رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لأنها دولة

يُعرِّف القانون الدولي الدولة ذات السيادة بأنها كيان يأوي سكانًا دائمين، ولها حدود جغرافية معروفة، وحكومة واحدة، وقدرة على الدخول في علاقات مع غيرها من الدول ذات السيادة. 

وتلك العبارة الأخيرة هي محرك التعامل الدائم بين مصر الدولة، وغيرها من دول العالم وباعثه وسر ثباتها على مواقفها. من هنا صارت مصر نموذجا دوليا محترما من جميع القوى والمنظمات والمؤسسات الدولية، وهو ما انعكس في صورة تعامل دولي معها مبني على قاعدة الاحترام المتبادل لقراراتها ومواقفها وسيادتها على أراضيها ودعمها في حماية مقدراتها.

ولأنها دولة ينطبق عليها التعريف القانوني الدولي فهي تحترم التزاماتها الدولية وكل الاتفاقات التي وقّعتها مع الدول وصدّق عليها البرلمان الممثل لشعبها بالانتخاب الحر المباشر. ومن هنا، فإن القانون الدولي بكافة نصوصه - والتي قد تكون بعضها على غير هوى الإرادة الشعبية - ينال احترام الإدارات المصرية المتعاقبة، والتي ظلت دائما محافظة على التزاماتها الدولية في إطار نصوصه، وملتزمة بكل الاتفاقات التي وقّعتها مع أي دولة  أو أي منظمة عالمية أو أي تكتل دولي.

ولأنها دولة فقد غلّبت مصر دائما صوت العقل ونداءات السلام الإنساني الدولي ولم تسلّم نفسها لانفعالات لحظية، أو ضغوطات شعبوية، أو انطباعات فردية لحزب أو طائفة أو كيان مجتمعي أو حتى لقائد سياسي. ولأنها دولة فإن كل قرارات مصر تصدر عن مؤسساتها الدستورية وتتم مراجعتها على مستويات عدة قبل اتخاذ القرار، وحين تتخذ مصر الدولة قرارها تجد الشعب كله خلفها مؤيدا وداعما ومدافعا، حتى لو اختلفت مواقف بعض أفراده إلا أنهم ينزلون على رغبة الأغلبية ويستجيبون له بل ويدعمونه بكل قوة. 

تلتزم مصر الدولة، إذن، بأمن الحدود وتحترم حق كل دولة في حماية حدودها، وهي في هذا لا تنتظر من الدول الأخرى سوى المعاملة بالمثل. وإذا حدث وانتهكت دولة ما سيادتها أو اعتدت على حق من حقوقها في البر أو البحر أو الجو فإنها تعلي قيمة القانون الدولي وتغلب لغة العقل ثم تكون لها إجراءات أخرى تأتي درجة حدتها وفق تقديرات الموقف. ولعل موقف مصر الدولة في أزمة طابا هو النموذج الأبرز لاحترامها للقانون وكيف صبرت على مراوغات العدو وألاعيبه السياسية وحيله القانونية بصبر وثبات حتى نالت كامل حقها واستعادت آخر نقطة من أراضيها بالسلم تارة ثم بالتحكيم الدولي تارة أخرى.

تدرك مصر الدولة أنها تقع جغرافيا في أكثر بقاع الكرة الأرضية التهابا وعُرضة للنزاعات بحكم ما حباها الله به من نعم وخيرات جعلتها محلا لمطامع القوى العظمى شرقا وغربا. ثم جاء غرس الكيان داخل منطقتنا، وبعدها اكتشفت الثروات المعدنية، خاصة النفط في بلادنا العربية فازدادت المطامع وكثر الطامعون في ثروات منطقتنا. لكن مصر ظلت حجر عثرة يحول دون تنفيذ المخططات الإمبريالية فحفظت مقدراتها بقوة عسكرية رشيدة تصون ولا تبدد، تحمي ولا تهدد وجعلت عقيدتها العسكرية يد تبني ويد تحمل السلاح.

 ورغم كل العوائق والتحديات تلتزم مصر بالأمانة القانونية وتعمل جاهدة على تعزيز الاستقرار في المنطقة وتتحمل في سبيل ذلك أذى كثيرا من الأشقاء قبل الأصدقاء، فيحاولون التشكيك في نواياها وتضليل الرأي العام، مستغلين في ذلك آلة إعلامية عملاقة. لكن مصر تظل دائما لائذة بالصبر الجميل والثقة في الظهير الشعبي الوطني الذي يثق في قيادته أيما ثقة. أقول الصبر وليس الصمت، فمصر الدولة تصبر ولكنها لا تصمت على أذى ولا تقبل ضيما.