رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عادل عصمت: لن أكون بيست سيلر

عادل عصمت
عادل عصمت

يستحق عادل عصمت أن تتوقف أمام ما يكتبه دائمًا، لا تستطيع أن تتجاهله أو تمر مرورًا عابرًا على منجزه الأدبى.. ومثلما أدهش قراءه فى أعماله السابقة ها هو يغوص فى «جمال الكتابة» بكتابه الجديد «كتابة القصص وبناء الأعشاش.. تأملات فى فن الكتابة» الصادر عن دار الكتب خان.

هذا الكتاب اعتبرته الدار وقفة مهمة فى لحظة تاريخية سائلة لا تؤمن بالكتابة كفن، لكن تسعى لتحويلها لسلعة استهلاكية.

أما كيف فعل عادل عصمت هذا نقرأه معًا فى حواره التالى..

■ بداية كيف ومتى جاءت فكرتك عن هذا الكتاب؟

- الفكرة جاءت ما قبل الورشة التى قدمتها في دار «الكتب خان» عام ٢٠٢١، وفى عام ٢٠٢٢ أعددت الورشة فى «الكتب خان» بعنوان «أسس الكتابة الروائية»، والحقيقة أنه قبل أن أُعلم الناس يجب أن أتعلم أنا، فلا بد من الرجوع وأحاول قدر إمكانى أن أستبطن وأعرف محتوى المصطلحات الأدبية مثل الحبكة والقصة والمكان وغيرها، وبدأت أكتب كتحضير لكن الأمور زادت، وبدأت أكتب أمورًا من رحلتى الشخصية، وكيف كتبت بعض الموضوعات وكيف كتبت روايتى «صوت الغراب»، وأحضرت أمثلة كحدث من حادث من الجريدة وحاولت إكمالها كمرشد عملى لكل ما كتبت، ومنذ عام ٢٠٢١ كنت أنقح الكتاب وأطوره وأحذف وأضيف.

■ بعد انتهائك من الكتاب هل وجدت أنك استخدمت نفس الطرق التى شرحتها فى روايتك الأولى مثلًا؟

- لا بالطبع، أنا أتعلم خطوة بخطوة، وأنا ذكرت هذا فى الكتاب وكيف تعلمت وكيف قرأت أول فقرة وكنت أتعلم خطوة بخطوة بالفعل، كلنا لدينا تصور عن الكتابة، ولكن الممارسة تنضج الأمور، وتنضج الكتابة وفهمك نفسه للكتابة نفسها، إلى أن تكبر وتحصل على خبرة ما.

> هناك سؤال آخر.. هل الآن حين انتهيت من الكتاب وجدت أن أعمالك التى كتبتها تواكب ما كتبت؟

- فى كتابى أنا حاولت شرح الأمور الراسخة فى الكتابة، وهذا واضح فى الكتاب، وهناك أمثلة ذكرتها مثل قواعد لعبة الشطرنج، وهى ثابتة، لكن الحقيقة أن كل دور شطرنج متغير ولا يمكن أن يتكرر، فقواعد الأدب ليست برسوخ وقوة وقواعد الشطرنج، وإنما هى مرنة تتيح للكاتب التنويع والخروج عنها والتركيز على جزء وترك آخر، وهذا كله لهدف الكاتب وتوجهاته وقدرته على استبطان خبرته، هى الطرق التى تساعده على كشف سر الخبرة فى التناول وهذه الطرق أساسها خبرته فى الكتابة والقواعد، الاثنان متضافران مع بعضهما، لأننا لو خلطنا الحابل بالنابل فلن يكون هناك فرق بين مقال ورواية.

وفى مقال الحبكة قلت هذا، قلت إنها مجرد نظام وشكل من أشكال تنظيم المادة الأدبية، ليس مهمًا مطابقة الطريقة الإغريقية في الكتابة والكتب تبدأ بالبداية ثم الوسط ثم النهاية، ولكن أن يكون هناك نظام، وحين تعتمد على نظام تخلقه أخطر مما تعتمد على نظام راسخ، النظام القديم أسهل لأنه مطروق طوال السنين، ولكن خلق نظام آخر هو أكثر خطورة ويحتاج انتباهًا وما يحكم الأمر هو رغبتك فى التعبير عن الخبرة الإنسانية التى اكتسبتها، الفيصل هو امتلاكك لأدواتك، والأدوات محاولة لإبراز هذه الخبرة.

■ من أهم مقومات الكتابة هى اللغة باعتبارها الحامل لكل عناصر الرواية الأخرى، كيف ينظر عادل عصمت للغة وتطويعها لخدمة النص؟

- هذا حقيقى، وذكرته فى مقالى عن الأسلوب، كنت قد انتبهت لاختلاف الطرق، فمثلًا، كما أن للناس طرقًا مختلفة ومتباينة فى الحديث، فإن كل كاتب منهم له أسلوب، أسلوب محفوظ مختلف عن إدريس عن بهاء طاهر عن يحيى حقى، فانتبهت للأسلوب وأهميته لأنه تعبير عن صوت المرء الداخلى، كل إنسان كما أن له طريقة فى الكلام فيجب عليه أن ينصت لطريقته، لأن الأسلوب لغتك وقاموسك، الأسلوب هو بصمة لروحك، وهو صورتك الحقيقية.

■ ماذا عن رؤيتك للزمن الروائى خاصة أن هناك أكثر من زمن للرواية؟

- الزمن من أعقد الأمور سواء فى الحياة أو الرواية وهو الشىء الوحيد الذى نعيش فيه وليس له تجسيد مادى، هو خيال نحن نسيل فى تياره، الزمن فى الرواية هو زمن المفروض أنه واقعى يرتد للخلف والأمام؛ حتى حين تكتب رواية تاريخية تكتبها كما لو أننا رجعنا فى التاريخ، فمثلًا تكتب أن السلطان الغورى نام وقام، فكأننا نشاهد السلطان نفسه، وهنا زمن النص حاضر، ومن الممكن أن نتعرض لذكريات الشخصية التاريخية وطموحاتها ومشاكلها، بالتأكيد الزمن غاية فى الأهمية بالنسبة للشخصية الروائية وبالنسبة للروائى.

