رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إفلاس إثيوبيا

إلى الدول المتخلفة عن سداد التزاماتها المالية، انضمت إثيوبيا، رسميًا، أمس الثلاثاء، وقد تصبح أحدث دولة إفريقية تعلن إفلاسها، بعد تخلفها عن سداد فوائد مستحقة، قيمتها ٣٣ مليون دولار، عن سندات «اليوروبوند»، قبل انتهاء فترة السماح. ونقلت وكالة «بلومبرج» عن أحمد شيدى، وزير المالية الإثيوبى، أن بلاده لم تدفع تلك المستحقات، ولن تدفعها، لأنها تريد معاملة جميع الدائنين بطريقة واحدة!

لا يزال اقتصاد إثيوبيا يعانى من ارتفاع معدل التضخم ونقص العملة الصعبة وتزايد أعباء الديون الخارجية، بعد أكثر من عام على توقيع الحكومة الفيدرالية والجبهة الشعبية لتحرير تيجراى، على هدنة، لإنهاء الحرب الأهلية، التى استمرت لأكثر من عامين، وتسببت فى خسائر بشرية واقتصادية فادحة. والإشارة هنا قد تكون مهمة إلى أن تقريرًا صدر عن «معهد دراسات السلام والأمن» بجامعة أديس أبابا، أرجع الصراعات الداخلية الإثيوبية إلى عدم المساواة الاقتصادية بين الأقاليم وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وأكد أن النزاع حول الهيكل الاتحادى بين الجماعات العرقية يفتح الباب أمام صراعات جديدة.

الدولة، التى كانت توصف بأنها واحدة من أكثر الاقتصادات الإفريقية الواعدة، تكافح من أجل سداد فوائد ديونها. وفى ٨ ديسمبر الجارى، أقرت حكومتها بانهيار المفاوضات، التى كانت تجريها مع صناديق التقاعد ودائنين آخرين من القطاع الخاص الذين يحتفظون بسنداتها. وفى ١٤ ديسمبر خفضت وكالة «فيتش»، تصنيفها الائتمانى إلى مستوى عالى المخاطر، مشيرة إلى «تزايد احتمال» التخلف عن السداد. وفى اليوم التالى، أى منتصف الشهر الجارى، خفضت وكالة التصنيف الائتمانى «ستاندرد آند بورز جلوبال» تصنيف السندات إلى «افتراضى» على افتراض أنه لن يتم دفع فوائدها المستحقة. 

وسط هذه المعجنة، تحاول ثانى أكبر دولة إفريقية من حيث عدد السكان، إعادة التفاوض حول التزاماتها المالية، عبر إطار «مجموعة العشرين» لهيكلة الديون، الذى بدأ يكتسب زخمًا بعد أن أحرزت غانا وزامبيا تقدمًا فى إعادة هيكلة ديونهما. ويسمح هذا الإطار بتنسيق تخفيف أعباء الديون من جانب المقرضين، سواء من القطاع العام أو الخاص. وهناك، أيضًا، محاولات إثيوبية حثيثة، منذ سنة ٢٠٢١، للتوصل إلى اتفاق تجميد، أو تعليق، لجدول مدفوعات الديون مع دول نادى باريس للدول الدائنة، الذى أنجزته بالفعل، لكنه لا يزال مشروطًا، أو مرهونًا، بالتوصل إلى برنامج إنقاذ بقيمة ٢ مليار دولار، قبل نهاية مارس المقبل، مع صندوق النقد الدولى، الذى لا تزال المفاوضات معه مستمرة ومتعثرة.

وفقًا لشروط الملحق الصادر عن نادى باريس، فإن اللجنة الرسمية للدائنين تحتفظ بحقها فى إلغاء التعليق، أو التجميد، كما تستطيع تأجيل الموعد النهائى المحدد لإثيوبيا، إذا رأت ضرورة لذلك. وكان نادى باريس قد أعلن عن ترحيبه بالاتفاق الذى توصلت إليه السلطات الإثيوبية مع مسئولى الديون الثنائية، فى نوفمبر الماضى، بشأن تعليق خدمة الديون المقرر سدادها من أول يناير ٢٠٢٣ إلى ٣١ ديسمبر ٢٠٢٤. 

تعليق سداد الديون الثنائية، حسب نادى باريس، سيمنح أديس أبابا سيولة مؤقتة، قبل الدخول فى مناقشات بشأن اتفاق أوسع. غير أن إثيوبيا مدينة، أيضًا، لجهات دولية متعددة الأطراف، مثل البنك الدولى وصندوق التنمية الإفريقى، بإجمالى ١٥.٣ مليار دولار، إضافة إلى ٥.٢ مليار لجهات خاصة و٣.٢ مليار لبنوك تجارية. ولعلك تعرف أن الأزمات العالمية المتلاحقة، منذ ثلاثة أعوام تقريبًا، كشفت عن هشاشة اقتصادات بعض الدول، وتسببت فى إفلاس بعضها الآخر. وفى تقريره الصادر، خلال الشهر الجارى، ذكر البنك الدولى، أن مدفوعات خدمة الدين، التى تسددها الدول النامية تضاعفت ٤ مرات، خلال السنوات العشر الأخيرة.

.. وأخيرًا، نرى أن إعلان إفلاس إثيوبيا بات وشيكًا، ما لم تحدث معجزة اقتصادية، فى ظل تزايد حجم الفساد فى المؤسسات الإثيوبية المختلفة، إضافة إلى استمرار حكومة أبى أحمد فى إنفاق مليارات الدولارات على مشروعات لم تجن ثمارها، ولن تجنيها، على المديين القريب أو المتوسط، وأبرزها مشروع ذلك السد، الذى تبنيه على النيل الأزرق، والذى أثبت، مجددًا، أن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله.