رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"خذوا زينتكم عند كل مسجد".. موضوع خطبة الجمعة اليوم 12 يناير 2024

 خطبة الجمعة
خطبة الجمعة

حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة اليوم 30 جمادى الآخر 1445 هـ، الموافق 12 يناير 2024، التي جاءت تحت عنوان "خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ".

وأكدت وزارة الأوقاف على جميع الأئمة الالتزام بموضوع خطبة الجمعة نصًا أو مضمونًا على أقل تقدير، وألا يزيد أداء الخطبة علي عشر دقائق للخطبتين الأولى والثانية مراعاة للظروف الراهنة.

نص خطبة الجمعة اليوم 12 يناير 2024

  “خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ” جمالُ المظهرِ والجوهرِ في بيوتِ اللهِ (عزَّ وجلَّ)
30 جمادي الآخر 1445هـ – 12يناير 2023م
المـــوضــــــــــوع
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، القائلِ في كتابِهِ الكريمِ: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}، وأشهدُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيدَنَا ونبيَّنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، اللهُمَّ صلِّ وسلّمْ وباركْ عليهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ، ومَن تبعَهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ، وبعدُ:

فإنَّ المساجدَ بيوتُ اللهِ في الأرضِ، في رحابِهَا يُعبَدُ الحقُّ سبحانَهُ ويُذكَرُ، ويُتلَى كتابُهُ الكريمُ ويُتدَبَّرُ، وقد كرّمَ اللهُ سبحانَهُ المساجدَ بأنْ أضافَهَا إلى نفسِهِ إضافةَ تشريفٍ وتعظيمٍ، وأخبرَ أنَّهَا أحبُّ الأماكنِ إليهِ، وأكرَمَ زوَّارَهَا فجعلَهُم زوّارَهُ سبحانَهُ، حيثُ يقولُ سبحانَهُ: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}، ويقولُ نبيُّنَا ﷺ: (أَحَبُّ البِلَادِ إلى اللهِ مَسَاجِدُهَا)، ويقولُ ﷺ: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، إِلا كَانَ زَائِرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ زَائِرَهُ)، فكيفَ بضيفٍ نزلَ بأكرمِ الأكرمين، وحلَّ ببيتِ ربِّ العالمين؟! ويقولُ ﷺ: (مَن غدَا إلى المسجدِ أو راح، أعدَّ اللهُ له نُزُلًا مِن الجنَّةِ كلَّمَا غدَا أو راح).


لذلك اشتدتْ عنايةُ الإسلامِ بالحفاظِ على المساجدِ وإبرازِ جمالِهَا ورونقِهَا، فأمرتْ بنظافتِهَا، وأخذِ الزينةِ عندً القدومِ إليهَا؛ رعايةً لمكانتِهَا وقدسيتِهَا، فذلك مِن تعظيمِ شعائرِ اللهِ تعالَى في القلوبِ، حيثُ يقولُ الحقُّ سبحانَهُ: {ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}، ويقولُ سبحانَهُ: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ}، ويقولُ نبيُّنَا ﷺ: (اللهُ أحقُّ مَن تُزيَّنَ لَه)، وتقولُ السيدةُ عائشةُ (رضي اللهُ عنها): “أمرَ رسولُ اللهِ ﷺ ببناءِ المساجدِ في الدورِ- يعني: في القبائلِ- وأنْ تُنظَّفَ وتُطيَّبَ”، وقد امتدحَ الحقُّ سبحانَهُ أهلَ مسجدِ قباءٍ لحرصِهِم على الطهارةِ والنظافةِ، حيثُ يقولُ سبحانَهٌ: {لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ۚ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}، ويقولُ نبيُّنَا ﷺ: (الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ)، ولا أدلَّ على فضيلةِ نظافةِ المساجدِ مِن تفقدِ نبيِّنَا (عليهِ الصلاةُ والسلامُ) أحوالَ المرأةِ التي كانتْ تكنسُ مسجدَهُ الشريف، وصلاتِهِ عليهَا بعدَ موتِهَا.

