رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سقوط «كان».. لماذا يتحمل فيتوريا صاحب الـ118 مليون جنيه خروج المنتخب؟

فيتوريا
فيتوريا

«الأجواء كانت صعبة للغاية وأثرت على اللاعبين، وسوء الحظ سبب هزيمتنا أمام الكونغو الديمقراطية».. هكذا برر روى فيتوريا، المدير الفنى للمنتخب الوطنى الأول، وداع «الفراعنة» بطولة أمم إفريقيا ٢٠٢٣ من دور الـ١٦، بشكل مخزٍ ودون تحقيق انتصار واحد لـ«الأكثر تتويجًا بالأميرة السمراء».

كيف للحظ أن يقف بجوار منتخب لم يحقق انتصارًا واحدًا طوال ٣٩٠ دقيقة فى بطولة بحجم أمم إفريقيا؟كيف يقف بجوار مدير فنى أصر على أخطائه وكررها فى ٤ مباريات متتالية؛ منتظرًا اختلاف النتائج رغم تطابق المعطيات والأخطاء؟

«فيتوريا» جاء لتدريب منتخب مصر، فى يوليو ٢٠٢٢، بعد إقالة إيهاب جلال، ورغم أن «الفراعنة» أولى محطات المدرب البرتغالى مع المنتخبات، توسمت الجماهير المصرية فيه خيرًا، ومنت النفس أن يقود منتخب بلادهم نحو استعادة الأمجاد القارية، التى غابت منذ الثلاثية التاريخية بقيادة «المعلم» حسن شحاتة.

أولى المباريات الرسمية لـ«فيتوريا» فى قيادة «الفراعنة» كانت أمام مالاوى، فى مارس ٢٠٢٣، أى بعد ٨ أشهر من توليه المهمة بشكل رسمى، علمًا بأنه خاض قبلها ٣ مباريات ودية أمام النيجر وليبيريا، والنسخة الأسوأ من جيل بلجيكا التاريخى، حقق خلالها ٣ انتصارات واهية، رسمت للجماهير آمالًا بعودة «كبير القارة»، وصولًا إلى سقوطه أمام تونس، التى ودعت أمم إفريقيا من دور المجموعات.

مع قدومه لتولى تدريب «الفراعنة»، قطع «فيتوريا» وعدًا على نفسه بالعمل على إعداد «محمد صلاح جديد»، وتقديم «النسخة الأفضل من الفراعنة»، لكن هذا الوعد لم تظهر بوادره طوال ٥٧٦ يومًا قاد خلالها البرتغالى منتخب مصر.

وعلى الرغم من الانتصارات فى بداية المشوار، لم يقدم المنتخب أداءً مقنعًا لجماهيره، وجاءت أغلب هذه الانتصارات بشق الأنفس، ليصل منتخب مصر إلى أمم إفريقيا بلا إعداد قوى أو مباريات ودية يمكن خلالها قياس المستوى.

وكبّل «فيتوريا» أداء محمد صلاح، من خلال منحه أدوارًا مركبة تزيد الضغوط عليه من دفاعات الخصوم، وتجبره على اللعب فى عمق الملعب، والابتعاد عن المساحة التى يفضلها على الجناح الأيمن.

ورغم تصريحاته الرومانسية الحالمة التى رفعت سقف طموحات وآمال جماهير الكرة المصرية إلى عنان السماء، لم ينجح «فيتوريا» فى إحداث أى طفرة أو اختلاف على تشكيل وأسماء المنتخب المصرى طوال عام ونصف العام.

لم يظهر معه «محمد عبدالمنعم جديد» أو «عمر كمال عبدالواحد جديد»، مثلما حدث فى النسخة الماضية من أمم إفريقيا، بقيادة كارلوس كيروش وقتها، بل إن المنتخب ظل يلعب بنفس رسم اللعب «٤-٣-٣»، لكن بأداء عشوائى من الجميع، رغم أن هؤلاء اللاعبين كانوا، قبل أشهر معدودة من وصوله، قاب قوسين أو أدنى من الفوز بأمم إفريقيا، والتأهل إلى مونديال قطر ٢٠٢٢.

ومع الإعلان عن قائمة مصر فى أمم إفريقيا ٢٠٢٣، طفا على السطح أكبر خطايا روى فيتوريا، وهو المجاملة فى اختيارات لاعبى المنتخب، فقد تجاهل لاعبين قدموا مستويات مميزة مع أنديتهم، مثل حسين الشحات وياسر إبراهيم ومحمد شريف وأكرم توفيق.

واختار «فيتوريا» ٣ مدافعين من بيراميدز، دون النظر إلى مستوى فريقهم الدفاعى، ورغم الإصابات والتغييرات فى القائمة، استمر المدرب البرتغالى على عناده، لتصبح أزمة «الفراعنة» جلية للجميع، وهى أن المشكلة ليست فى الأسماء، بل فى سوء الاختيارات والمجاملات.

