رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

طفرة إلكترونية ناجحة.. كيف؟

تابعت يوم الجمعة الماضي، بدعوة مشكورة من صديقي الكاتب الصحفي جمال نورالدين، وبشغف شخصي كبير تجربة انتخابية جديدة تتشارك في تنظيمها عدة جهات. إذ جرت انتخابات نادي هيئة قضايا الدولة للمرة الأولى إلكترونيًا، وهذا هو الجديد الذي أتوقع له النجاح والاستمرارية، واتساع مساحة التجربة لتشمل قطاعات أخرى قد نصل فيها يومًا إلى تكرار التجربة في الانتخابات المحلية أو البرلمانية. 

وسط زحام شديد من السادة والسيدات أعضاء النادي، قابلت عددًا كبيرًا من قيادات وكوادر وزارة الشباب والرياضة الذين حضروا بوصفهم الجهة الإدارية التابع لها النادي والمنوط بها تنظيم هذه الانتخابات من بينهم المستشار محمد علاء، المستشار القانوني لوزير الشباب، ومدير عام الهيئات الرياضية نادر التطاوي. وقد علمت منهما أن لقاءً كان قد تم قبل فترة بين وزيري العدل والشباب بحضور قيادات الوزارتين لتنسيق الترتيبات النهائية للحدث وبمشاركة ممثلين لوزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية وآخرين ممثلين لهيئة النيابة الإدارية. 
هناك أيضًا قابلت صديقًا لم أره منذ سنوات هو أحمد عفيفي، وكيل وزارة الشباب للنظم والمعلومات، والذي حكى لي أن اجتماعًا تنسيقيًا أوليًا كان قد جرى قبل أربعة أشهر بين ممثل لهيئة النيابة الإدارية وممثل لوزارة التخطيط مع د. أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة في المركز الأوليمبي بالمعادي لوضع قواعد العمل لهذه المنظومة. وبناءً عليه، تم بالفعل إجراء انتخابات الاتحاد العام للكشافة وجمعية المرشدات بذات الطريقة، وهناك نية لإجراء محاكاة لانتخابات مجلس الشيوخ في وزارة الشباب بذات الكيفية، مع اشتراط الحضور الشخصي للناخب.
 أعرف شغف عفيفي بالأفكار الجديدة، فقد تولى إدارة قطاعات كثيرة بالوزارة، تألقت جميعها تحت إدارته. لكنني لاحظت سعادته الشديدة بهذه التجربة بالذات، إذ يرى أنها تمثل إضافة كبيرة للإدارة التي يرأسها، كما أنها تعتبر مشروعًا قوميًا يضاف لوزارة الشباب. 
بالمشاهدة الشخصية، لاحظت أن وزارة الشباب قد أقرت نظامًا إلكترونيًا يستطيع من خلاله الناخب أن يضع الكود الخاص به، وبمجرد إدخال هذا الكود يتم فتح "السيستم" ليكون متاحًا حينها للناخب اختيار مرشحه بضغطة على الشاشة أمامه. ولزيادة الاطمئنان واستعدادًا لأي طعون يمكن أن يتقدم بها أي من المرشحين فإن هناك نسخة ورقية مطبوعة يتم الاحتفاظ بها كشأن الانتخابات العادية. وزيادة في الحيطة القانونية حرص القائمون على انتخابات نادي قضايا الدولة على حضور الناخب بنفسه والتأكد من شخصه من خلال الرقم القومي والتوقيع بالحضور ثم تسلم كود شخصي للدخول به على السيستم الموضوع بعناية.
تجربة جديدة تستشرف آفاق المستقبل في ظل التحول الرقمي الذي تشهده البلاد لتكتمل منظومته 2030. ورأيي أن الانتخابات الإلكترونية هى الخيار الذي يناسب شبابنا، إذ أصبحت التكنولوجيا هى اختياره الأول في حياته اليومية. وبناءً عليه، فلم يكن أقل من أن تشجعه وزارة الشباب على ممارسة حقه الانتخابي في النوادي ومراكز الشباب والاتحادات الطلابية بصورة إلكترونية. آلية تشجع صاحب الحق في التصويت على الحضور، وتزيد من ثقته في عدم تزييف إرادته بأي صورة من الصور التي كانت مألوفة قبل عقد مضى.
مسألة أخرى يقضي عليها هذا النظام الانتخابي الجديد الذي انتهجته وزارة الشباب في هيئاتها وتعتزم تطبيقه في انتخابات الأندية الرياضية ألا وهى الزحام الشديد في يوم الانتخاب وتعطيل حركة المرور في محيط النادي أو الهيئة التي تجري فيها الانتخابات. ومن ثم فإن اتباع هذا الأسلوب سيكون حلًا سحريًا للقضاء على التكدس المروري الناتج عن هذا، مع كسر حالة الملل أو الكسل أمام عضو الهيئة الشبابية ليمارس حقه الانتخابي دون تحميله أعباء تذكر لممارسة هذا الحق. ومع إسناد الإشراف القضائي على الانتخابات داخل الهيئات الشبابية لهيئة النيابة الإدارية نكون قد كفلنا للعملية كل الضمانات الدستورية والقانونية التي تحبط محاولات لتعطيل نتائجها أو التحايل القانوني عليها.

