رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القفز فوق الألغام (6)

محمد الباز يكتب: تحدٍ متجدد.. الدبلوماسية الرئاسية الخشنة تواجه المخططات الغربية

جريدة الدستور

الرئيس أبلغ مدير المخابرات الأمريكية أن مصر لن تقبل بإدارة قطاع غزة أمنيًا بعد الحرب

السيسى شدد على ضرورة وقف إطلاق النار دون قيد أو شرط مع رفع الحصار وإدخال أكبر قدر من المساعدات الإنسانية

رفض مصرى واضح وصريح من المضى فى مخطط تهجير الفلسطينيين إلى سيناء أو الأردن أو أى مكان آخر

لأول مرة.. ماذا دار فى اتصالات السيسى مع بايدن وماكرون وجورجيا ميلونى؟

لا تقلق القاهرة من الكلام الذى تحرص المنصات الإعلامية العربية والعالمية على ترديده عن قدرة العواصم المختلفة على تقديم الحلول لأزمة غزة المشتعلة بعيدًا عنها. 

تنظر فى الغالب إلى ما يصلها، سواء كان ذلك بشكل معلن أو عبر التقارير السرية، على أنه محاولات الأطراف المختلفة لصنع دور وتسويقه، ولذلك فإن ما يُقال لا يشكل مصدرًا للإزعاج، لمعرفة من يديرون ملف الأزمة فى مصر أن القاهرة تظل هى بؤرة الأحداث والمحرك الأساسى لها. 

كان المسئول السيادى الكبير يراجع أوراق المهام التى يباشرها، قبل أن يعقد اجتماعًا مع مجموعة من مساعديه، وعندما سأله أحدهم عما يتردد عن تقلص دور القاهرة فى هذا الملف، قال لهم بثقة مطلقة: دعهم يقولوا ما يريدون.. فجميعهم فى النهاية يأتون إلى هنا، لأنهم يعرفون جيدًا أن الحل هنا.. وهنا فقط. 

راجعت هذه الواقعة وأنا أتابع الإعلانات المتتالية عن زيارات أطراف الأزمة إلى القاهرة.. وإلى حرص الوسطاء على التواجد مع صانع القرار المصرى اتصالًا أو لقاءً. 

فخلال أيام قليلة زار مدير المخابرات الأمريكية وليام بيرنز القاهرة، وأعقبه بالزيارة أمير قطر تميم بن حمد، وبينهما وصل وفد من حركة حماس لمقابلة مدير المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل. 

زيارة مدير المخابرات الأمريكية إلى القاهرة جرت يوم الثلاثاء ٧ نوفمبر ٢٠٢٣. 

وطبقًا للبيان الصادر عن رئاسة الجمهورية، فقد شهد اللقاء تأكيد قوة الشراكة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية ودورها المحورى فى الحفاظ على الأمن والاستقرار بالشرق الأوسط، وكذلك التأكيد على تدعيم وتعزيز التعاون الراسخ بين البلدين فى مختلف المجالات، خاصة على الصعيدين الأمنى والاستخباراتى. 

كما شهد اللقاء أيضًا، طبقًا للبيان، التباحث حول عدد من القضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وخاصة التصعيد العسكرى الإسرائيلى على قطاع غزة. 

كان هناك ما تبادله الرئيس ومدير المخابرات الأمريكية. 

فقد أكد الرئيس لبيرنز محددات الموقف المصرى فى أزمة غزة، خاصة ضرورة الوقف الفورى لإطلاق النار لحماية المدنيين، وتسهيل مرور المساعدات الإنسانية وعدم إعاقة تدفقها، ورد بيرنز بالتأكيد على مواصلة التنسيق المكثف مع الجانب المصرى بهدف حل الأزمة. 

على عادة البيانات الرسمية، فإنها تلمح ولا تصرح، توحى ولا تعلن، تشير إلى الخطوط العريضة وتحجب التفاصيل. 

ولذلك كان البحث عما جرى فى هذا اللقاء مهمًا، فطبقًا لتقارير إعلامية عربية وعالمية فإن بيرنز كان يحمل فى ملفاته خطة محددة تقوم مصر من خلالها بإدارة قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، وهى الخطة التى رفضها الرئيس السيسى بل وأبلغ بيرنز بأن مصر لن تلعب أى دور فى الحرب ضد حماس، ولن يكون لها دور فى إدارة القطاع بعد أن تنتهى الحرب. 

الحديث بين الرئيس السيسى ووليام بيرنز لم يكن هادئًا، على عادة الأحاديث التى جمعتهما قبل ذلك فى مناسبات مختلفة، فالقاهرة تعرف جيدًا موقف مدير المخابرات الأمريكية منها، وتعرف الأفكار التى تسكن رأسه من نظامها منذ ٢٠١٤ عندما تولى الرئيس السيسى السلطة، وربما كان هذا سببًا فى أن يضع الرئيس أمامه محددات الموقف المصرى من الأزمة، حتى لا يكون هناك أى لبس أو حتى محاولة للالتفاف حول ما تريده مصر أو ما قررته تجاه الأحداث، سواء وهى لا تزال مشتعلة أو بعد انتهائها على أى صورة كانت. 

