رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عاجل| تصحيح مسار.. كيف نستعيد أمجاد الكرة المصرية بعد الإخفاقات المتتالية؟

منتخب مصر
منتخب مصر

«العربة أولًا أم الحصان؟».. سؤل يستخدم بصفة مستمرة للتعبير عن سوء التخطيط والإدارة، فهل يجوز أن نضع الحصان خلف العربة ثم نطلب منه شد تلك العربة إلى الأمام، أم أنه يجب أن نضع الحصان أمام العربة لتتحرك فى طريقها الصحيح؟

خروج المنتخب المصرى من أمم إفريقيا ٢٠٢٣ بأداء هزيل ليس وليد اللحظة، لكنه نتاج سوء تخطيط لازم كرة القدم المصرية والمنتخب لسنوات عديدة، بدءًا من المجاملات فى اختيارات المديرين الفنيين والمحاباة فى قطاعات الناشئين.

ندرت المواهب وعلا صوت «أبناء العاملين» وأصحاب المجاملات، لتتحول كرة القدم المصرية إلى وسيلة للمجاملة والصداقات.. فكيف نضع الحصان أمام العربة مرة أخرى؟ 

الاهتمام بقطاعات الناشئين.. وتخليصها من المجاملات و«أبناء العاملين»

فى الأساس، قطاعات الناشئين هى المعمل الذى يتم بداخله تحضير اللاعبين للفريق الأول، لكن المجاملات فيها أدت إلى قلة جودة اللاعبين المتأهلين للفرق الأولى، إلى جانب الاعتماد على مدربين ليسوا من ذوى الخبرة والعلم.

قبل عام ٢٠١١، عاشت الكرة المصرية سنوات زاهية، وحققت العديد من الإنجازات، وعلى رأسها الفوز ببطولة كأس الأمم الإفريقية ٣ مرات متتالية، قبل أن تدخل فى عصورها المظلمة.. وقتها كانت الأندية الشعبية فى أفضل فتراتها، وقطاعات الناشئين تخرج لاعبين مميزين للفرق الأولى، لكن سرعان ما تبدلت الأمور، وسقطت قطاعات الناشئين فى اختيار اللاعبين بناءً على القرابة، ليهيمن «أبناء العاملين» ويأخذون الأفضلية على أصحاب المواهب، فقط لأسماء آبائهم، إضافة إلى إلغاء مسابقات بعض المراحل العمرية، وإبعاد اللاعبين الشباب الموهوبين عن أنديتهم. 

إذا قادك حظك إلى اختبارات الناشئين الموسمية فى أى نادٍ، سترى أكثر من ٥٠ طفلًا يتقاتلون على الكرة فى مساحة ضئيلة، لفترة لن تطول عن ٥ دقائق، مساحة وزمن وظروف لا تسمح بأى هامش للإبداع، وسط عشوائية لن تظهر أبدًا إمكانات لاعب وقدراته، ولن ترى سوى تدافع سيقان وأذرع وأصوات مرتفعة تطالب كل طفل بأخذ الكرة والركض بها دون النظر لزملائه، لتتحول فجأة كرة القدم للعبة فردية.

أثناء تواجد السويسرى رينيه فايلر فى الإدارة الفنية للأهلى، عمل على توحيد طريقة اللعب بين فرق الناشئين والفريق الأول، ليصبح اللاعبون مؤهلين للاندماج مع الفريق الأول، على طريق الأندية الكبرى، فمثلًا إذا نظرت لفرق الشباب فى أندية أوروبا، سيصعب عليك الوصول لاختلاف بينها وبين الفريق الأول، فالجميع يتحركون بنفس الطريقة وفى نفس المساحة ويلعبون بنفس الشكل.

وتتزايد أهمية توحيد طرق اللعب والتنسيق بين مدربى المراحل العمرية المختلفة مع الفريق الأول، لرفع وعى اللاعبين التكتيكى، وإدراكهم المهام المطلوبة منهم، وتطور مراكز وتكتيك كرة القدم.

التركيز على إعداد مُدربين مؤهلين على طريقة «PRO» وليد الركراكى

أصبحت كرة القدم فى العصر الحديث علمًا ودراسة أكثر من كونها موهبة، فلم يعد من الضرورى أن يكون المدير الفنى لاعب كرة قدم لامعًا ليصبح مدربًا شهيرًا وناجحًا، فمثلًا دييجو مارادونا، أحد أفضل لاعبى الكرة عبر تاريخها، لم يكن مدربًا ناجحًا، ومع التطور العلمى ازداد التعقيد والتطور فى كرة القدم، فأصبح العلم والدراسة أهم من الموهبة، والطريق الصحيح لإنشاء جيل مميز وتحقيق البطولات.

لكن كرة القدم المصرية لم تنل نصيبها من العلم والدراسة حتى الآن، لدرجة أن بعض مدربى أندية الدورى الممتاز حصلوا مؤخرًا على الرخصة «A» التدريبية من الاتحاد الإفريقى، رغم أن بعضهم يعمل بالتدريب منذ أكثر من ١٠ سنوات.

بالنظر إلى تجارب دول أخرى، نجد وليد الركراكى، المدير الفنى لمنتخب المغرب، تدرج فى المناصب التدريبية، وفى مسار الرخص التدريبية والدراسة، ليصبح مديرًا فنيًا لمنتخب المغرب، وحاصلًا على الرخصة «Pro» من الاتحاد الأوروبى، وهى أعلى الرخص التدريبية، ليحقق أفضل إنجازات العرب وإفريقيا مع المغرب فى المونديال، ويقدم واحدًا من أفضل وأشرس أجيال القارة السمراء.

وولى الاتحاد الدولى لكرة القدم أهمية للرخص التدريبية، لأهميتها فى مساعدة الاتحادات الأعضاء على تطوير مهارات المدربين على طريقين، أولهما النظرى بمنهج شامل ومخطط، ثم التطبيق العملى والتدريب على كرة القدم، بل إن المدربين المشاركين فى الدورات يخضعون لتدريبات خاصة بالكرة، من أجل إدراك أهمية كل التدريبات التى يخططونها للاعبيهم.

أما فى الكرة المصرية، فما زال الحال مستمرًا على «الفهلوة» والاعتماد على اللاعبين السابقين، دون النظر إلى قدراتهم الفنية أو التدريبية، ما تسبب فى تأخر اتجاه هؤلاء اللاعبين للدراسة والعلم.

ما زالت الفرصة قائمة لاستعادة أمجاد الكرة المصرية وإعادتها مرة أخرى لمصاف الكبار فى القارة السمراء، والحل يبدأ من العلم، والاعتماد على إعداد مجموعة من المدربين لقيادة فرق الناشئين، وإعداد جيل جديد قادر على الدخول ضمن الفرق الأولى لأنديتهم، ليأتى دور الأندية بمنح الفرصة للاعبين الشباب والاعتماد عليهم فى سن صغيرة، والاهتمام بالإعداد البدنى والذهنى لهؤلاء اللاعبين من صغر سنهم.

العديد من لاعبى كرة القدم بدأوا الدراسة وحصلوا على الرخص التدريبية أثناء مسيرتهم فى الملاعب، من بينهم محمد الننى، لاعب منتخبنا وفريق أرسنال، الذى حصل على الرخصة «A»، وهو ما يضاعف من وعيه فى الملعب، ويزيد من قدراته على الإلمام بأمور التدريب مبكرًا، والإعداد له كمدرب قادم.

كما عمل بعض الاتحادات على منح لاعبيه الرخص التدريبية، ومنها الاتحاد البلجيكى الذى عقد دورة تدريبية للاعبى المنتخب، على رأسهم كيفن دى بروين، و١٧ لاعبًا من زملائه، لتحضير جيل جديد من المدربين الوطنيين القادرين على إنشاء أجيال مميزة لمنتخباتهم.

وضع «فلسفة كروية» واضحة من خلال «المدير الفنى للاتحاد»

توالى على المنتخب المصرى عدد من المدربين، وكان لكل منهم فلسفة كروية مختلفة عن الآخر، جاء المدرب الدفاعى وخلفه الهجومى، ثم عدنا للدفاعى مرة أخرى، دون أى شكل واضح أو تخطيط للكرة المصرية، فمثلًا لا يمكن للمنتخب البرازيلى، صاحب الفلسفة الهجومية، أن يتعاقد مع مدرب ذى عقلية دفاعية، لتأتى الخطوة الثانية فى خطة النجاح، وهى تحديد الأهداف المطلوبة والفلسفة التى ستتبع مع المنتخب خلال السنوات المقبلة.

وضع الخطة والفلسفة الكروية مهمة أساسية من مهام المدير الفنى للاتحاد، وهو المنصب الذى يجب تفعيل أدواره فى الاتحاد المصرى لكرة القدم، وعدم اعتباره منصبًا شرفيًا، وذلك لاختيار فلسفة واضحة وصريحة، ووضع المنهج الذى ستسير عليه جميع المنتخبات والكرة المصرية عمومًا، بالإضافة إلى اختيار مدربين أكفاء قادرين على تطوير قدرات اللاعبين وتأسيس جيل قادم، خاصة أن أغلب عناصر الجيل الحالى لـ«الفراعنة» باتت قريبة من نهاية مسيرتها الكروية.

كرة القدم اللعبة الشعبية الأولى فى مصر باتت أحد مصادر الأزمات لجمهورها، ومع توالى الإخفاقات وانخفاض مستوى الآمال والطموحات لم يعد أمامها سبيل للعودة إلى مكانتها سوى العلم، والابتعاد عن «الفهلوة»، وإعادة مدارس الموهوبين ومشاريع بناء اللاعبين الشباب.