رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ما بعد الأفروسنتريك.. عملية سرقة «المطبخ المصرى» على الهواء مباشرة!

المطبخ المصرى
المطبخ المصرى

هل تعلم أن الفطير المشلتت والملوخية والبصارة والفسيخ هى أكلات مصرية قديمة عمرها آلاف السنين، حتى الخبز والمخبوزات؟ هل تعلم أن كل نوع خبز فى العالم مشتق من المخبوزات المصرية القديمة بعد أن قام المصرى القديم، قبل 5800 عام، بطحن القمح والتوصل لأسرار عملية التخمير، ومن هنا أبدع فى صناعة أنواع مختلفة من الخبز يستمد العالم منها طرقه حتى الآن.

باختصار، بخلاف امتلاكنا تاريخًا ثريًا وإنتاجًا هائلًا وبديعًا من الآثار والمقابر والمعابد، فنحن نتفرد بمطبخ عمره من عمر الأهرامات ومعبد الكرنك ووادى الملوك، وحتى الآن تزخر موائدنا بهذه الأكلات التى ربما لا نفكر ونحن نأكلها أننا نكرر عملية «طبخ» عمرها آلاف السنين.

لكن مثله مثل كل ما هو مصرى وعريق، تعرض المطبخ المصرى للسطو بشكل مبالغ فيه خلال السنوات الأخيرة على وجه التحديد، حتى إن هناك قناة أطفال عربية قدمت أكلة الكشرى المصرية على أنها أكلة تنتمى لدولة عربية «شقيقة»، ومثلها الكثير من القنوات والمواقع التى يبدو أنها تصنع تاريخًا لبلادها.. ومن غير مصر الثرية والمتنوعة تراثيًا وثقافيًا وتاريخيًا يمكن أن يجدوا فيها ضالتهم؟

وإذا أردت أن تتأكد اكتب كلمة المطبخ المصرى على محرك البحث «جوجل» وستظهر أول نتيجة لموسوعة «ويكيبيديا» التى تذكر أن المطبخ المصرى «متأثر بالمطابخ التركية والشامية ودول البحر المتوسط»!.

والمطبخ المصرى لا يقل أهمية ولا ينفصل عن الحضارة المصرية القديمة، وهناك دول مثل إيطاليا التى تخوض معارك قانونية لحماية هوية المطبخ الإيطالى، لكن حتى الآن لا تزال جهود حماية «تراث المطبخ المصرى» شعبية وهو ما يستلزم تحركًا حكوميًا لتسجيل الأكلات التراثية فى قائمة اليونسكو للتراث غير المادى، بما يضمن الحق التاريخى لمصر فى هذا الجانب المهم من التراث المصرى الفريد.

ووفقًا للباحث زين عبدالصبور، صاحب كتاب «الأطعمة والأشربة فى محافظة المنيا»، فهناك الكثير من الثوابت التى تجمع المطبخ المصرى الحديث بالمطبخ القديم الفرعونى، مثل الاعتماد على الخضروات المطبوخة، أو ما يسمى بـ«الطبيخ»، والتنوع فيما يتعلق باللحوم، والمخبوزات والحلويات.

وأضاف أن هناك أكلات مثل: الطعمية والكشرى والعدس والأسماك بأنواعها، ومن الحلويات أم على والكنافة والقطايف تعد من التراث التاريخى لمصر، وليست مجرد أكلات، وهو ما تم توثيقه فى العديد من الدراسات والأبحاث العلمية.

وأشار إلى أن هناك أكلات نتناولها حتى الآن وهى نفس الأكلات التى اعتمد عليها المصرى القديم من آلالف السنين، مثل الفسيخ والفطائر المحشية والمحشى والملوخية والبصارة، وهناك البامية الويكا والعدس والبقوليات بأنواعها، ومن أبرزها الفول المدمس والفول النابت والطيور بأنواعها، حيث تناول المصرى القديم البط والحمام والدواجن والأرانب، وهناك المخبوزات التى أبدع فيها المصرى القديم، مثل العيش الشمسى وخبز البتاو والخبز الضلى والمنطط.

