رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من مقامات الغضب.. الحيرة

■ من يريد العمق؟ من يريد هذه الحكمة فى زمن اللا عقل؟

■ ما فائدة أى شىء إذا كانت الحياة تعود لتبدأ من جديد، من نقطة الصفر؟ ما الجدوى إذا كنا عرضة دائمًا للخسارة ولا شىء مجانيًا؟

■ ما الذى يقضى على الغضب؟ يفرغه من طاقته، يحوله لشىء أبله بلا معنى؟ لا شىء يعادى الغضب كالملل والتكرار، الغضب دائمًا طازج، فى كل مرة تفور الدماء، تتسع الشرايين وتعمل مضخات القلب بأقصى قوتها وتدفعك الهرمونات لحافة الهاوية، ويتحول العالم لحفرة، هوة، صراخ من السقوط المفاجئ، الذى لم يحدث بعد، أو ربما يحدث فقط فى خيالك.

■ كل الثورات والاحتجاجات تعود بنا للدائرة ذاتها، ويصبح أكبر إنجازات ثورة يناير أنها أتت بالإخوان إلى الحكم، وإنجازها الأعظم أنها جعلت بعض التكاتك تجرؤ على دخول المنيل.

■ أيها الضابط.. نحن من صنع آلهة من الأحلام والأمنيات.. نفخنا فيها من أرواحنا، من براءتنا، من الشغف بالحياة، من الرغبة فى التغيير. 

■ لم يقل لى إنه يحبنى، قال إنه يريد أن يتزوجنى، وهذا ما كنت أحتاجه، كانت أذنى ومسام جلدى ممتلئة بكلمات الحب، وكانت غددى الدمعية، الغدد الأكثر استخدامًا فى جسدى، هى التى تلتهب وأنا أمحو هذه الكلمات من ذاكرتى بعدما يفر قائلها ولا يعود، ولا يرد على اتصالاتى.

■ لا يزداد وزنك وتصبح بدينًا دفعة واحدة، رويدًا رويدًا، تتجمع الدهون قطرة، قطرة.. تمتلئ خلية دهنية، واحدة خلف الأخرى، تتمدد تنتفخ، لا تكف عن طلب المزيد، خلايا شرهة خائفة، واجفة مرتجفة، تخاف الفقر، العوز، الحرمان، لا ترتاح، لا تستقر، تتحور، تفتقد خلاياى كل الأحضان التى لم أحصل عليها، تسترجع كل الصرخات الموجهة لوجهى، كل الصفعات، فتتلوى وتعوى ولا يسكتها سوى المزيد من الدهن السائل، أردد: ستكون هذه اللقمة الأخيرة، لكن ما هو سائل يتصلب ويذهب للمخازن الدفينة ويبقى الفراغ، والسنوات العجاف، ولا تأتى سنوات الرخاء أبدًا.

■ هذه العائلة كل من فيها عانى، إما من تمرده وعصيانه وثورته وغضبه، وإما من خضوعه وخنوعه واستسلامه، عائلة أفرادها لا يعرفون الاعتدال، على طرفى النقيض يقفون، وكل يدفع الثمن، ولا فائدة من النصائح سوى مزيد من التوتر والعناد، هذه العائلة تخاف من الفشل، تهرب منه، لكنه الفخ الذى يقع فيه كل أفرادها.

■ أحيانًا ما تبدو فكرة الراحة والثروة والرفاهية جرحًا مضاعفًا لجروح الآخرين، فحين أحافظ على انضباطى الدائم ومواعيد تدريب الاسكواش أو الجرى فى «تراك» النادى، تبدو الأفعال الطبيعية وكأنها إساءة، وجرح لكل المرضى الذين يقعدهم مرضهم عن ممارسة أبسط متطلبات الحياة.

■ وكثرة المعلومات، مثل قلتها؛ تسبب حالة من الإرباك وتشعرنا بالتعب والإعياء. 

