رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عام التحدى.. اقتصاديون يكتبون «روشتة» حل أزمتى التضخم والدولار فى 2024

جريدة الدستور

اقترح خبراء اقتصاديون عددًا من الاقتراحات والخطوات العملية التى يمكنها مساعدة الحكومة فى حل أزمتى الدولار وارتفاع معدلات التضخم، خلال العام الجارى ٢٠٢٤، خاصة مع تأثيرهما السلبى الكبير على كل المناحى الاقتصادية.

وتضمنت اقتراحات الخبراء الاقتصاديين، فى حديثهم التالى مع «الدستور»، العمل على خفض الواردات وقصرها على مدخلات الإنتاج، مقابل دعم الصادرات والعمل على زيادتها، إلى جانب خلق محفزات ضريبية لجذب المستثمرين، والتقليل من القروض الخارجية، والاستعانة بـ«الصكوك الإسلامية»، ودعم الزراعة والقطاعات الحيوية.

كما تضمنت، كذلك، الإسراع فى بيع الأصول الحكومية، والتفاوض مع المؤسسات الدولية لتأجيل سداد مستحقاتها، ومع صندوق النقد للحصول على تمويل جديد، بجانب عدم الاقتصار على رفع سعر الفائدة، والاعتماد على «الاقتصاد الحقيقى»، على أن يكون ذلك بالتزامن مع الاستمرار فى تطبيق حزم الحماية الاجتماعية، وضخ كميات كبيرة من السلع بسعر التكلفة.

أحمد السيد: الإسراع فى بيع الأصول.. والتفاوض لتأجيل مستحقات المؤسسات الدولية

قال الدكتور أحمد السيد، الخبير الاقتصادى، إن البنك المركزى المصرى لا يملك عصا سحرية لحل أزمتى التضخم والدولار، دون أن تكون هناك دفعة من «الاقتصاد الحقيقى».

وأضاف «السيد»: «صحيح أن البنوك المركزية حول العالم واجهت التضخم بسلاح رفع الفائدة، لكن هياكل الاقتصاد هى ما ساعدت فى استجابة التضخم لذلك الإجراء، بينما الاقتصاد المصرى يبدو مختلفًا».

وواصل: «الوضع بالنسبة للاقتصاد المصرى مختلف بسبب التعقيدات التى يمر بها، على ضوء تتابع الأزمات العالمية والإقليمية فى فترة قصيرة، وكان من سوء حظ الاقتصاد المصرى أن هذه الأزمات مرتبطة بشكل كبير بقطاعات حيوية».

وأكمل: «الأزمة الروسية- الأوكرانية على سبيل المثال أثرت على قطاع السياحة، خاصة أن ٥٥٪ من السياح فى مصر روس وأوكران، كما أثرت بشكل كبير على ارتفاع أسعار السلغ الغذائية الاستراتيجية، التى يعتمد الاقتصاد على استيرادها بشكل كبير، وتعتبر روسيا وأوكرانيا من أكبر منتجيها فى العالم، وبالتالى كانت هناك ضغوط استثنائية كبيرة على مصر».

وتابع: «مصر من أكثر الدول فى العالم التى تأثرت بالأزمة، حتى بعد بدء استقرار الأسعار العالمية، أثرت التوترات الإقليمية الأخيرة على السياحة والغاز، ثم قناة السويس، وهذه كلها ضغوط من غير العادى أن تمر على أى اقتصاد دون أن تؤثر فيه، كما أن الاقتصاد المصرى كمثل غالبية الاقتصادات النامية، خرج من جائحة كورونا مثقلًا بالعديد من المشاكل الهيكلية، إلى جانب تزايد حجم الديون».

ورأى الخبير الاقتصادى أن سياسات رفع سعر الفائدة لم تؤت ثمارها على التضخم فى مصر، لأن غالبيته تأتى من الخارج «تضخم مستورد»، أو بسبب قيود الاستيراد، وكذلك خلل الأسواق، الذى يُمكن بعض الحلقات الوسيطة من تحقيق أرباح استثنائية على حساب المواطن، خاصة مع صعوبة تطبيق آليات عفا عليها الزمن وأثبتت عدم جدواها، مثل «التسعيرة الجبرية».