وكشف عن أن طريقة التسوية نفسها متشابهة إلى حد كبير بالأفران المصنوعة من الطين فى وقتنا الحالى، باختلاف التصميم من مكان لآخر، لافتًا إلى أن هناك العديد من الدول التى نهضت بالاعتماد على تراثها الثقافى والتاريخى، ومن هنا تأتى أهمية توثيق المطبخ المصرى.

وتابع: «الفلافل والشاورما والقطايف والسمبوسة والمحشى والحلويات الشرقية أكلات مصرية صميمة، ونسبها لبلاد أخرى هى عملية سرقة متكاملة الأركان ويلزمها الدفاع تمامًا مثل محاولات سرقة وتهريب القطع الأثرية».

أما المهندسة سميرة عبدالقادر، صاحبة مبادرة توثيق المطبخ المصرى، فقالت إن المطبخ المصرى يتعرض لظلم شديد نتيجة الجهل بأصله، موضحة: «التراث المصرى مظلوم، ومطبخنا مش مشهور خالص عالميًا، والسبب أن كل المصريين عندهم اعتقاد خاطئ إن أكلنا كله شامى وتركى ودخل مصر مع الاحتلال، ولذلك عندهم حالة خجل وعدم ثقة فى مطبخنا، وبيخافوا يفتحوا مطاعم أو يشهروا أكلاتنا باسم مصر».

وأضافت: «حتى الصحف المصرية والقنوات بتروج للمعلومات الغلط دون أى تحقيق أو مراجعات تاريخية».

ومن هنا أطلقت «سميرة» مبادرتها لتوثيق المطبخ المصرى، وأصدرت كتابًا يحمل عنوان «الطبخ أصله مصرى»: «أنا عملت المبادرة عشان أقنع المصريين إن تراثنا عظيم، وبجيب مصادر إن مطبخنا هو أساس المطبخ الشرق أوسطى».

لكن تكشف عن صدمة تعرضت لها فى مشروعها المهم: «اتضح لى أن المشكلة مش مشكلة مصادر، لأن ناس كتير عندها خوف إننا نزعل شعوب قريبة لو دافعنا عن تراثنا».

وكشفت المهندسة سميرة عن تعرضها لهجوم كبير من جنسيات أخرى، خصوصًا على الصفحة التى دشنتها على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» باسم «توثيق المطبخ المصرى»، وقالت: «من مظاهر التهديد هجوم حاد من الجنسيات التانية على الصفحة، وتهديدات بإغلاقها، وفعلًا بيبلغوا كتير عنها، وفى مصريين بيتهموا الصفحة بإنها مأجورة لإشعال فتن».

وهى تُرجع هذه الحالة لعدم إدراك المصريين أهمية تمسكنا بتراثنا، خاصة مع وجود حركات زى الأفروسنتريك التى تشكك فى هويتنا ومصريتنا.

وقالت: «المصريين طول عمرهم مش مدركين تفوقهم الحضارى على باقى الشعوب، ومكانوش مدركين أن تراثهم محط أنظار وحسد، ولذلك مكانوش بيدونوا كل شىء يخص التراث والمطبخ والفنون، عكس باقى الشعوب اللى دونت حتى العناصر الدخيلة عليهم».

وأوضحت: «‏على سبيل المثال لو نظرنا لكتب الطبخ فى الشام ‏وبغداد من ألف سنة هنلاقى فيها أكلات مصرية كثيرة لم يتم ذكرها فى الكتب المصرية، زى مثلًا المجدرة وهى عبارة عن قمح مخلوط بالعدس والبصل أو مخروطة بالعدس»، متابعة: «لو حد شاف الوصفة دى هيقول الشوام هم اللى عرفونا الكشرى لولا أننا لقينا الأكلة نفسها فى فخاريات فى المقابر الفرعونية». وشددت على ضرورة تحرك مؤسسات الدولة ذات الصلة لتوثيق هذا التراث حماية له من عمليات السطو، قائلة: «مؤسسات الدولة لازم يبقى عندها وعى بمخاطر التفريط فى التراث وترك حسن النوايا، وأتمنى وجود قوانين حازمة تعاقب أى شخص يكتب معلومات خطأ عن تاريخ مصر.. وطبعًا الأهم يكون فى تحرك لتوثيق تراثنا».