رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نوابغ العرب.. عبارة قديمة سمعناها حديثًا

كان من حظي وأنا أقلب بحثًا في القنوات العربية مساء الإثنين الماضي أن تابعت حفل توزيع جائزة "نوابغ العرب" في دورتها الأولى والتي فاز فيها: السعودي هاني نجم عن فئة الطب، الجزائري واسيني الأعرج عن فئة الأدب، المصري محمد العريان عن فئة الاقتصاد، اللبناني فاضل أديب عن فئة الهندسة، اللبنانية نيفين الخشاب عن فئة العلوم الطبيعية، اللبنانية لينا الغطمة عن فئة العمارة والتصميم. لتكون هذه القائمة هي  قائمة الشرف الأولى الفائزة بالجائزة التي أطلق عليها المتابعون "نوبل العرب" في دورتها الأولى.

مصدر سعادتي أننا وجدنا أخيرًا مسابقة تحتفي بالعقول، بعد أن مللنا كثرة التكريم لمحترفي لعبة الأقدام، ومزيد الاحتفاء بأهل الطرب والأنغام والأفلام.لا تنفي سعادتي بتكريم العلماء تقديري لغيرها من الفعاليات الترفيهية كالمهرجانات الفنية والبطولات الكروية. لكن، ليكن كل بقدر، ولتأخذ العلوم والفنون والآداب الراقية نفس القدر المستحق من التقدير ونفس المساحة من الاهتمام التي توليها المؤسسات والحكومات ومانحو الجوائز - من الجهات والأفراد المعتبرين في بلادنا -لقطاع الترفيه ولصناع الفن وللاعبي الكرة.

تُقدرون كمّ الإحباط الذي قد يصيب باحثًا جادًا أفنى زهرة شبابه في الدراسة والبحث والرصد وانتظار التقييم العلمي، أو فرصة النشر في دورية علمية معتبرة، أو أنفق قوت أسرته على  تصميم اختراع أو حتى ابتكار وحارب وحُورب رغبة في أن ينال حقه. وبعد كل هذا يمضي ولم يترك لأولاده من بعده سوى المجد الأدبي الذي لم يعد يشغل الكثيرين ولا يعبأ به غير قلة قابضة على الجمر.

فأن تأتي اليوم دولة عربية شقيقة لتعلي من جديد قيمة العلم وتحتفي بالمبدعين الحقيقيين وتمنحهم جوائز مالية قيمة، ففي هذا فتح عظيم. المنجز الأول هو الاحتفاء بالوجوه الفاعلة الحقيقية في المجتمع والتي تحفظ له تراثه الذي قدّر قيمة العلم ولبى نداء المولى بالاهتمام به وتكريم أهله. المنجز الثاني والأهم هو تشجيع من أحبطهم الحال فتكاسلوا أو تراجعوا نسبيًا أو أقلعوا تمامًا عن استكمال أبحاثهم التي تنتهي إلى اكتشافات أو ابتكار مزيد من المخترعات، فقط لتدبير قوت أسرهم واحتياجاتهم اليومية في ظل غلاء أجهد حتى الأغنياء. ليدرك الباحث الجاد أن هناك غدًا سيأتيه بالخير إن هو ظل مثابرًا صابرًا جادًا في بحثه.
    يحسب لدولة الإمارات العربية الشقيقة عامة، وإمارة دبي خاصة برئاسة حاكمها سمو الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حرصهم على إقامة هذه المسابقة بآلية ثابتة وشروط ترَشُح واضحة وشفافية مشهودة تحسب لهيئة الجائزة برئاسة معالي محمد بن عبدالله القرقاوي، وزير شئون مجلس الوزراء، وبرعاية كريمة من الشيخ محمد  بن راشد إيمانًا منه بأن المستقبل الحقيقي للعلم لا غيره وأن التمكين الحقيقي يكون لأهل الفكر والنابغين من العلماء، فهو القائل: "إن الأمة التي تُقدر علماءها ونوابغها وتُمكِّن صنّاع الحضارة ومفكريها هي في طريقها الصحيح للسيادة والريادة والتفوق في المستقبل". وبالفعل، هذا هو الأبقى والأرسخ والذي يمكث في الأرض.
    وكان الشيخ محمد بن راشد قد أعلن قبل عام عن تخصيص 100 مليون درهم إماراتي وتشكيل لجنة تتألف من أربعة وزراء لوضع منظومة متكاملة للإشراف على النوابغ العرب. والأهم من الجائزة في حد ذاتها أنها تأتي ضمن مشروع ضخم. إذ تسعى مبادرة "نوابغ العرب" إلى تحديد أهم 1000 نابغة عربي خلال 5 سنوات في مسارات رئيسية تشمل: الفيزياء والرياضيات، والبرمجيات وعلوم البيانات، والاقتصاد، والجامعات والأبحاث العلمية وغيرها، ودعمهم علميًا وبحثيًا.  والهدف الأسمى هو رعاية هذه النوابغ الألف علميًا وبحثيًا وربطهم مع أكبر المفكرين والعلماء والشركات في العالم وتطوير أفكارهم لتعظيم أثرهم الإيجابي على المنطقة.
  ذلك هو قدرنا الحقيقي وقدَرنا نحن العرب، أنسينا بأننا أمة "اقرأ" المأمورة بالبحث والمعنية بالعلم والمكلفة بإعمار الأرض؟ فمرحبًا ألف مرحب بخطوة مهمة تسعى لاستعادة العرب مكانتهم العلمية وتمكينهم لأداء دورهم الحضاري والإيجابي في المنطقة. وكل التحية لمن فكر ومن بادر ومن أنفق على هذا المشروع، فهذا هو الاستثمار الحقيقي للمستقبل ودورنا كقوى ناعمة عربية أن نشجعهم ونحتفي بهم ونشد على أياديهم ليقلدهم غيرهم من أهل المال، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون بعيدًا عن الترفيه وعن الكُرة وعن كل عديم نفع نال اهتمامًا أكثر من قدره فأحبطنا وعطّلنا، ومنح لعدونا قصب السبق.