وأضاف: «كما أن رفع سعر الفائدة أصبح يكلف الموازنة العامة نحو ٧٠ مليار جنيه، لكل ١٪ زيادة فى سعر الفائدة، فى وقت تئن فيه الموازنة العامة للدولة من الالتزامات المتزايدة، ما دفع البنك المركزى للتأنى فى رفع سعر الفائدة خلال ٢٠٢٣، وأعتقد أن العام الجارى لن يشهد ارتفاعات ضخمة فى الفائدة».

ونبّه إلى أن القضاء على السوق الموازية للدولار يحتاج إلى ضخ سيولة دولارية ضخمة فى الجهاز المصرفى لتلبية احتياجات المتعاملين، مثلما حدث فى ٢٠١٦، لذا فإن السؤال الأهم هو: «كيفية جذب هذه السيولة»، نظرًا لأن الاقتراض من الخارج صعب للغاية فى الفترة الحالية، على ضوء ارتفاع سعر الفائدة عالميًا، بالاضافة إلى تراجع التصنيف الائتمانى لمصر.

وواصل: «الأهم هو عبور عقبة ٢٠٢٤، لأنها السنة الأكبر فى الالتزامات الدولارية المطلوبة من مصر، التى تتجاوز حاجز ٢٤ مليار دولار، وبعد ٢٠٢٤ تبدأ هذه الالتزامات فى الانخفاض بشكل كبير، لذلك فى حال عبور ٢٠٢٤ سيبدأ الاقتصاد المصرى فى التقاط أنفاسه».

وأكمل: «بافتراض عدم حدوث أى صدمات خارجية جديدة فى مصادر إيرادات الدولار خلال ٢٠٢٤، ستظل هناك فجوة بنحو ٧ إلى ٨ مليارات دولار تقريبًا، خلال العام الجارى، وهو ما يتطلب توفير إيرادات لتغطية هذه الفجوة، ما يساعد فى القضاء على أزمة الدولار».

ورأى أن توفير هذه الفجوة لن يأتى إلا من خلال الإسراع فى بيع الأصول التى أعلنت عنها الحكومة، خاصة «فودافون»، ومحطة «سيمنس» للكهرباء، ومحطة «جبل الزيت» لتوليد الكهرباء من طاقة الرياح، متابعًا: «هذه الصفقات الثلاث قادرة على تأمين جزء كبير من الفجوة التمويلية، وسيكون لإتمامها تأثير كبير مباشر على سعر الدولار فى السوق الموازية».

وأضاف: «نحتاج إلى تنفيذ هذا جنبًا إلى جنب مع الاستمرار فى التفاوض مع صندوق النقد الدولى، الذى أبدى تفهمًا فى الفترة الأخيرة بشأن كون التضخم هو الأولوية فى الوقت الحالى، لذا لا بد من الضغط فى هذا الاتجاه بقوة؛ للحصول على دعم الصندوق فى توفير سيولة دولارية سريعة، خاصة مع تقبله فكرة زيادة القرض المخصص لمصر إلى ما يقرب من ١٢ مليار دولار، وفقًا لتقديراتى».

وواصل: «من المهم، أيضًا، أن نحاول التفاوض مع المؤسسات الدولية، التى تبلغ أعباء ديونها نحو ٦.٧ مليار دولار خلال ٢٠٢٤، وفقًا لبيان البنك المركزى- على ترحيل جزء من هذه المديونية إلى الأعوام التالية، ما سيكون كفيلًا بإحداث انفراجة كبيرة فى ملف أزمة الدولار، وبالتالى التضخم».

وأكمل: «لا بد لهذه المؤسسات أن تستجيب لذلك المطلب العادل، لأن مصر تلعب دورًا محوريًا مهمًا فى العديد من الأزمات العالمية، فهى أكبر دولة تستضيف لاجئين ونازحين، وبالتالى فإن استمرار اختلال الأوضاع الاقتصادية فى مصر لفترات طويلة سيكون له تأثير كبير على الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، ما يتطلب مساعدة مصر فى اجتياز هذه الأزمة، التى يعود جزء كبير منها إلى ضغوط خارجية».

كما شدد على ضرورة الاستمرار بقوة فى حزم الحماية الاجتماعية، بعيدًا عن زيادة الأجور والرواتب، لأن زيادة الأسعار تلتهم بشكل كبير هذه الزيادات، وبالتالى المستفيد الأول منها هى الفئات التى تتاجر بالبسطاء.

