رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

.. وبدأت أيام الاستحقاق

من أفضل المسميات التي تم إطلاقها على عملية الانتخاب ما تم تداوله عبر بعض المنصات الإخبارية حين ذكرت أنه "يوم الاستحقاق ". وجه تفضيلي لهذا الاسم هو اشتقاقه من كلمة "حق"، لأنه اسم يٌُذكّر المواطن بأن مشاركته في العملية الانتخابية هي حق أصيل له، كما يؤكد أنه واجب مستحق للوطن. حقك أخي المواطن داخل مصر وخارجها أن يكون لك صوت تقول به ماذا تريد، بل من تريد سواء من يمثلك في مقاعد البرلمان بمجلسيه، أو من يمثلك في المنصب الأهم دستورًيا وهو كرسي الرئاسة المصرية.
  بدأت خطوات عملية انتخاب رئيس الجمهورية منذ أسابيع، وإن كانت أحداث خارجية ملتهبة على حدودنا الشرقية قد شغلت المواطنين خلال تلك الأيام الثقال، إلاّ أننا وحين اقتربت ساعة الاستحقاق انتبهنا جميعًا لأهمية هذا الحدث. أدرك الجميع إذن- رغم ما يحيط بنا من أحداث دموية قاسية- أن مصر ترتب أوراقها الدستورية لأعوام ستة قادمة، وأن من حق الجميع أن يدلي برأيه في هذه العملية بكل أريحية ودون ضغط أو تأثير. 
وقد كان حرص القيادة على استكمال هذا الاستحقاق في موعده أمرًا يضاف لرصيد هذه القيادة الوطنية الرشيدة، فرغم تلك الأحداث الجسام على حدودنا الشرقية، ورغم انشغال القيادة السياسية بإدراة متزنة للأحداث من الجانب المصري والسعي لحقن دماء الإخوة في فلسطين، إلا أن استمرار العملية الانتخابية بكل مراحلها وبسلاسة تامة جاءت كمسألة تؤكد ترسيخ مصر للعملية الديمقراطية وإيمان قيادتها بالمبدأ الدستوري الذي يؤكد أن الكلمة للشعب في البداية والنهاية.
  في الحقيقة كان هناك حياد كبير خلال أيام تلك العملية من جانب كل أجهزة الدولة، خاصة وسائل الإعلام المملوكة للشعب، وكانت هناك متابعة دقيقة من كبار الإعلاميين أكاديميين وممارسين في المجلس الأعلى للإعلام بهيئتيه، وكذلك فعلت نقابة الإعلاميين. كما نذكر لقيادات الشركة المتحدة تخصيصها لمائة دقيقة للمرشحين الأربعة لعرض برامجهم الانتخابية بكل أريحية ليكون متاحًا للمنتخب أن يتخذ قراره الوطني بمنح صوته لمن يرى في برنامجه ما يحقق أحلامه ويلبي طموحاته. وبهذا تحقق ما أطلق عليه رئيس الأعلى للإعلام "العدالة الإعلامية" بين كل المرشحين.
وقبل ساعات بدأ بالفعل توافد المصريين على مقار الانتخاب المختارة بالسفارات والقنصليات المصرية في الخارج. وكم نتمنى أن تكون هذه المشاركة بأعداد كبيرة تتناسب مع حجم مصر وإرثها الديمقراطي الذي يضاهي أعمار دول. والرسالة المنتظرة من مشاركة المصريين في الخارج بكثافة تليق بحجم مصر وثقلها التاريخي مفادها أن شعب مصر بتحضره يتفاعل مع أحداث الوطن بإيجابية، بل ويشارك في صناعة مستقبله، سواء بتدفقات العملات الصعبة التي يضخها في ميزانية الدولة من حصيلة كده واجتهاده وسنوات غربته، وكذلك بالتمسك بحقه في اختيار من يمثله في أعلى منصب دستوري في البلاد.
ولدى المصري في هذه الحالة باقة من المرشحين من ذوي الرؤى والمشارب والتوجهات المختلفة سياسيًا وفكريًا واقتصاديًا، غير أنهم يتفقون جميعًا على مسألة واحدة، هي الصالح الوطني، والحرص على أن يأتي أي تغيير وفق آليات دستورية، وأن يكون قرار استمرار السياسات والتوجهات بذات الآلية وبكامل الحرية دون شرط إلا شرطًا واحدًا هو المواطنة، وأن يتمتع بهذا الحق الدستوري كل من تنطبق عليه الشروط من حيث السن الرشيدة أو حسن السير والسلوك.
ننتظر اليوم وغدًا وحتى الأحد توافدًا كبيرًا من المصريين في الخارج على صناديق الانتخاب رغم ما قد يتكبده كثير منهم من مشقة السفر داخل بلاد الغربة ليصل إلى المقار المحددة للانتخاب، ونثق أن مشاركة المصريين في الداخل بعد أيام قليلة ستكون كثيقة كثافة تليق بمستوى الحدث الوطني، وكذلك التحديات الإقليمية. فرصة دستورية لنقول كلمتنا ونؤدي واجبنا المستحق تجاه الوطن.