رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الظالم والمظلوم فى المحكمة الدولية

محكمة العدل الدولية، أو المحكمة الدولية، هي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة. وتتولى المحكمة الفصل طبقا لأحكام القانون الدولي في النزاعات القانونية التي تنشأ بين الدول، وتقديم آراء استشارية بشأن المسائل القانونية التي قد تحيلها إليها أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة.

في مصر عرفنا محكمة العدل الدولية في 29 سبتمبر 1988، عندما أصدرت المحكمة حكمها لصالح مصر في النزاع الذي طُرح أمامها عندما اختلفت مصر وإسرائيل حول نقطة حدودية تخفي وراءها مدينة طابا، ونظرا لدوافع استراتيجية مهمة كانت لإسرائيل رغبة ملحّة وأزلية في التواجد بالبحر الأحمر. وقتها وثقنا في عدالة القضاء الدولي.

الحقيقة أن ثقتنا كانت أكبر في فريق الدفاع المصري، الذي ضم نخبة من أبرز الكفاءات القانونية والتاريخية والجغرافية، وهو الفريق الذي شكّل هيئة الدفاع المصرية في قضية طابا، وقد أخذ الفريق المصري على عاتقه إدارة الصراع في هذه القضية من الألف إلى الياء، مستخدمًا كل الحجج لإثبات الحق.

ومنذ أن بدأت حرب غزة- إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، ولا تبدو لها نهاية معروفة، ويزداد لهيبها كل يوم، ويزداد الضحايا من الفلسطينيين بفعل الأسلحة الفتاكة المتقدمة التي تستخدمها إسرائيل.

وفي 29 ديسمبر 2023 قامت دولة جنوب إفريقيا برفع دعوى قضائية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدوليّة في لاهاي، هولندا، في تقرير مؤلف من 84 صفحة، يوضح أن "حرب إسرائيل على غزة تنتهك التزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948"، والتي تعرفها على أنها "أفعال ترتكب بقصد التدمير، كليًا أو جزئيًا، لمجموعة قومية أو إثنية أو وطنية أو دينية". وتقول جنوب إفريقيا إن تصرفات إسرائيل في غزة "تعتبر ذات طابع إبادة جماعية، لأنها تهدف إلى تدمير جزء كبير" من السكان الفلسطينيين في القطاع.

وقد نجحت الدعوى التي رفعتها حكومة جنوب إفريقيا إلى محكمة العدل الدولية في إرباك تل أبيب، التي تعودت على الغطرسة وعدم محاسبتها على أفعالها المشينة والانتهاكات التي ترتكبها بحق الشعب الفلسطيني، وجندت دولة الاحتلال كل إمكاناتها الإعلامية ومؤسساتها الصحفية للترويح لافتراءات وأكاذيب تلفقها من أجل إبعاد أي شبهة جنائية ضدها.

طالب محامي جنوب إفريقيا في هذه القضية، تمبيكا نجكوكايتوبي، بوقفٍ فوريٍ للعمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، الذي يبلغ عدد سكانه حوالي 2.3 مليون فلسطيني، وهو الطلب الذي قد يستغرق تحقيقه أسابيع طويلة في حين يتوقع أن تستغرق القضية سنواتٍ حتى يُبَتّ فيها، وسط شكوكٍ حيال إمكانية التزام إسرائيل بما يصدر عن المحكمة من أوامر.  كما تضمنت عريضة الدعوى أنّ ما يحدث في غزة الآن يرقى إلى درجة "الإبادة الجماعية" وأنه جزء من "القمع" الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين على مدار عقود طويلة. وقال نجكوكايتوبي: "في ضوء حجم الدمار في غزة واستهداف المنازل والمدنيين، أصبحت الحرب حربًا ضد الأطفال. كل ذلك يلقي الضوء على نية الإبادة الجماعية ووضعها حيز التنفيذ، وهو ما يشير بوضوح إلى أن المستهدف من هذه الحرب هو تدمير الحياة الفلسطينية".
وعلى الجانب الآخر، تأسس الدفاع الإسرائيلي على مطالبة المحكمة بإسقاط القضية، ووصف حربها على غزة بالدفاع عن النفس ضد حماس والمنظمات الأخرى التي وصفتها بـ"الإرهابية"، بالإضافة إلى طعن إسرائيل بالأسباب الشكلية للدعوى وعدم توفر شروطها، وهو دفاع وصف بالركاكة والضعف من قبل خبراء قانونيين، في مقابل مرافعة جنوب إفريقيا المتماسكة والمتينة، والتي تم التحضير لها جيدًا بالوثائق والصور والفيديو والشهادات والقوانين، والمبنية على حجج قوية حسب نفس الخبراء.

وخلال الرذاذ المتطاير في خضم محاولة إسرائيل لدفع التهمة عن نفسها قرر المسئولون الإسرائيليون أمام المحكمة مسئولية مصر الكاملة عن معبر رفح، وزعموا أن السلطات المصرية هي المسئولة عن دخول المساعدات دون موافقة تل أبيب.
من جانبها، أعلنت مصر بصفة رسمية، عشرات المرات في تصريحات رسمية بدءا من رئيس الجمهورية ووزارة الخارجية وكل الجهات المعنية، عن أن معبر رفح من الجانب المصري مفتوح بلا انقطاع، مطالبين الجانب الإسرائيلي بعدم منع تدفق المساعدات الإنسانية للقطاع والتوقف عن تعمد تعطيل أو تأخير دخول المساعدات بحجة تفتيشها، كما قررت مصر أن عددا من كبار مسئولي العالم، وفي مقدمتهم الأمين العام للأمم المتحدة، قد زاروا معبر رفح من الجانب المصري، ولم يتمكن واحد منهم من عبوره لقطاع غزة، نظرا لمنع الجيش الإسرائيلي لهم، أو تخوفهم على حياتهم بسبب القصف الإسرائيلي المستمر على القطاع.
وأشارت مصر إلى أن المفاوضات التي جرت حول الهدن الإنسانية التي استمرت لأسبوع في قطاع غزة، وكانت مصر مع قطر والولايات المتحدة أطرافا فيها، قد شهدت تعنتا شديدا من الجانب الإسرائيلي في تحديد حجم المساعدات التي ستسمح قوات الاحتلال بدخولها للقطاع، باعتبارها المسيطرة عليه عسكريا، وهو ما أسفر في النهاية عن دخول الكميات التي أعلن عنها في حينها.