لذلك اقترح الخبير الاقتصادى أن يكون تركيز الدولة فى ٢٠٢٤ على ضخ كميات كبيرة من السلع بأسعار التكلفة، من خلال بطاقات التموين، والمجمعات الاستهلاكية، ومجمعات جهاز «الخدمة الوطنية»، ما سيشكل ضربة كبيرة للمحتكرين، ويضطرهم مع الوقت لتخفيض أسعار السلع أو سرعة تصريفها.

دياب محمد دياب: دمج الصناديق الخاصة مع الهيئات العامة والحكومية

أوضح الدكتور دياب محمد دياب، الخبير الاقتصادى، أن الظروف الاقتصادية التى تحدث حاليًا تؤثر على كل دول العالم، وليس مصر فقط، مشيرًا إلى أن ضربات الحوثيين فى البحر الأحمر تسببت فى تفاقم الأزمات الاقتصادية، لأنها قد تؤثر على دخل قناة السويس، ما يسبب ارتفاعًا فى معدلات التضخم فى العالم كله. وأكد «دياب» أن القناة تحجب نسبة تضخم عالمية تصل إلى ١٥٪، أى أن تضررها سيؤدى لرفع الأسعار فى كل دول العالم، وذلك نتيجة الفارق الكبير فى تكلفة النقل والشحن بين طريقىّ رأس الرجاء الصالح الطويل، وطريق قناة السويس المختصر. ولفت إلى أنه لتجنب هذه الأزمات على مصر دمج الصناديق الخاصة مع الهيئات العامة والحكومية، وذلك لإدراجها ضمن بنود مواد الموازنة العامة للدولة بهدف تحقيق مزيد من الاستفادة للاقتصاد المحلى. وأوضح أنه يجب، كذلك، حصر الاقتصاد الموازى فى الدولة من المشروعات الصغيرة والمصانع، ودمجه بالاقتصاد القومى بأساليب جادة ومُيسرة، ما يحقق الإفادة لكل من العاملين فى هذا الاقتصاد والدولة بقطاعاتها، مؤكدًا أن تشجيع العاملين فى الاقتصاد الموازى يدفع العديد من المستثمرين الأجانب إلى المزيد من الاستثمار والإقبال عليه، إذ إن المستثمر الخارجى يلجأ قبل الاستثمار فى أى دولة إلى التأكد من نشاط الاقتصاد الموازى فيها بنسبة أكثر من ٣٠٪، وفى حال قلت النسبة عن ذلك كثيرًا ما يعزف عن الاستثمار.

 

أحمد رامى: الاتفاق مع عدد من الدول للتبادل التجارى بالعملة المحلية سيكون مثمرًا فى المستقبل

قال أستاذ العلوم السياسية وخبير الاقتصاد، أحمد رامى، إن الأزمات والصراعات العالمية خلال العامين الماضيين أثرت سلبًا على الدول النامية أكثر من غيرها، موضحًا أن نظريات علم الاجتماع تدرس كيف يتكيف الناس فى أوقات الشدائد والأزمات لإيجاد مخرج.

وأضاف: «يميل الناس للتكيف مع الظروف الجديدة للتغلب عليها، ويحتاجون إلى رؤى مستقبلية وأمل فى المستقبل من أجل البقاء»، مشيرًا إلى أن اتفاق مصر مع الدول الأخرى التى تواجه نقصًا فى الدولار الأمريكى على استخدام الجنيه المصرى عند التصدير لها سيكون مثمرًا فى المستقبل.

وأوضح أنه يمكن أن يكون لهذه الخطوة، أيضًا، تأثير إيجابى على الاقتصاد المصرى، لأنها قد تساعد فى زيادة الصادرات إلى البلدان التى يعوقها عدم كفاية احتياطى الدولار الأمريكى.

وأشار إلى أن استخدام العملة المحلية من شأنه أن يزيد الإيرادات بالجنيه، كما سيتطلب بالمثل استيراد المنتجات الوسيطة بالجنيه المصرى أيضًا، وهذا من شأنه أن يسهل فى النهاية عملية الإنتاج.

وأضاف: «فى حالة تبنى الدولة هذه السياسة ستكون ذات فائدة مشتركة لكل من مصر والدولة المستوردة»، مشيرًا إلى أن الدول الأخرى التى تعانى من نقص الدولار الأمريكى وتواجه عوائق على الاستيراد ستستفيد أكثر من مثل هذه القرارات، حيث سيتم تسهيل الاستيراد من مصر بالجنيه، وهذا سيعزز الصادرات بشكل إيجابى مع وجود أسواق جديدة.

