رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المغتربون.. والمسئولية الوطنية

لأنني رجل تكونت القاعدة الأساسية لثقافته على الاستماع للإذاعة بحكم نشأتي في قرية لم يكن متاحا فيها شراء الكتب أو حتى الصحف بسهولة إما لمعوقات مالية أو لوجيستية. وبناءا عليه كانت ثقافتي سمعية معتمدة في المقام الأول على ذلك الجهاز الساحر العجيب الذي أغناني -و من هم على شاكلتي - ثقافيا وفكريا ووطنيا واليوم أتذكر ونحن بصدد جولة الانتخابات الرئاسية خارج البلاد  بعضا من تلك البرامج الإذاعية التي استهدفت المصريين المغتربين فخاطبتهم ونقلت صوتهم وعبّرت عن قضاياهم. 

أذكر مثلا برنامج "أبناؤنا في الخارج "و الذي كان يقدم في البرنامج العام وكانت تقدمه بحرفية شديدة الإذاعية الراحلة أميمة عبد العزيز، وعلى موجات إذاعة صوت العرب صالت وجالت الإذاعية الراحلة نهى العلمي في برنامج " العالم من خلالهم "، كما أذكر أيضا برنامج "ألف سلام " للراحلة عصمت فوزي. تلك كانت نوافذ إعلامية يطل منها أبناء الوطن من المغتربين على الوطن الأم، يتواصلون معه ويعيشون قضاياه ويتفاعلون مع كل حدث يقع داخل حدوده.

و في المرحلة الحالية يقدم التليفزيون المصري برنامج "وصال"، وهو برنامج متفّرد من حيث هدفه وضيوفه وجمهوره المستهدف. وقد أثار انتباهي ونال إعجابي حرص الهيئة الوطنية للإعلام بأن يكون هذا البرنامج يومي خلال أيام الانتخابات الرئاسية المخصصة للمصريين المغتربين. وقد اهتمت رئيسة تحريره الكاتبة أنس الوجود رضوان بالتنويه عن توقيت بث البرنامج من الساعة الرابعة وحتى الخامسة يوميا، كما دعت المصريين بالخارج إلى المشاركة بالصور والفيديوهات التي تظهر مشاركتهم في أداء الواجب الدستوري خلال الاستحقاق الرئاسي.                                                                                             
   قد يسأل سائل عن أسباب إقبال المصريين بالخارج على المشاركة في الاستحقاقات الوطنية، وردا عليه نذكر أن المصريين بالخارج يحرصون على متابعة أحداث الوطن عبر وسائل الإعلام فيتفاعلون مع كل حدث وطني، وليس أهم من انتخابات الرئاسة لكي نشهد منهم هذا التفاعل الكبير. كما أن تنوع خلفيات المرشحين الأربعة وتميز برامجهم جعل هناك دافعا لتوافد الناخبين على لجان الانتخاب بالسفارات والقنصليات المصرية التي فتحت أبوابها لأبناء الوطن للإدلاء بأصواتهم في تلك الانتخابات.                                                                
    وحسنا فعلت الهيئة الوطنية للانتخابات إذ أفسحت المجال أمام المصريين - دون الاستسلام لعائق الزمن الذي قد يحول دون مشاركة الكثيرين منهم - إذ اختارت أيام الجمعة والسبت والأحد لعملية التصويت. وهي فضلا عن كونها مساحة زمنية كافية تماما للانتهاء من عملية الانتخاب بأريحية ودون تكدس للمصريين في مقار السفارات وخاصة في دول بها كثافة عالية من المصريين كالسعودية والكويت والإمارات مثلا، إلّا أنها أيام العطلات الأسبوعية في الدول العربية أو الإسلامية حيث تتعطل المصالح بها أيام الجُمع، أو الدول الغربية التي تتخذ من مساء السبت ويوم الأحد عطلة الويك إند بالنسبة لها. فلا مانع إذن يحول دون   مشاركة المصريين في الاستحقاق الرئاسي، كما أنه لا معوق يعطلهم عن واجبات عملهم.                                                                                                     
  وكم أتمنى أن تصل درجة وعي ونسبة مشاركة المصريين بالداخل أيام 10، 11، 12 من ديسمبر الجاري إلى ما وصل إليه أبناء مصر في الخارج من حس وطني ووعي شديد بأهمية الصوت الانتخابي ومدى تأثيره. ولعل هذه المشاركة الواسعة للمصريين في الخارج هي رد فعل لما قرره الدستور المصري في مادته رقم 88 والتي نصت على التزام الدولة برعاية مصالح المصريين المقيمين بالخارج،  وحمايتهم وكفالة حقوقهم وحرياتهم، وتمكينهم من أداء واجباتهم العامة نحو الدولة والمجتمع وإسهامهم في تنمية الوطن. وإقرارها بتنظيم القانون مشاركتهم في الانتخابات والاستفتاءات، بما يتفق والأوضاع الخاصة بهم، وذلك كله مع توفير الضمانات التي تكفل نزاهة عملية الانتخاب أو الاستفتاء وحيادها.                                                                                                                
     و بالتالي كان رد فعل المصريين بالخارج - كما ذكرت التقارير الواردة من وكالات الأنباء - هو التوافد على لجان الانتخاب بكثافة أداء لواجبهم وإقرارا بحق الوطن عليهم، وزيادة لروابط أبناء الجيل الثاني والثالث بالوطن رغم سنوات الاغتراب وقسوتها. وقد دلّت المؤشرات الأولية لعملية التصويت على ارتفاع نسبة المشاركة، وفي هذا وجب توجيه الشكر للجنة العليا للانتخابات، وكذلك لوزارتي الخارجية والهجرة، غير أن الشكر الأكبر يجب أن يوجه للمصريين خارج حدود الوطن لشديد تفاعلهم مع ما يجري فيه ولتفهمهم للتحديات التي يواجهها الوطن والتي ألزمتهم وبدوافع وطنية إلى إرسال رسالة دعم له  تفهّمناها بمجرد مشاركتهم في هذا الاستحقاق.