رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دقت ساعة العمل الوطنى

حين تدق الساعة التاسعة من صباح يوم الأحد المقبل تكون قد حانت ساعة من ساعات العمل الوطني. عمل لا يستلزم سلاحًا ولا غناء.. دور لا يتطلب تعطلًا ولا عناء.. واجب لا يكلف نفقة ولا مالًا. ولدينا من الوقت ما يسمح بأن نذهب لأداء هذا الواجب الوطني في اليوم الذي نراه مناسبًا منذ الأحد وحتى الثلاثاء، وعلى مدار اثنتي عشرة ساعة يوميًا. خلال تلك الأيام والساعات المحددة سنتوجه نحن المصريين إلى صناديق الانتخاب في اللجان الانتخابية في عموم مصر شمالها وجنوبها لنقول كلمتنا ونختار رئيسًا للجمهورية لفترة رئاسية جديدة تمتد ستة أعوام قادمة. 
    لا يمكن الحكم على من اتخذ قراره من تلقاء نفسه بالذهاب إلى صناديق الانتخاب دون دافع إلا من ذاته، ودون وازع إلا من ضميره الوطني، ودون رادع يرهبه سواء كان ذلك الرادع غرامة مالية أو عقوبة قانونية - ليدلي بصوته أمام لجنته من بين أي من العشرة آلاف لجنة انتخابية - إلا بأنه مواطن يعرف الواجب. الواجب، تلك كلمة يصف بها أولاد البلد كل من يبادر لفعل ما ينبغي عليه القيام به دون طلب أو إلحاح. والحقيقة أن من يعرف الواجب نحو وطنه هو شخص لا ينبغي إلا أن نأتمنه تمامًا، نأتمنه على أولادنا إذا كان يعلمهم في مدرسة، ونأتمنه على صحتنا إذا كان طبيبًا يداوينا، ونأتمنه على عقولنا إذا كان إعلاميًا يخاطبنا، ونأتمنه على قُوتنا إذا كان تاجرًا أو فلاحًا أو عاملًا.  
   لا أرى أي قدر من المبالغة في نظرتي تلك، فتلك الديمقراطيات التي يُشار إليها والتي ترسّخت سمعتها بأنها ديمقراطيات عتيدة، لم تعد تطلب من مواطنيها هذا الذي نطلبه اليوم من وجوب المشاركة، فهم بحكم الاعتياد صاروا حريصين على المبادرة بالتوجه إلى الصناديق كلما استدعتهم الأوطان لأداء هذا الواجب الوطني. وهو أمر في ظني أننا سنبلغه قريبًا مع زيادة الوعي التي نلاحظها، ومع تكرار التجارب الناجحة التي نمارسها ولا يلاحظ فيها المواطن أي افتئات على حقه أو تغول على إرادته. هناك إذن نحو 67 مليون مواطن مدعوون لممارسة حقهم في انتخاب رئيس للبلاد بكامل إرادتهم ودون ضغوط أو إملاءات من أي شخص أو سلطة. 
 ولكننا نعول بشدة على مشاركة نحو 3.5 مليون شاب من طلاب الجامعات، فهم ذخيرة المستقبل لهذا الوطن، وإذا تحمسوا للمشاركة، فإن أندادهم ممن لم يبلغوا هذا القسط من التعليم سيقلدونهم. وفي إطار نظرتنا لضرورة تحسين نسبة المشاركة في أي استحقاقات قادمة على المستويين القريب والبعيد، فإن الدور الأكبر في تحقيق هذا يقع على أولياء الأمور. فإذا كنا نسعى إلى تدريب أبنائنا على الممارسة الديمقراطية من أجل غدٍ أفضل نتمناه لهم، فليس أقل من أن نحدّثهم عن مشاركتنا ونناقشهم في أسباب اختيارنا لهذا المرشح دون غيره ليعرفوا أن صوتنا أمانة لا نمنحها دون تفكير ولا نهبها دون حسابات. حسابات المكسب والخسارة لأنفسنا كأفراد ولطائفتنا كمهنيين ولمنطقتنا كسكان، ولوطننا  كله - قبل كل هذا – كمواطنين يستهدفون صالح الوطن وأمنه واستقراره، ثم نحث من بلغ منهم السن القانونية على أن ينزل ويشارك وأن نعوّده على أن له صوتًا يُستمع إليه، فعليه أن يتمسك بحقه كلما دعاه الوطن إلى ذلك. 
 وهناك نحو 11 مليون مواطن من ذوي الاحتياجات الخاصة لم تنس الهيئة الوطنية للانتخابات أن لهم حق المشاركة في الانتخاب كمواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات المواطنة. ووفقًا لبروتوكول تعاون تم توقيعه بين الهيئة الوطنية للانتخابات والمجلس القومي لذوي الإعاقة، كانت هناك قواعد ميسرة للمواطن متحدي الإعاقة سيشاهدها اعتبارًا من يوم الأحد عند اتخاذه القرار بالنزول إلى لجنة الانتخاب. تمثلت تلك التيسيرات في إعداد وتصميم وتوفير نموذج الاقتراع بطريقة "برايل" الخاصة بالكتابة للمكفوفين داخل اللجان بهدف تيسير الاقتراع السري لذوي الإعاقة البصرية، فضلًا على نشر ملصقات داخل اللجان تسهل للأشخاص من ذوى الإعاقة السمعية التعرف على آلية التصويت. وهناك تدابير تم اتخاذها لتأمين مساعدة الأشخاص ذوي الإعاقة الحركية إن احتاج الأمر ذلك. كما سعت هيئة الانتخابات سعيًا حثيثًا لجعل المقار الانتخابية في الأدوار الأرضية تيسيرًا على ذوي الإعاقة الحركية وكبار السن. والحقيقة أن دولة هذا سلوكها وذلك مسعاها مع مواطنيها لتستحق الاحترام والمساندة من هؤلاء المواطنين.
      لقد أثبتت التجارب الانتخابية السابقة أن الفلاحين لا يتأخرون عن تلبية النداء، وذلك لأسباب كثيرة منها القبلية، وأضيف عليها سببًا آخر هو وعي الفلاح المصري وذكاؤه الفطري الذي يجعله محل تقدير واحترام. والأمر كذلك بالنسبة للمرأة المصرية التي تزين اللجان بحضورها الدائم وتعبيرها عن الامتنان لمن ساند منحها حقوقها، أو من يعدها بمزيد من الامتيازات المستحقة لها بوصفها سند هذا الوطن وشريك النجاح مع الرجل. وفي ذات السياق ينبغي أن نشكر أرباب العمل في القطاع الخاص الذين ييسرون لعمالهم عملية المشاركة سواء بمنحهم ساعة تأخير عن العمل مثلًا لأداء هذا الواجب الوطني، أو بتدبير وسائل نقل جماعية تيسر للعاملين معهم فرصة الانتقال من مقار العمل إلى اللجان الانتخابية المقيدين بها.
    ثلاثة أيام مهمة ننتظرها لنرى فيها معاني الوطنية والانتماء ومحبة الوطن متجسدة صوتًا وصورة وواقعًا دون غناء أو هتاف، ولكن عمليًا من خلال ممارسة ديمقراطية شريفة يقول فيها كل منا كلمته بحرية وشفافية ليصنع لنفسه مستقبلًا يرسمه بيده التي يؤشر بها على رمز انتخابي لرمز وطني قرر أن ينتخبه ليكون رئيسًا للبلاد في المرحلة القادمة.