رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رؤية خبير

"ميلاد مجيد وعهد جديد"

دائمًا ما ننتظر زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى لتقديم التهنئة للشركاء من أقباط مصر فى عيد الميلاد المجيد، لما تمثله تلك الزيارة من وقع خاص فى نفوسنا جميعًا، حيث يمثل الرئيس خلالها الشعب المصرى بمختلف طوائفه وانتماءاته وكأن الكلمات التى يلقيها الرئيس هى ذات الكلمات التى نود أن نقولها لكل مصرى قبطى أو بمعنى أصح كل مصرى يحتفل بتلك المناسبة الخالدة.. مناسبة ميلاد السيد المسيح.
جاء الاحتفال بعيد الميلاد المجيد هذا العام فى ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد على العالم بصفة عامة وعلى مصر بصفة خاصة، وهو ما عبر عنه الرئيس فى كلمته أثناء زيارته للكاتدرائية، حيث أفاد بأنه من أهم الأزمات التى نواجهها فى الوقت الراهن هى مشكلة العدوان الإسرائيلى على الشعب الفلسطينى الأعزل، وأن مصر لديها موقف محترم تجاه هذه الأزمة.. وهنا أشير إلى أن الموقف المصرى مما يحدث فى قطاع غزة بالفعل هو موقف يحسب للقيادة السياسية المصرية ولا يعطى الفرصة لأى دولة أو كيان أن يزايد على هذا الموقف.. والمقصود هنا ليس مجرد تلك الرؤية القاصرة على مرور شاحنات المساعدات والمعونات إلى داخل الأراضى الفلسطينية عن طريق معبر رفح بل إنه يمتد ليشمل التدخل لصالح الجانب الفلسطينى فى المفاوضات التى تهدف إلى وقف القتال والعدوان على الشعب الفلسطينى، بالإضافة إلى استقبال أعداد كبيرة من الجرحى الفلسطينيين جراء العمليات العسكرية الهمجية لعلاجهم فى المستشفيات المصرية.. وأشعر هذه الأيام بأن مصر تكاد تكون هى الدولة الوحيدة التى تتدخل بهذا الشكل تجاه هذا العدوان الغاشم، ومن هنا فإن التعبير البسيط الذى عبر به الرئيس عن الموقف المصرى تجاه ما يحدث "موقف محترم"، فهو رغم بساطته يحمل كل معانى الإخلاص والدعم على كل الأصعدة لصالح الشعب الفلسطينى الشقيق، بينما تكتفى باقى الدول بإصدار بيانات الشجب والإدانة التى لا يهتز لها المحتل الإسرائيلى ولا يعير لها أى اهتمام.
تضمنت كلمة الرئيس أيضًا جانبًا مهمًا من اهتماماتنا كمصريين، حيث أجاب فى عبارات واضحة على تساؤلات رجل الشارع البسيط فى أننا نأمل أن يكون عام 2024 هو بداية لانفراج الأزمات التى يعانى منها المواطن ونهاية لها وأن تكون سنة سعيدة على الجميع إلا أن طوق النجاة الحقيقى لتجاوز تلك الأزمات يتمثل فى وحدة المصريين وصمودهم، وأن يكونوا على قلب رجل واحد وهو ما سوف يترتب عليه التغلب على أى أزمة وتجاوز أى تحدٍّ.. وقد لاحظت بالفعل أن حجم المباركات والتهانى بين المسلمين والأقباط هذا العام على شبكات التواصل الاجتماعى وفى زيارات الكنائس المختلفة فى كل المحافظات فى تزايد مستمر عن الأعوام السابقة، ومن المؤكد أن ذلك يرجع فى المقام الأول إلى تلك السياسة الحكيمة التى يتبعها الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ أن تولى إدارة شئون البلاد، حيث أسس قواعد وثوابت واضحة مع أقباط مصر وخاصة من الشباب والمرأة ودور العبادة وبناء الكنائس وهو الأمر الذى نزع فتيل الأزمات التى كانت تحدث بين الحين والآخر بين أبناء الشعب الواحد نتيجة نقص الوعى ونغمة التفرقة التى كانت تتزعمها الجماعات المتطرفة والتى وصلت فتواها فى وقت ما إلى تحريم تهنئة الأقباط فى أعيادهم أو مجرد السلام عليهم.. ومن ناحية أخرى فإن الشدائد دائمًا ما تجمع أفراد الأسرة الواحدة لمواجهة أى خطر تتعرض له هذه الأسرة وهو ما يحدث حاليًا فى مصر حيث ترتبت على مشاعر القلق التى نشعر بها جميعًا تجاه ما قد تتعرض له بلادنا من ضغوط للموافقة على فكرة تهجير أبناء الشعب الفلسطينى من قطاع غزة إلى أرض سيناء، ووقوف المصريين يدًا واحدة مع قائدهم الرئيس عبدالفتاح السيسى لمواجهة هذه المخططات وتلك الضغوط.
