رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القروش.. تصنع المستقبل

 أجدني دائمًا ضد استيراد أفكار البرامج في العمل الإعلامي ليقيني أن لدينا من الأفكار ما يمكنه جذب ملايين المشاهدين. أضيف إلى ذلك ما أحمله من قناعة شخصية بأن البرنامج الذي يصلح لمجتمع ما وحقق فيه نجاحا مبهرا ليس بالضرورة أن يحقق نفس القدر من النجاح إذا ما تم تنفيذه في مجتمع آخر. وتتأكد قناعتي تلك كلما تابعت نسخا لكثير من البرامج العالمية التي تعيد القنوات العربية إنتاجها بناء على عقود استغلال حقوق الملكية الفكرية لتلك البرامج، خاصة أن معظم تلك البرامج تصب عادة في خانة برامج الترفيه والمنوعات والنميمة.
 غير أن رؤيتي تلك تغيرت بنسبة كبيرة حين شاهدت حلقات برنامج  Shark Tank بنسخته المصرية. ترجع فكرة البرنامج الأصلية للأمريكي مارك بورنيت، وقد تم تقديم 15 موسما من البرنامج في الولايات المتحدة، كما تم إنتاجه في نحو 46 دولة حول العالم. في البرنامج،  تقوم لجنة مكونة من خمسة مستثمرين باستقبال رواد أعمال لديهم مشروعات يحتاجون إلى زيادة رءوس أموالها  أو تطوير أعمالهم ويحاول كل منهم- ومن خلال عرض تقديمي مدروس- إقناع الـSharks بمشاركتهم في الاستثمار بتحديد نسبة شراكة مقابل مبلغ مالي يطلبه رائد الأعمال صاحب المشروع. 
  يأخذ المستثمرون في مناقشة صاحب الفكرة في كافة التفاصيل، كما يتفاوضون فيما بينهم حول جدوى المشروع وفرص نجاحه أو فشله. لينتهوا إلى قرار المشاركة في المشروع ودعم رائد الأعمال، أو الانسحاب وعدم الإقدام على المشاركة مع إعطاء الأسباب لصاحب الفكرة من باب النصيحة. والخلاصة أنه برنامج جاد يسعى إلى اكتشاف المواهب في عالم المال والأعمال وتقديم فرص حقيقية لهم لتحقيق النجاح.
تضم لجنة الـsharks كلا من: أحمد السويدي، ومحمد منصور، وأيمن عباس، ومحمد فاروق، وعبدالله سلام. لفت البرنامج انتباه الجمهور من خلال حلقات الموسم الأول، فقد وجد فيه الشباب المبتكر ورواد الأعمال جدية وحيادية من المحكمين، كما أنه يمثل فرصة حقيقية للشباب لتحقيق أحلامهم واختصار سنوات طويلة قد تضيع من عمر مشاريعهم قبل أن يتحقق لها النجاح. بل ربما تفشل كثير من المشروعات بسبب عدم وجود سيولة مالية كافية، وهنا يكون التمويل الذي يوفره الـsharks هو الحل الذي ينجح به الطرفان. وبالفعل نجح 20 متقدما في الحصول على تمويل لمشاريعهم باستثمارات إجمالية وصلت لـ67 مليون جنيه خلال حلقات البرنامج في موسمه الأول 2023.
  شجعت الفكرة بعض الوجوه المعروفة على خوض التجربة لجذب انتباه مزيد من المتابعين لحلقات البرنامج في موسمه الثاني، فكانت مشاركة النجمة هند صبري كضيفة شرف للحلقات فكرة ذكية من صناع التجربة. كشفت مشاركة "صبري" عن وجه جديد للنجمة- المثقفة الحاصلة على درجة الماجستير في حقوق الملكية الفكرية- وقد اتضح أنها سيدة أعمال على درجة عالية من الوعي في مجالي الإنتاج الفني والأزياء، وهو ما كشفته مناقشاتها التفصيلية للمشاركين واختياراتها الذكية للمشاريع القابلة للنجاح.
  ذكاء صناع البرنامج، وعلى رأسهم الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، جعلهم يصدّرون كل حلقة بتنويه ثابت يخلي مسئولية الجهة المنتجة من أي علاقة لها بالاتفاقات التي تحدث نتيجة المفاوضات بين الشاركس ورواد الأعمال. ولكن السؤال: ما هي الضمانة لالتزام الشاركس بتنفيذ وعودهم وإنفاذ اتفاقاتهم إذن؟ أتذكر في هذا السياق واحدا من كبار رجال الأعمال قبل 2011 كان يبادر- مع كل حملة قومية للتبرع- بالإعلان عن تبرعات سخية في وسائل الإعلام ثم لا يصل للجهة المعنية أي شيء مما وعدهم به الرجل، وتبقى الأمور في دائرة ضيقة حتى لا يتسبب الأمر في حرج لوسيلة الإعلام التي أعلن من خلالها عن تبرعه.
  وهنا أقترح أن يتم توقيع عقود شراكة مبدئية على الهواء بمجرد الاتفاق على تفاصيل الصفقة بين الطرفين حفاظا على موضوعية وجدية ومصداقية البرنامج في مواسمه اللاحقة. ولدى اقتراح آخر لا أعلم مدى جدواه، فأنا لست من أهل البيزنس، لكن قد يراه صناع البرنامج أمرا موضوعيا. إذ أقترح أن تكون هناك لجنة خبراء استشارية ممثلة للبنوك الكبرى، يمثل كل بنك شخصية ذات حيثية، بحيث تكون لديهم سلطة اتخاذ قرار المشاركة بتقديم تمويلات، مقابل مساهمة البنك بنسبة مئوية مع الشاركس في دعم ما يراه هؤلاء الخبراء مع المحكمين مشروعا له جدوى اقتصادية حقيقية حال مشاركة البنك.  
   أمر آخر تحتاجه التجربة لتكون أكثر رسوخا هو ضرورة اختيار مقدم للبرنامج لكسر هيبة المشاركين من مواجهة الكاميرا والجمهور. فضلا عن تدريب رواد الأعمال المشاركين على مواجهة لجنة التحكيم والكاميرات، وذلك بمساعدة مدربين متخصصين من الإعلاميين وخبراء علم النفس. فقد تكون لدى المتسابق فكرة متميزة لكن تخونه الكلمات نتيجة هيبته من أضواء الكاميرات أو انشغاله بالتفكير اللحظي في مستقبله الذي يتوقف على كلمة من المحكمين، وللأسف تضيع عليه الفرصة نتيجة لهذا. فضلا عن ضرورة تجديد وجوه المحكمين من الشاركس أولًا بأول مع كل دورة جديدة للبرنامج. فرأيي أن حماس الشاركس للاستثمار قد يفتر تدريجيا مع كثرة تبنيهم أفكارًا ترد بالحلقات. وهنا- وبحكم القاعدة القائلة بأن رأس المال جبان- سيقل حماسهم لضخ استثمارات جديدة أو تبني مشروعات جادة، وبالتالي قد نفقد مشروعات واعدة أو نتسبب في إحباط أصحابها.