رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رسائل رمزية لتصويت المصريين بالخارج

من ذاق طعم الغربة بعيدًا عن مصر هائمًا فى بلاد الله يعرف جيدًا أهمية اسم مصر إذا تم ذكره فى نشرة أخبار عامة فى البلد البعيدة التى يعيش فيها، حالة من الفقد تصيب قلبه ونشوة خفيفة تداعب الروح المتعبة، من ذاق طعم الغربة يعرف أيضًا التباهى إذا ما لمح العلم المصرى يرفرف على مبنى سفارة بلاده، أو مرفوعًا مع أعلام أخرى فى مناسبة ما.
لذلك لم أستغرب الصور التى تأتى إلينا منذ صباح أمس للمصريين فى الخارج وهم يهرعون نحو السفارات المصرية والقنصليات من أجل المشاركة بالتصويت فى الانتخاب الرئاسية التى بدأت فى ظروف عالمية قاتمة.
وكأن سفر المصرى من مدينة نائية فى دولة ما نحو مقر سفارة بلاده جزء من علاج الروح وتنشيط الذاكرة أو سداد لدين معلق فى رقبته نحو مصر التى منحته موهبة رفع الرأس شامخة فى أى مكان يحط فيه رحاله.
تابعت على فضائيات مختلفة مشاهد التصويت من الرياض بالسعودية إلى برلين إلى جيبوتى، صورة المصرى الذى يمسك علم بلاده فى يد بينما تخط يده الأخرى علامة فى استمارة التصويت تجعلنى أقول ما قاله والد الشعراء فؤاد حداد: «إيمانى بالنصر.. قوة مصر بالإنسان».
الحالة التى عليها 10 ملايين مصرى بالخارج فى أيام التصويت الثلاثة هى حالة ترفع من أسهم الدولة المصرية بين الدول، لذلك تظل المطالب المشروعة بضرورة الرعاية الفائقة للمغتربين هى مطالب أساسية وضرورية حتى تتقدم قوة وسلطة جواز السفر المصرى فى كل أرجاء المعمورة، هذه القوة الناعمة من شأنها تحقيق الأهداف الكبرى من أجل رفعة مصر وتقدمها.
أكتب تلك التفاصيل وقد عشت سنوات عشر مغتربًا عن مصر وشاركت، كما شارك غيرى، بالتصويت فى انتخابات سابقة، حالة من البهجة عندما كنا نستقبل المصريين القادمين من مناطق بعيده، حتى أن بعضنا تطوع، ومن ميزانية بيته، بتكاليف إعاشة القادمين، وما زالت صورة ابنتى التى كانت بالمرحلة الابتدائية فى حينها وهى توزع زجاجات المياه الباردة على القادمين محفورة فى ذاكرتى، ليس هذا فقط ولكننى شهدت مصريات على قدر المسئولية يرتبن المبيت لعائلات كاملة جاءت من بعيد للمشاركة فى التصويت.
وما أشبه الليلة بالبارحة حيث شهدت العاصمة السعودية الرياض وفودًا متلاحقة من المصريين فى مواقف الحافلات، الابتسامة على الوجه والعلم المصرى عاليًا فى أياديهم وعلى عكس العرف السعودى سمحت لهم الشرطة هناك بالسير نحو مقر السفارة فى جماعات متلاحقة تشبه التظاهرة أو المسيرة السلمية، وهنا جاء الهتاف من حناجر عطشى لتراب الوطن «تحيا مصر».
هذه الصورة الرمزية تؤكد على أن المصرى مهما واجه من قسوة فى بلاده فإنها تبقى هى بلاده التى يفتديها وقت الضرورة بروحه وهى ثمن قليل فى مقابل خلود بلادنا وازدهارها بين سائر البلاد.
فى مساء الغد تغلق صناديق الاقتراع فمها، ويبدأ الفرز، كل صوت قادم من الخارج هو صوت الانتماء، كل تنوع فى اختيار المرشح هو تنوع الحيوية فى جسد السياسة المصرية، وتبقى أصوات المصريين فى الخارج ذات قيمة معنوية مهمة لأنها أصوات من سفراء شعبيين قالوا أمام العالم إن مصر تمتلك حلمًا، وها نحن نسعى لتحقيقه رغمًا عن أنف ظروف المنطقة التى تشبعت برائحة البارود والحرب.