رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فلسطين لم تكن وجهة "اليهود" الأولى للاستيطان.. ما هى السابقة؟

تاريخ نشأة اليهود
تاريخ نشأة اليهود

تيه اليهود في البلاد كان ولا يزال وسيبقى مستمرًا إلى يوم الدين كما أكدت جميع الأديان السماوية، ذلك التيه الذي دفعهم إلى الاستيلاء على أرض فلسطين من أهلها بل وممارستهم الإبادة لهؤلاء الأهل على أرضهم.

المفاجئة أن التاريخ يؤكد أن دولة "فلسطين" حسب المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية لم تكن هي الوجهة الأولى التي ذهب إليها اليهود ليحاولوا التغلب على هذا التيه، ويجدوا أي وطن يستقبل شرورهم وعيشهم في حروب.

في هذا التقرير، نسرد قصة المؤتمرات الصهيونية التي انتهت بتحديد وجهة فلسطين كهدف لليهود للاستيطان فيها، ونتعرف من خلالها على تلك الوجهة التي سبقتها.

مشروع "بازل"

عقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل السويسرية 29: 31 أغسطس 1897 وفيه جرى تأسيس "المنظمة الصهيونية العالمية"، وتم اختيار الصحفي اليهودي "ثيودور هرتسل" رئيسًا لها، وطرح فى هذه النسخة الأولى من المؤتمرات الصهيونية، مشروع "هرتسل" الذي أصبح يحمل اسم "مشروع بازل".

نجح "هرتسل" في تجميع التيارات الصهيونية المتفرقة فى إطار تنظيمي واحد وسعى من خلال تأسيس آلية المؤتمرات الصهيونية التي ستتوالى سنويًا بعد ذلك إلى تحويل القضية اليهودية إلى قضية عالمية مع التأكيد على أهمية السير قدمًا نحو تنظيم عملية بناء الوطن القومى اليهودى مستقبلًا.

كذلك جرى انتخاب لجنة تنفيذية مكونة من 15 عضوًا، من أجل تحقيق هدف المؤتمر الأساسي وهو وضع "حجر الأساس" للبيت الذي سيسكنه الشعب اليهودى فى المستقبل، واعتبر "هرتسل" كما أعلن في المؤتمر أن الصهيونية هي عودة لليهودية قبل العودة إلى بلاد اليهود.

انعقاد مؤتمرات سنوية

بداية من المؤتمر الثانى الذى عقد فى 1898 حافظ المؤتمر الصهيوني على دورية انعقاده سنويًا، وفي نسختيه الثانية والثالثة كان جل اهتمامه منصبا على كيفية إدخال الفكرة الصهيونية في أوساط اليهود في مختلف بلدان العالم.

إنشاء الجهاز المالى للمنظمة الصهيونية العالمية "صندوق الاستيطان" 

كما جرى الإعلان عن إنشاء "صندوق الاستيطان" الذي مثل الجهاز المالى للمنظمة الصهيونية العالمية، وبدأت حملات التبرع تجوب أوساط الأثرياء اليهود في الغرب خصيصًا لحثهم على دعم الصندوق، بل وتخصيص نسبة مئوية من أرباح شركاتهم ومؤسساتهم الكبرى سنويا لضمان استدامة التمويل.

المؤتمر الصهيوني الرابع وحل مشكلة بطالة اليهود في فلسطين

بعد أن تضخمت مصروفات المنظمة وتوسعت مجالات اتفاقها التي ستظهر لاحقا، بدأ المؤتمر الصهيوني الرابع يدق أبواب العواصم الكبرى حينئذ، فعقد بلندن في الفترة بين 16:13 أغسطس عام 1900 وخصص لمناقشة الإشكالية التي طفت على السطح، وهي الضائقة التي كان يعاني منها العمال اليهود في فلسطين، المتمثلة في انتشار البطالة في فلسطين، مما دفع الكثيرين من اليهود إلى ترك مستوطناتهم والانتقال إلى مواقع أخرى في فلسطين، أو مغادرتها كليا إلى الخارج.

لهذا طرحت في هذا المؤتمر للمرة الأولى مسألة تأسيس الصندوق القومي اليهودي على يد الصهيوني الروسي "نسفی هرمانشابيرا"، من أجل تمويل شراء الأراضي في فلسطين.

المؤتمر الخامس: "تأسيس الصندوق القومى اليهودى"

أما المؤتمر الخامس عقد في سويسرا 1901 وكان أهم ما خرج عنه هو المصادقة بالإجماع على تأسيس الصندوق القومى اليهودى وبداية من هذا التاريخ صار تنظيم المؤتمر يجرى كل عامين.

المؤتمر السادس: "إقامة دولة يهودية" في أوغندا

وفي المؤتمر السادس في بازل أغسطس 1903 طرح لأول مرة مشروع إقامة دولة يهودية في "أوغندا" من جانب الحكومة البريطانية، وتحمس هرتسل لهذا الخيار كحل مؤقت وتمكن من إقناع 295 مندوبا للموافقة بينما عارضه 178 مندوبا، وقد دارت فيه نقاشات ساخنة حول ضرب صلب المشروع الصهيوني في حال تبنى تنفيذه في مكان آخر غير فلسطين.