■ على ذكرك لهذا الأمر.. هل ترى أن كل هذا الجنوح للرواية التاريخية نوع من التحايل على الواقع؟ هنا نرجع لمقولة نجيب محفوظ: «الرواية فن ماكر»، وهى بالضبط كما قال. فى رأيك إذًا ما هى الأسباب الحقيقية لهذا الجنوح الكبير للرواية التاريخية والهروب من الرواية الأخرى بأنواعها؟

- أنا معك تمامًا أن هناك جنوحًا للرواية التاريخية، وكنت فعليًا أبحث عن الحاضر والواقع فى الروايات، فحتى الروايات التاريخية أقرأها أحيانًا للمتعة، وحتى ما يسمونها بالفانتازيا المفترض أن تحمل معنى أعمق من حوادثها، نحن نحتاج لإعادة استقراء التاريخ، وفى تصورى يمكن أن تكون الأمور بمعنى عدم فهم الواقع بالنسبة لنا، وعدم قدرتنا على تفسير الألغاز التى نعيش فيها، وإن كنت تريد الكتابة التاريخية فلا بد أن تقول شيئًا ما خارج إطار السرد التاريخى، وهنا يمكن أن نقول لك هل الكاتب لا يملك القدرة للتعبير عن هذا الأمر واقعيًا وبسرد واقعى يواكب الفترة الحالية؟، وبعد القراءة سوف تسأله، لو أنك تكتب عن الخيانة، فالأمثلة الحالية هل لا يمكنها التعبير كما كتبت؟

مثلًا قراءتنا لتاريخنا فى العصر العثمانى كان شائعًا أنه منذ خمسين عامًا أنه عصر ظلامى، ثم جاءت مدرسة تاريخ الجامعة الأمريكية ومنهما خالد فهمى ونيللى حنا وبدأوا يكتبون عن تفاصيل حياة المصريين فى القرنين السادس والسابع عشر، فبدأوا ينتبهون إلى أنه كانت هناك حياة أخرى بخلاف ما نعرف، وكان مدخلًا آخر بخلاف الرؤية المعتادة.

أبطالنا القوميون أنفسهم نقوم بتقديسهم، مثل أحمد عرابى، لكن رأى الإمام محمد عبده فى عرابى أنه خرب مصر، لو أننا نكتب عن أحمد عرابى، فمن المفترض أن نقول المختلف، فن الرواية يعلمنا هذا، أحيانًا أشعر أن الكتابة فى التاريخ فيها قدر من الهروب من مواجهة مشاكل الحياة، ونحن بالفعل نحتاج لكتاب يبصروننا بأزماتنا.

■ هل هناك تسطيح للرواية الحالية وأننا سوف نجد جيلًا من غير الفاهمين لأسس الكتابة باعتبار السواد الأعظم مما ينشر؟

- أنا أعرف أنها فترة وأن كل هذا سوف يغربله الزمن والزمن كفيل بهذا، حتى وإن كان القراء لا يستطيعون الآن التفريق بين الغث والسمين، فسوف تقابلهم فى حياتهم الشخصية أسئلة عميقة، قطعًا سيجد إجابتها فى إحدى روايات محفوظ مثلًا أو غيره، وبمرور الوقت تتم الغربلة، فى الستينيات كان هناك كتاب مشهورون وأكثر شهرة من محفوظ، الزمن غربلهم تمامًا، وكتاب آخرون يكتبون بشكل جيد ولم يصمدوا أمام الزمن، لأنهم لم يراعوا التأملات فى روح الإنسان وقضاياه وأسئلته، الإنسان يحتاج كتابًا يفتح له أسرار ومشاعره الشخصية، لماذا هو فى ورطة، لا أقلق من هذا لأن الزمن يغربل، ما يطلق عليه كلاسيكيات يموت ويصعد غيره، وهناك كتاب آخرون سيموتون ولن يسمع أحد عنهم شيئًا.

ولكن نحن لدينا مشكلة فى السوق، ألا وهى موضوع التحكيم، فقديمًا كانت هناك لجنة فى الإذاعة كان اسمها لجنة الاستماع، وكانت هذه اللجنة تجيز المطربين لسوق الطرب، وفى الجامعة لم يكن أحد يدخل كلية الآداب إلا بإجازة من الدكتور طه حسين، الدكتوراه لا تعتبر شهادة إلا بالإجازة، أنا كدار نشر يجب أن يكون لدىّ محرر أدبى قوى يجيز الكتاب أو لا يجيزهم، لا أقول إن الأمر سينتشر، ولكنه سيحد من الكتابة الرديئة، وسيأخذ نصيبًا من السوق بدلًا من أن يكتب كل كاتب وينشر، تمامًا كما نفعل فى مواقع التواصل الاجتماعى، التقاليد التى نتخلى عنها تزيد الارتباك فى الرؤية، ولكن سيظل القارئ وأرى من واقع خبرتى أنه سيظل قراؤك موجودين، أنا مثلًا ابنتى قالت ليى إنك لن تكون «بيست سيلر» أبدًا، والحقيقة أنا مقتنع بكلامها، ولكن لدىّ مجموعة من القراء كتاباتى تناسب فهمهم للحياة وتساعدهم على الإحساس والفهم وهكذا، فى النهاية إن لم يكن لك دور وكتابتك مؤثرة فلن تُكمل.