كان من أبرز اللقاءات التى تمت فى تلك المناسبة السعيدة تلك الزيارة التى قام بها فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور/ أحمد الطيب، حيث أكدت هذه الزيارة أنه فى الشدائد يظهر المعدن الأصيل فى التلاحم والصمود والوقوف صفًا واحدًا فى مواجهة أى تحديات قد تتعرض لها البلاد.. حيث دعا شيخ الأزهر إلى إنشاء لجنة مشتركة تجمع بين الأزهر والكنيسة لمتابعة ما يحدث فى غزة والخروج بصوت واحد ينادى بوقف تلك الاعتداءات والجرائم الوحشية التى يتعرض لها الشعب الفلسطينى، والتى وصفها الإمام الأكبر بأنها حرب إبادة، وأن ما يحدث فى غزة لم يعرفه تاريخ البشاعات ولا الجرائم من قبل، حيث إن ما يحدث لا يمكن أن يكون حربًا متوازنة، حيث إن الحروب تكون بين طرفين متكافئين، وإن ما نراه هو بالفعل حرب إبادة يقوم بها جيش مدجج بأحدث الأسلحة ضد مواطنين أبرياء، وإننا لسنا دعاة حرب وكراهية ولكننا نقف مع الحق ونساند الطرف الذى يمارس ضده أبشع الجرائم، وإنه لا يمكن تصور أى دين يبرر ما يتعرض له الأبرياء فى غزة من قتل وقهر وتنكيل.. على الجانب الآخر فقد تفاعل قداسة البابا تواضروس الثانى مع دعوة الإمام الأكبر ووافق عليها على الفور مؤكدًا الأخوة المتينة بين أبناء الوطن مسلمين ومسيحيين، قائلًا إننا نتألم لما يحدث فى أرض فلسطين من غياب للإنسانية بكل صورها وصم الآذان عن دعوات وقف العدوان وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية لأبناء القطاع الذين يعانون من الإصابات والجوع ومظاهر الحياة الطبيعية.
تذكرت فى هذا الموقف ذلك اللقاء الذى تم بين الإمام الأكبر مع قداسة البابا شنودة الثالث فى أعقاب حادث كنيسة القديسين فى الإسكندرية وما نتج عنها من سقوط المئات من المصريين سواء داخل الكنيسة أو خارجها ما بين شهيد وجريح.. وفى هذا اللقاء عرض الإمام الأكبر فكرة إنشاء كيان مشترك أُطلق عليه بيت العائلة المصرية يمثل فيه مجموعة من المسلمين والمسيحيين لمواجهة حالات العنف والتطرف والتعصب الكاذب، التى كانت قد بدأت تنتشر فى ربوع البلاد إبان تلك السنة الكبيسة التى استولى فيها الإخوان الإرهابيون على حكم البلاد.. تذكرت تلك الموافقة الفورية للبابا شنودة وأنا أرى ذات الموافقة وبنفس الإيجابية والسرعة من البابا تواضروس، وهو ما يؤكد أن الهدف مشترك والمصاب واحد، ومصر يتنافس على حمايتها أبناؤها دون تفرقة بين دين أو طائفة أو فئة.. فهو بالفعل موقف نبيل ومحترم من قيادات الأزهر والكنيسة كرمزين دينيين للمسلمين والمسيحين فى مصر والعالم يؤكد براءة الأديان السماوية من الإرهاب والعنف والقتل والتدمير والتخريب الذى يحدث فى فلسطين منذ أن بدأ ذلك العدوان الذى يقوم به الجيش الإسرائيلى ضد الشعب الأعزل الذى أصبح لا يجد ما يستطيع أن يداوى به جرحاه أو يطعم أطفاله أو يشعر بالأمان ولو للحظات قليلة.
شهد احتفالنا فى جميع الكنائس المصرية دعاءً مشتركًا للأشقاء الفلسطينين أن ينصرهم ويثبتهم ضد الطغاة.. بل إن الكنيسة خصصت جزءًا من دعائها خلال شهر كيهك من السنة القبطية للصلاة والدعاء لهذا الشعب الصامد العظيم.
هذه هى الكنيسة المصرية وهذه مواقفها عند الشدائد.. وهنا أشير إلى التحية التى وجهها الرئيس للبابا تواضروس، التى أشاد فيها بمواقفه التى لا يقوم بها إلا الرجال.
كانت زيارة الرئيس للكنيسة تحمل البشارات والآمال بأن يشهد العام الجديد نهاية للأزمات على الصعيد الداخلى والفلسطينى، وأن يكون بداية لعهد جديد يتضمن الاستمرار فى مسيرة البناء والتنمية والاستقرار وعودة الحياة إلى طبيعتها فى فلسطين، وبداية لمباحثات سلام حقيقية تضمن لهذا الشعب أن يعيش فى سلام وأمان، وهذا من أبسط حقوق الحياة للإنسان.
كانت احتفالات هذا العام تحمل تجديدًا للعهد المشترك بين المصريين وبعضهم مسلمين ومسيحيين فى مواجهة الأزمات بأن يكونوا على قلب رجل واحد ويد واحدة لا تسمح لأى محاولات للوقيعة بينهما.. هو عهد جديد من الأخوة الصادقة والمواطنة الحقيقية بين أبناء الوطن الواحد. 
كل عام ومصرنا الغالية فى خير وسلام وتنعم بالأمان والاستقرار.
وتحيا مصر.