كمَا حثتنَا الشريعةُ الغراءُ على دخولِ المساجدِ بأجملَ طيبٍ وأعطرَ ريحٍ، حيثُ يقولُ نبيُّنَا ﷺ: (لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَومَ الجُمُعَةِ، ويَتَطَهَّرُ ما اسْتَطَاعَ مِن طُهْرٍ، ويَدَّهِنُ مِن دُهْنِهِ، أوْ يَمَسُّ مِن طِيبِ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فلا يُفَرِّقُ بيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي ما كُتِبَ له، ثُمَّ يُنْصِتُ إذَا تَكَلَّمَ الإمَامُ، إلَّا غُفِرَ له ما بيْنَهُ وبيْنَ الجُمُعَةِ الأُخْرَى)، وهذا هو هديُ نبيِّنَا ﷺ، حيثُ يقولُ سيدُنَا أنسُ بنُ مالكٍ (رضي اللهُ عنه): “ما شَمَمْتُ عَنْبَرًا قَطُّ، وَلَا مِسْكًا، وَلَا شيئًا أَطْيَبَ مِن رِيحِ رَسولِ اللهِ ﷺ”.


الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على خاتمِ الأنبياءِ والمرسلين، سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين.

لا شكَّ أنَّ المسلمَ الحقَّ يحرصُ على نظافةِ الباطنِ كمَا يحرصُ على طهارةِ الظاهرِ، ويكونُ ذلك بطهارةِ القلوبِ مِن الغلِّ والحقدِ والحسدِ والكراهيةِ، فحينَمَا سُئِلَ نبيُّنَا ﷺ أيُّ الناسِ أفضلُ قال: (كلُّ مخمومِ القلبِ صدوقِ اللسانِ، قالوا صدوقُ اللسانِ نعرفُه، فما مخمومُ القلبِ، قال: هو التقيُّ النقيُّ لا إثمَ فيه ولا بغيَ ولا غِلَّ ولا حسدَ)، ويقولُ ﷺ: (أَلَا أَدُلُّكُم على أَفْضَلَ من درجةِ الصلاةِ والصيامِ والصدقةِ ؟ قالوا: بلى يا رسولَ اللهِ. قال: إصلاحُ ذاتِ البَيْنِ فإنَّ فسادَ ذاتِ البَيْنِ هي الحالِقَةُ. لا أقولُ: إنها تَحْلِقُ الشَّعْرَ ولكن تَحْلِقُ الدِّينَ).

كما يكونُ ذلكَ بحبِّ الخيرِ للناسِ جميعًا، حيثُ يقولُ نبيُّنَا ﷺ: (لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)، ويقولُ ﷺ: (خيرُ الناسِ أنفعُهم للناسِ)، وعندمَا قالَ نبيُّنَا ﷺ لأصحابِهِ (رضوانُ اللهِ عليهم): (يطلُعُ  عليكم رجلٌ من أهلِ الجنَّةِ)، طلعَ رجلٌ مِن الأنصارِ، فتبعَهُ سيدُنَا عبدُ اللهِ بنُ عمرٍو (رضي اللهُ عنهما) ليقيمَ عندَهُ ثلاثًا، ويرَى أحوالَهُ التي بلغتْ بهِ هذه المنزلة، فلمَّا لم يرَ منهُ كبيرَ عملٍ، سألَهُ عن ذلك، فقالَ الرجلُ لهُ: “ما هو إلَّا ما رأيتَ. فلمَّا ولَّيتُ دعانِي فقالَ: ما هو إلَّا ما رأيتَ، غيرَ أنِّي لا أجدُ على أحدٍ مِن المسلمين في نفسِي غِشًّا ولا حسَدًا، على خيرٍ أعطاهُ اللهُ إيَّاهُ، قال عبدُ اللهِ: فقلتُ له هي الَّتي بلغتْ بك، وهي الَّتي لا نُطيقُ).


فما أجملَ أنْ تُرِى الدنيا جمالَ دينِنَا ظاهرًا وباطنًا في جميعِ أحوالِنَا، فيتبدَّى الجمالُ الظاهرُ في مساجدِنَا وطرقِنَا وبيوتِنَا وهيئاتِنَا، ويتألقُ الجمالُ المعنويُّ في نظافةِ قلوبِنَا وحسنِ أخلاقِنَا، حيثُ يقولُ نبيُّنَا ﷺ: (إنَّ اللهَ جميلٌ يُحبُّ الجمالَ).

اللهُمَّ اهدنَا لأحسنِ الأخلاقِ لا يهدِي لأحسنِهَا إلّا أنت
اللهُمَّ احْفَظْ مِصْرَنَا وَارْفَعْ رَايَتَهَا فِي الْعَالَمِينَ.