رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الجدوى الاقتصادية المتوقعة لمشروع محطة الضبعة النووية

جريدة الدستور

تسعى مصر إلى تأمين مصادر الطاقة لتلبية الاحتياجات المستقبلية المرتبطة بتوسيع رقعة النشاط الاقتصادي وبدأت في تنويع مصادر الطاقة، وتشمل مزيج من المصادر المتجددة مثل طاقة الشمس وطاقة الرياح، مع إضافة الطاقة النووية قريبًا إلى هذه القائمة، مما سيساعد أيضًا في الحد من انبعاث ثاني أكسيد الكربون وخفض معدل الاحتباس الحراري.

 وضمن جدول أعمال مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ COP28، الذي سيعقد في دبي هذا العام، سيتم تقييم الجهود المبذولة للحد من انبعاث الغازات الدفيئة ومعالجة تغير المناخ كما سيتم مناقشة مساهمة مصر في الأجندة المتعلقة بالمناخ.


وفي شهر أكتوبر 2016، اعتمد المجلس الأعلى للطاقة في مصر استراتيجية الطاقة في البلاد حتى عام 2035، واختار سيناريو هدفه تحقيق نسبة مساهمة مصادر الطاقة المتجددة تصل إلى 42% في عام 2035، وستكون حصة محطات الطاقة الكهروحرارية 55%، وسيتم تخصيص الطاقة النووية بنسبة 3%.


تجري أعمال البناء في محطة الضبعة النووية في مصر بوتيرة متسارعة، حيث تم صب الخرسانة "الأولى" في قاعدة أساس المجموعة الثالثة في شهر مايو 2023. ففي 19 نوفمبر 2023، تم تركيب أحد العناصر الرئيسية لنظام السلامة السلبي - تم تركيب جهاز تحديد الانصهار للمجموعة الثانية، وقبل ذلك تم تركيب جهاز تحديد الانصهار في أساس المجموعة الأولى. ومن المتوقع في نهاية عام 2023 أن يتم صب الخرسانة "الأولى" في أساس المجموعة الرابعة.

تم توقيع الاتفاقية الحكومية الدولية بين روسيا ومصر تم التوقيع عليها في عام 2015. وبموجب هذه الاتفاقية تتعهد روسيا ببناء أربعة مفاعلات من نوع VVER من الجيل "3+" باستطاعة 1200 ميجاوات، أي باستطاعة اجمالية تبلغ 4800 ميجاوات، علمًا أن هذا النوع من المفاعلات يلبي جميع معايير السلامة الحديثة الجديدة المعتمدة في الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

يشار إلى أنه عملية تقييم الجدوى الاقتصادية لتوليد الطاقة النووية تتم من خلال حساب متوسط تكلفة وحدة إنتاج الطاقة الكهربائية (كيلووات ساعة) (والتي تشمل التكاليف الرأسمالية، وتكاليف الوقود، وتكاليف التشغيل والصيانة) على مدى فترة التشغيل بأكملها، وتتميز محطات الطاقة النووية بقدرتها التنافسية الاقتصادية العالية مقارنة على سبيل المثال بمحطات توليد الطاقة بالغاز الطبيعي الموجودة في مصر (التي بنتها شركة سيمنز)، وذلك بفضل عمرها التشغيلي الطويل الذي يزيد مرتين عن عمر محطات الغاز الطبيعي الموجودة. 

الجدير بالذكر أيضًا انخفاض تكاليف محطات الطاقة النووية من حيث الوقود والتشغيل والصيانة، مما يوفر ميزة مهمة من حيث استقرار وجدوى إنتاج الطاقة الكهربائية على المدى الطويل. 

تحقق محطة الضبعة النووية بالفعل فوائد هائلة لمصر من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، فضلًا عن قدرتها على رفع مستوى الاستقرار البيئي ودعم الصناعة المحلية والقوى العاملة، وبالفعل تم  الاتفاق مع الجانب الروسي على أن تتراوح نسبة مشاركة الشركات المحلية من 20% خلال تشييد مجموعة الطاقة الأولى إلى 35% خلال تشييد مجموعة الطاقة الرابعة من إجمالي حجم العمل، حيث تضم قائمة الشركات المصرية المشاركة في المشروع بالفعل 85 شركة محلية، وهذا العدد في تزايد مستمر. 

وحسب تقديرات هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة في مصر فإن محطة الضبعة النووية سوف تسهم في تدفق نحو 9 مليارات دولار في الناتج المحلي الإجمالي لجمهورية مصر العربية. 

تتميز محطات الطاقة النووية بقدرتها على توفير إنتاج طاقة مستدامة ونظيفة، وإنها تعمل 24 ساعة في اليوم، 7 أيام في الأسبوع، وهي مصممة لتدوم لفترة طويلة (60 عامًا على الأقل، قابلة للتمديد)، مما يجعلها واحدة من أكثر مصادر الطاقة موثوقية، بالإضافة إلى ذلك فهي تتمتع بقدرة إنتاجية كبيرة تتفوق على الطرق الأخرى لتوليد الكهرباء. 

على سبيل المثال، ينتج عن الاحتراق الكامل لـ 1 كجم من اليورانيوم المستخدم في الوقود النووي طاقة تعادل الطاقة، التي يمكن الحصول عليها عن طريق حرق 100 طن من الفحم عالي الجودة. 

وهذا يعني أن محطات الطاقة النووية تساعد على الحد من انبعاث ثاني أكسيد الكربون، وهو أمر ذو أهمية كبيرة للبيئة. ففي أوروبا، على سبيل المثال، تساعد محطات الطاقة النووية في منع 700 مليون طن من انبعاث ثاني أكسيد الكربون سنويًا، وبالتالي فإن تشغيل محطة الضبعة النووية سوف يسهم في زيادة نسبة توليد الكهرباء منخفضة الكربون في البلاد تصل إلى 24% وسوف يحد بشكل كبير من انبعاث ثاني أكسيد الكربون، ما يصل إلى 11 مليون طن سنويًا. 

يكتسب مشروع محطة الطاقة النووية أهمية استراتيجية بالنسبة لمصر ويؤكد مكانتها كدولة رائدة في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا. كما يسهم هذا المشروع في تنمية منطقة الضبعة والساحل الشمالي الغربي لمصر وسيعمل على تزويد حوالي 20% من سكان البلاد بالكهرباء النظيفة بفضل محطة الضبعة النووية. بالإضافة إلى ذلك، هناك عامل إقليمي مهم وهو أن المشروع سيقوم بتوليد حجم فائض من الطاقة الكهربائية يمكن تصديره إلى الدول المجاورة، مما يعزز مكانة مصر كمورد مهم للطاقة الكهربائية في المنطقة.

 من ناحية أخرى سوف يسهم المشروع في الحد من الاستهلاك المحلي للمواردالهيدروكربونية، واستخدامها في صناعات أكثر تقدمًا من الناحية التكنولوجية وأكثر ربحية، مما يعزز من التنويع الاقتصادي وتقليص الاعتماد على الهيدروكربونات.