عقب إعلان القائمة النهائية للبطولة، دافع «فيتوريا» عن اختياره أحمد فتوح، الظهير الأيسر للزمالك، معتبرًا أنه سيكون رهانه فى البطولة، وسيكون حاضرًا عندما يحتاجه، ثم رأيناه يجلس بديلًا فى أول مباراتين بالمجموعات، ويشارك أساسيًا لـ٤٥ دقيقة فى الثالثة، قبل أن يخرج مصابًا بين شوطى مباراة الكونغو فى دور الـ١٦.

علامات استفهام كثيرة دارت حول اختيار «فتوح» فى القائمة، قبل وأثناء البطولة، فى ظل أنه لم يشارك مع فريقه فى مباراة واحدة قبل البطولة بفترة طويلة تقترب من الشهرين، كما أن عقله مشتت بأزمة إيقافه من قبل الزمالك، وبالتالى كان من الأولى استبعاده، وضم آخرين ومنحهم الفرصة للتجربة واكتساب الخبرات الدولية.

واعتمد «فيتوريا» على خبرة أحمد حجازى، دون النظر إلى جاهزيته البدنية، فظهر فى أسوأ مستوياته منذ انضمامه إلى المنتخب، ورغم ذلك أصر المدير الفنى على بقائه فى الملعب، متجاهلًا تمامًا ياسر إبراهيم، الأكثر جاهزية فى الوقت الحالى.

وأسهم مدرب المنتخب فى «إرباك» وسط الملعب بالتغييرات فى مراكز اللاعبين قبل وأثناء المباراة، ليظهر «الفراعنة» بلا وسط ملعب، وبأداء مهتز أقرب إلى مباريات الهواة، وصولًا إلى إجبار مصطفى محمد، المهاجم الصريح، على تقديم أدوار دفاعية، وسط أجواء صعبة ونسبة رطوبة مرتفعة، أجبرته على التقصير فى تقديم أدواره الحقيقية، فعلى الرغم من تسجيله ٤ أهداف، لم يكن ذلك «الأناكوندا» الذى رأيناه فى الدورى الفرنسى، ومع المنتخب قبل «فيتوريا».

بعد الخسارة أمام الكونغو فى دور الـ١٦، وضع روى فيتوريا الطقس فى كوت ديفوار ضمن أسباب الهزيمة، كأن منتخب مصر وحده من يعانى الرطوبة، لكنه اختار تلك العلّة ليخفى بها أخطاءه، وعناده، وتأخير التغييرات الحاسمة حتى الدقائق الأخيرة من المباريات، بل الدفع بلاعبين فى مراكز غير مراكزهم، وعدم مشاركة آخرين لدقيقة واحدة.

فى أجواء ذات رطوبة مرتفعة كتلك التى تعانيها المنتخبات فى كوت ديفوار، يتوجب على المدربين تخفيف الضغوطات البدنية على لاعبيهم، وإبعادهم عن بذل مجهود كبير، وهو ما لم يفعله «فيتوريا»، فظهر منتخب مصر وكأنه يتمنى الوصول لركلات الترجيح أمام الكونغو، لالتقاط الأنفاس بعد مجهود بدنى قاسٍ.

منتخب مصر لم يودع أمم إفريقيا فنيًا فقط، بل ودعها لاعبوه ذهنيًا، بعد فشل «فيتوريا» وجهازه واتحاد الكرة فى إدارة أزمة إصابة محمد صلاح، إذ قللت البيانات الرسمية وتصريحات المسئولين بشكل غير مباشر من لاعبى «الفراعنة».

كان طبيعيًا بعد كل هذا أن يخرج المنتخب المصرى مرة أخرى من أمم إفريقيا بشكل مخزٍ، ويبتعد الحُلم مجددًا، بعد ١١٨ مليون جنيه تقاضاها «فيتوريا»، منذ يومه الأول حتى الآن.

أحيانًا لا يصبح إعادة ترتيب البيت أمرًا مجديًا، لذا فإنه فى الوقت الحالى الأفضل هو هدم البيت وإعادة بنائه مرة أخرى. السنغال مثلًا آمنت بمشروع آليو سيسيه منذ ٢٠١٢، فتدرج فى المناصب، وقاد جيلًا كاملًا من مراحل الشباب، باتوا من الأفضل فى القارة السمراء وأبطالها، والمغرب حققت رابع العالم بفضل مدرب شاب آمنوا بقدراته ومنحوه كل ما يريد لتحقيق النجاح، وهو ما يثير السؤال الذى لا إجابة له، ويُطرح كلما تجدد الإخفاق: متى سيصبح للكرة المصرية مشروع واضح؟