ومنعًا لحدوث انشقاقات تهدد ما جرى إنجازه منذ 1897، احتال هرتسل على هذا التنازع بالوعد بتشكيل لجنة تقصى للحقائق، تسافر إلى أوغندا وتقوم بدراسة المنطقة،.وتعود بتوصياتها لعرضها على المؤتمر الصهيوني التالي.

وفاة "ثيودور" قبل انعقاد المؤتمر السابع واستمرار الانعقاد

توفى "ثيودور هرتسل" قبل انعقاد المؤتمر السابع 1905، لكن المنظمة كانت حريصة على دوريته وعاد ليجرى في بازل مرة أخرى، وتم اختيار ديفيد ولفسون الصهيونى الرومي ورفيق هرتسل المقرب رئيسا للمنظمة الصهيونية العالمية.

إلغاء فكرة "أوغندا" والعودة لفكرة "فلسطين" كوطن

وقد أعلن في هذا المؤتمر، إلغاء فكرة «أوغندا» والعودة لإقرار "مشروع بازل" الذي تضمن فلسطين كوطن "قومي وحيد".

المؤتمر الثامن ودمج الصهيونية السياسية بالاستيطان في فلسطين

وأصر بقوة "حاييم وايزمان" أشهر شخصية صهيونية في التراث الإسرائيلي بعد هرتسل، في المؤتمر الثامن الذي عقد في لاهاى بهولندا 1907، على دمج "الصهيونية السياسية" بالاستيطان في فلسطين، وبحث خلاله بتعمق المشكلات التي يعاني منها العمال اليهود هناك، مما أخرج للنور فكرة إنشاء "مكتب أرض إسرائيل" للمرة الأولى، وقد افتتح بالفعل في "مدينة يافا" وترأسه "أرثر روبين".

"مكتب أرض إسرائيل" واقتصاد قائم على الاستيطان

وقد نجح الأخير "روبين" في إحداث تحول هائل على العمل الصهيوني، بحيث أصبح موجها نحو تشكيل اقتصاد وطني قائم على الاستيطان الاشتراكي، وصب اهتمامه على إقامة مزارع تجريبية في بعض المواقع بفلسطين، مثل بن شيمن، وجولدا، وكنيرت.

وتمكن مكتب أرض إسرائيل سريعا من استقطاب أصحاب رءوس الأموال اليهود في سبيل إنشاء حقول زراعية للحمضيات والفواكه الأخرى، كما وفر مساهمات لإقامة مستوطنات زراعية في بوريا ومجدال شمالى بحيرة طبريا وفي الرملة واللد.

دوره في إقامة حي " أحوزات بايت" نواه "تل أبيب" 

ويعود للمكتب الدور الأكبر في إقامة حي «أحوزات بايت»، الذي مثل النواة المركزية للمدينة العبرية الأولى "تل أبيب"، ليبدأ بعدها في الانخراط على نحو واسع في حمل أعباء مسئولية إدارة حركة النشاط الاستيطاني في عموم فلسطين.

ظهور “الكيبوتس”

وبعد أن استقرت أعمال مكتب «أرض إسرائيل، اشتهرت في تلك الحقبة المبكرة، ما عرف لاحقا به "الكيبوتس" الذي جسد فكرة إقامة التعاونيات الزراعية.

 كانت الأسس التي أقيمت عليها بناء مجتمعات زراعية تعتمد على الملكية الجماعية لأدوات الإنتاج، وتنعدم فيها جميع أشكال الملكية الفردية حيث يجرى فيها تقاسم عائدات الإنتاج بالتساوى بين أفراد المجتمع الزراعى الصغير.

وذلك على أن يقوم المكتب بتنظيم المهاجرين اليهود الجدد فى التجمعات الناشئة، ويتكفل بتدريهم على العمل في الحقول والمزارع التابعة لها، كما يتولى توفير المأوى والطعام وتهيئتهم للاندماج في المجتمع الإسرائيلي المزمع إنشاؤه. 

هجرة 30:20 ألف يهودي بين عامي 1882 و1903


وقد سجلت إحصاءات الهجرة اليهودية المبكرة بين 1882 و1903 ما بلغ مجموعه من 20 إلى 30 ألف يهودي، مثلوا الموجة الأولى للهجرة التي كانت غالبيتها من روسيا القيصرية، بسبب أعمال العنف والاعتداءات التي تعرضوا لها هناك.

ثم لحقتها بعد فترة قصيرة الموجة الثانية، ما بين 1904 و1914 والتي بلغ مجموعها نحو 40 ألف روسي، بعد اطمئنانهم أن سبل الرعاية والتأهيل يقوم عليها مكتب أرض إسرائيل على أكمل وجه.