■ أردت أن أعرف ماذا يحدث، أن أشاهد بنفسى، ورأيت وجوهًا محتقنة، ووجوهًا لاهية كأنها فى نزهة، ليست هذه وجوهًا خرجت من المقبرة، هل يخرج ميت من القبر؟ الحماسة الزائدة وإيقاع الهتاف والتأكيد على عدد منها، ودفعها كلها فى معنى واحد، يدل على أن هناك من يقف وراءها، وأن الأمور ليست بالعفوية التى تبدو عليها.. أين التقارير؟ أين ذهبت التقارير؟ هذه الهتافات جديدة من أين جاءت؟ 

■ مع وجود الكاميرا لم يعد للحقيقة وجه واحد، صار للحقيقة ألف وجه.. مع وجود الموبايل فى يدك أنت فى قلب العمل طوال الوقت، لم تعد هناك حدود للزمان أو المكان.. وهذا شىء مهلك، أن تظل فى الدائرة نفسها دون حدود أو فواصل، الزمن منساب فى أبدية لا تنتهى، وتجد نفسك متورطًا كل لحظة فى تفاصيل وعلاقات ملتبسة، من اجتماع إلى اجتماع، ومن الكنترول رووم إلى الاستديو إلى المونتاج، دوائر متشابكة، وساعات من البث، هدير لا ينقطع، ودوامة لا تعرف أبعادها.

■ قبل عامين كنت سأسخر من رأيه وأخبره فى وجهه أنه رجل تقليدى، وأن كل الوجوه استهلكت واستنفدت، وأن كل الدعاة المعتدلين والمتشددين احترقوا، لكن الحقيقة الصادمة أن ما يقوله صواب، وأن الدين هو المنتج الأكثر مبيعًا فى العالم. 

■ حققنا الثورة، لكن أفكارنا لم تتحقق، وظهر واضحًا أن الإخوان والجماعات الإسلامية هى المسيطرة على الأرض، انزوينا فى ركن خيمة قريبة من مدخل محمد محمود، الشموع ليست ساطعة كالكشافات، والجيتار أضعف من الدفوف والطبلة، تلعلع المكبرات بالتكبيرات والأدعية الدينية والخطب، شعرت بالغربة فى الميدان، كانوا يحتفلون بنجاح الثورة، لكننا كنا غارقين فى الإحباط، وتحيط بنا هالات النور التى انطفأت وعشرات الزهور التى تساقطت وقطفت فى غير أوانها. 

■ تبدو النساء الأكثر تدينًا والأكثر تشددًا فى الدين.. النساء يسهرن على رعاية الإله كما تسهر الأمهات على رعاية أطفالهن، أزواجهن.. لو لم يكن هناك إله، الأمهات كنّ سيخترعن إلهًا، الرجال يريدون إلهًا يستمدون منه نفوذًا وبسطًا وسيطرة على الآخرين، النساء يردن إلهًا كى يستمر دورهن فى الخلق والرعاية والحماية. 

■ يبدو لى أحيانًا أن أمى أكثر وعيًا من أبى، حتى وإن بدت أكثر خضوعًا وطاعة للطقوس، هى تستعين بفكرة الإله الذى يمنح ويمنع ويسيّر كل شىء، ركنت لوادى الدعة استراحت من تبعات أفعالها، وتحمل عواقبها بإحالتها دومًا لكائن أعلى. 

■ الغرباء يجلسون على طرف العالم، فى انتظار حافلة تأخذهم لطرف أبعد، تتمدد الأطراف ويظلون على الهامش، يتغير متن العالم وتنتقل مراكز الثقل، لكن حافلات الأطراف لا تغير خطوط سيرها، مشدودة برباط خفى لخطوط.

■ تظل البدايات توجه خطوط سيرك، مهما تشابكت أو تفرعت واعتقدت أنك راوغت الزمن ستجد الحكم فى نهاية المباراة يطلب أن تعود لنقطة البداية.