رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سلاح يكفي خمس حروب

منذ يومين قالت الإيكونوميست إن الرئيس السيسى يبدأ فترة رئاسية جديدة، وحول مصر ثلاث حروب مشتعلة فى الجنوب حيث السودان، وفى الغرب حيث ليبيا وفى الشمال الشرقى حيث غزة، المتابعون قالوا إن المجلة العالمية ليست دقيقة؛ لأنها أغفلت أن مصر يحيط بها خمس حروب وليس ثلاث فقط، ففى منابع النيل حيث إثيوبيا هناك حرب منتظرة مع إثيوبيا، بغض النظر عن الطريقة التى سنخوض بها الحرب، وفى البحر الأحمر هناك حرب منتظرة حول باب المندب أيضًا، بغض النظر عن الطريقة التى نخوض بها الحرب، والمعنى أن مصر محاصرة بحزام من النيران تقف داخله صامدة، وأن هذه النيران اشتعلت بفعل فاعل لا بفعل القضاء والقدر، فالوضع فى ليبيا لم يكن يمكن أن يصل لهذه الدرجة من الخطر لولا أن هناك من سعى لإسقاط الدولة الليبية فى ٢٠١١، ولولا أن قوات حلف الناتو قصفت الشعب الليبى وقتلت حاكمه دون محاكمة ودون سند من شرعية، والوضع فى اليمن شبيه لدرجة كبيرة ،فحتى ٢٠١١ كانت هناك دولة، وكان هناك نظام، وكانت هناك عيوب أقل بكثير من عيوب الوضع الحالى على كل الأصعدة، الأمر نفسه ينطبق على السودان جنوبًا، حيث ثمن سقوط الدولة أعلى بكثير من ثمن تحمل عيوب بقائها، فى أقصى منابع النيل أيضًا كان هناك من موَّل وخطط وشجع إثيوبيا على المضى فى غيها وعدم التفاهم على مواصفات فنية لعمليات الملء، ومازال هناك من يشجعها ويعقد معها صفقات السلاح، أما فى غزة فهى قضية ممتدة منذ أربعينيات القرن الماضى والطرف الذى يساند إسرائيل فيها ليس بعيدًا عن الحروب الأربع الأخرى التى تخوضها مصر، لكل هذا علاقة أكيدة بالوضع الداخلى فى مصر، فالصمود وسط طوفان الدمار الذى اجتاح المنطقة منذ ٢٠١١ لم يستدع فقط رؤية نافذة للقوات المسلحة المصرية، ولا تدخلًا لحماية الدولة والشعب، مما كان يخطط لمصر؛ ليجعل مصيرها شبيها بمصير الدول المجاورة لها والمحيطة بها.. استدعى الأمر أيضا أن تتسلح مصر استعدادًا لما هو قادم، وقد أثار هذا موجات من الهجوم أحيانًا والنقاش أحيانًا.. الهجوم كان مصدره لجان الإرهاب الذين يسوءهم أن تستعد مصر لمواجهة أعدائها، والنقاش كان مصدره بعض حسنى النية، الذين تساءلوا كيف نشترى السلاح وحالتنا الاقتصادية لم تتحسن بعد؟ استدعى الأمر أيضًا نزول الدولة لميدان الاستثمار لتأمين المال الكافى لشراء السلاح، وأبدى البعض اندهاشه بعد عقود كاملة كانت الحالة فيها أقرب للهدوء والاعتماد على رفع كفاءة السلاح القديم، وكان بعضه من الذى استخدمه رجالنا فى حرب أكتوبر -١٩٧٣، لكن الحقيقة أن أعظم ما قامت به مصر كان الاستعداد منذ عشر سنوات للحظة الحالية، حيث تخيم أشباح الحرب العالمية على المنطقة، وحيث الجميع ضد الجميع والجميع مع الجميع، من أجل اللحظة التى تشتعل فيها الأمور فى البحر الأحمر، استعدت مصر وأسست الأسطول العسكرى الجنوبى للبحر الأحمر، ومن أجلها اشترت أقوى فرقاطة حربية ألمانية فى العالم، ومن أجلها عقدت صفقة طائرات جديدة مع إيطاليا، وربما هناك صفقات أخرى فى الطريق.. الأمر ببساطة أننا نحتاج سلاحًا يكفى للانتصار فى خمس حروب، وما يثير الفخر أننا قادرون على شراء هذا السلاح فعلًا واستخدامه؛ للحفاظ على مصالحنا وأمننا القومى.