محمد عبدالهادى: زيادة الصادرات والإنتاج الزراعى

قال الدكتور محمد عبدالهادى، المحلل الاقتصادى، إن الأزمة الاقتصادية ستنتهى حينما تتوافر سيولة دولارية فى السوق، مؤكدًا: «آنذاك سينضبط معدل التضخم».

وأوضح «عبدالهادى»: «حينما حدثت الحرب الروسية- الأوكرانية عام ٢٠٢٢، خرج مبلغ قدره ٢٢ مليار دولار من مصر، ما تسبب فى ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه، وكان من المخطط أن يجرى تعويض النقص من خلال السياحة، التى تجلب حوالى ١٣ مليار دولار سنويًا، وقناة السويس التى تجلب ٩.٤ مليار دولار إلى ١٠ مليارات دولار سنويًا، وكان من المنتظر أيضًا أن تسهم الصادرات المصرية فى توفير الدولار، وبلغ آخر حصيلة للتصدير ٥٦ مليار دولار».

ورجح أن تتفاقم الأزمة خلال العام الجديد نظرًا للأحداث الجيوسياسية فى الشرق الأوسط، ما يؤثر سلبًا على السياحة الوافدة لمصر، وهى مصدر من مصادر الدولار، لافتًا إلى أن ما يحدث فى البحر الأحمر حاليًا سيضر بعائدات قناة السويس ما لم يتم تداركه.

وتابع: «الحل يكمن فى زيادة الصادرات، من خلال خفض قيمة الجنيه أمام الدولار والعملات الأخرى، ما يجذب استثمارات جديدة، علاوة على تحويلات المصريين العاملين فى الخارج، التى سجلت خلال السنوات السابقة ما يقرب من ٣١ مليار دولار، مقابل ١٦ مليار دولار حاليًا».

وأضاف: «للخروج من عنق الزجاجة، علينا زيادة الإنتاج الزراعى والصناعى، كما حدث فى البرازيل فى الماضى، فالأزمتان متشابهتان».

وشدد على ضرورة أن تبدأ مصر فى تطبيق «عقود المعاوضة»، أى أن توسع التبادل التجارى مع الدول الأخرى من خلال المعاوضة واستبدال الصادرات المصرية مقابل ما تحتاجه مصر من سلع دون الحاجة إلى تبادل نقدى.

وذكر أن من الضرورى البحث عن شركاء اقتصاديين جدد لمصر، مثل التجربة الروسية الأوروبية والتعاون المثمر بينهما فى السابق، الذى ظهر تأثيره بقوة فى الحرب الروسية- الأوكرانية، مشيرًا إلى أهمية أن تبدأ مصر فى بيع الأصول من خلال البورصة وتفعيل برنامج الطروحات الحكومية، مثل البدء فى بيع المصانع أو الشركات القائمة، وتدشين شركات بديلة، مع جدولة الديون، وتفعيل الصكوك الإسلامية التى تتحرك بها كل دول العالم مثل الدول الأخرى، مثل ماليزيا التى نجحت فى تسويق الصكوك الإسلامية، وهى خارج الموازنة العامة للدولة ولا تحتاج للضغط على الدولار، وعلينا ضبط القوانين الخاصة بالصكوك فى أسرع وقت.

ونصح بالتخفيف من عملية الاقتراض من الخارج والضغط على الموازنة العامة للدولة، فضلًا عن استيراد المواد الإنتاجية فقط ومدخلات الإنتاج، وهو ما ينقذ الاقتصاد المصرى، علاوة على خلق محفزات ضريبية لجذب أكبر شريحة من المستثمرين.

رشاد عبده: توفير الدعم للمستثمرين بالداخل والخارج

قال الخبير الاقتصادى رشاد عبده، رئيس المنتدى المصرى للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، إنه لا سبيل للخروج من المأزق العالمى والأزمات الدولية، التى أثرت على اقتصادات الدول، سوى بالعمل والاستمرار فيه.

وأشار إلى أنه يجب على الدولة تشجيع المستثمرين المحليين من خلال تقديم كل التسهيلات المطلوبة لهم، بما يضمن توفير بيئة عمل مريحة تزيد من إنتاجيتهم وتساعدهم فى الاستمرار، بالإضافة إلى ذلك يجب تشجيع المستثمر الأجنبى، مؤكدًا دوره فى جذب العديد من المستثمرين الآخرين حال وجد مناخًا استثماريًا سليمًا.