 ونظرًا لنجاح التجربة فإنني أتوقع أن تكون هى الوسيلة المستقبلية في كافة الانتخابات العامة وليس فقط على مستوى الهيئات الشبابية، وإن كان الأمر سيتطلب حينها تعديلًا تشريعيًا على القوانين المنظمة للانتخابات حتى تمضي العملية بصورة دستورية.هذه الطريقة الإلكترونية كفيلة إذن بتحقيق نتائج إيجابية كثيرة من بينها سرعة الإعلان عن نتيجة الانتخاب، إذ يتم الفرز إلكترونيا وإحصاء الأصوات وإعلان النتائج خلال دقائق. فضلًا عن توفير الجهد والوقت والمال وتقليل الازدحام الذي بدأنا نتابعه في اللجان الانتخابية خلال الاستحقاقات الدستورية الأخيرة، مما ألزم الجهات المشرفة بجعل التصويت ممتدًا لأيام وصلت في بعض الحالات لثلاثة أيام كاملة، أو الاضطرار إلى إجراء بعض الاستحقاقات- كالانتخابات النيابية مثلا-على ثلاث مراحل لتغطي كافة محافظات الجمهورية. وكلنا يعلم كم الإنفاق المالي الضخم الذي يضخ في طباعة أوراق الانتخابات وغيرها من الإجراءات اللوجيستية، وهنا يمكن توفير نفقات كثيرة يتم إنفاقها في هذه البنود، فضلًا عن كونها آلية تضمن نزاهة أي عملية انتخابية، لاسيما إذا حرصنا فيها على التمسك بالإشراف القضائي أيضًا.
 زادتني هذه التجربة طموحًا في أن ننجح خلال مرحلة قريبة مقبلة لاستخدامها عند إجراء الانتخابات العامة التي ألزم الدستور أن يشارك فيها المصريون بالخارج، إذ جرت العادة منذ أن أصبح التصويت حقًا دستوريًا لمواطنينا المغتربين أن تجري العملية داخل السفارات أو قنصلياتنا بالخارج. إذن لو أتيح للمغترب التصويت حيث هو في منزله- دون تكبد مشاق سفر طويل ومكلف ومعطل ومرهق حتى يصل المواطن المغترب إلى مقر السفارة ليمارس حقه الدستوري- فإن نسبة مشاركة المصريين في الخارج ستتضاعف بالطبع.
 قد يكون المعوق الأول لتوسيع تطبيق هذه التجربة هو ارتفاع نسبة الأمية في القراءة والكتابة. هنا أقول إن تطبيق هذه الطريقة الإلكترونية على نطاق واسع في الاستحقاقات العامة لا ينبغي أن يلغي نظام الانتخابات التقليدي المتبع حاليًا في الأمد القريب. لكنني أرى أننا سنصل يومًا ما إلى إتباع هذا النظام التصويتي في المستقبل، إذ إنه هو التطور الطبيعي لمجتمع تتراجع فيه نسبة الأمية ويزيد إقباله على التحول الرقمي. وكما نتمسك بحقنا في انتقاد السلبيات التي نرصدها في أي منظومة ومن بينها وزارة الشباب، فإن من واجبنا أن نشكر الوزارة التي بادرت باتباع هذه الآلية داخل مؤسساتها ثم ما لبثت أن أصبحت جهة خبرة يستعان بها في هيئات ومؤسسات أخرى لتكرار هذه التجربة الناجحة بكل المقاييس.