وصل بين الكبار والشباب، فخلقت بوعي وبمهنية جيلا من المبدعين هم اليوم سند هذه الأمة وقاعدة إبداعها الأهم.