قسّم الرئيس السيسى حديثه مع بيرنز إلى ثلاثة أقسام. 

القسم الأول أوضح من خلاله ما تؤيده مصر، فهى مستعدة تمامًا للتعاون والمساعدة فى مسألة إنهاء وضع الأسرى على الجانبين الإسرائيلى والفلسطينى، وأنها تملك من العلاقات وأوراق الضغط التى تمكنها من فعل ذلك، ثم إنها تتعامل مع الأمر على أنه موقف مبدئى لا يمكن أن تتخلى عنه، فلا أحد يرضى بوضع الأسرى سواء كانوا تحت يد حركة حماس أو كانوا لدى جيش الاحتلال. 

أبلغ الرئيس السيسى، بيرنز كذلك أنه مع وقف إطلاق النار فورًا بلا قيد أو شرط، حتى تكون فرصة لإدارة الأزمة بعيدًا عن التوتر، كما أنه يؤيد تمامًا إنهاء الحصار على الشعب الفلسطينى فى غزة، وإدخال أكبر قدر من المساعدات الإغاثية بعد أن وصلت الأوضاع الإنسانية فى غزة إلى حد المأساة الإنسانية الكاملة. 

القسم الثانى كان لما ترفضه مصر بوضوح، فهى ترفض أن تقوم بدور المراقب الأمنى فى غزة، هذا على فرض أن جيش الاحتلال يمكنه أن ينهى على حركة حماس طبقًا لخطته المعلنة، كما ترفض مصر مشاركة أى قوات مصرية ضمن قوات متعددة الجنسيات تتولى هذه المهمة. 

رفض الرئيس السيسى كذلك أن يتم احتلال قطاع غزة من قِبل إسرائيل، أو أن يتم اقتطاع جزء من أراضى غزة لإقامة منطقة أمنية إسرائيلية، أو أن يكون هناك أى وجود أمنى إسرائيلى فى القطاع بعد انتهاء الحرب، لأن ذلك ستكون له تبعاته الخطيرة التى لن يستطيع أحد تحملها. 

القسم الثالث كان تحذيرًا من المضى فى تنفيذ مخطط تهجير الفلسطينيين إلى سيناء أو الأردن أو أى مكان آخر، لأن هذا المخطط من شأنه أن يقوم بتصفية القضية الفلسطينية إلى الأبد، وهو ما لن يسمح به أحد، كما أن مصر، مدعومة بشعبها، ستقف حائلًا دون تنفيذ هذا المخطط، فلا يوجد مصرى واحد يمكن أن يقبل بأن يتم اقتطاع جزء من أرضه، حتى لو كان هذا الاقتطاع لاستضافة الفلسطينيين، فليس معقولًا أن يتم حل أزمة إسرائيلية على حساب أرض مصرية. 

تفاصيل ما جرى بين الرئيس السيسى ووليام بيرنز وجدت صداها فى تقرير نشرته جريدة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، فطبقًا لمسئولين مصريين كبار تحدثوا إلى الصحيفة الأمريكية قالوا إن الرئيس السيسى أبلغ بيرنز أن مصر لن تساعد إسرائيل ضد حماس، لأنها تحتاج إلى الجماعة لضمان أمن الحدود بين مصر وقطاع غزة. 

إخفاء الجريدة الأمريكية أسماء المسئولين المصريين الكبار الذين تحدثوا إليها وأخبروها بما قاله الرئيس يلقى بظلال من الشك فى صدقية ما قالوه، فطبقًا لمصادرى فإن الحديث بين الرئيس ومدير المخابرات الأمريكية لم يتطرق إلى موقف مصر من حماس، وذلك لأن مصر تعتبر أن الأزمة الحالية تتجاوز حماس ومستقبلها السياسى، فالهَم المصرى منصرف بالأساس إلى القضية الفلسطينية ومستقبلها بشكل كامل. 

الصحيفة الأمريكية أشارت إلى ما قاله وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن فى إطار تقريرها، فهو يرى أنه لن تكون هناك إعادة إحتلال من قِبل إسرائيل بعد الحرب لقطاع غزة، ولن يكون هناك تهجير قسرى للفلسطينيين من غزة لا الآن ولا بعد الحرب، ولن يتم استخدام غزة كمنصة للإرهاب أو الهجمات العنيفة الأخرى، وأن غزة ما بعد الحرب يجب أن تشمل حكمًا بقيادة فلسطينية وغزة موحدة مع الضفة الغربية تحت قيادة السلطة الفلسطينية. 

يتفق ما قاله وزير الخارجية الأمريكى إلى حد كبير مع رؤية مصر، وأعتقد أن ذلك كان نتيجة مباشرة للمباحثات المصرية التى جرت مع الجانب الأمريكى منذ بداية الأزمة. 

لكن هل هذا هو الموقف النهائى، أم أننا سنجد أنفسنا أمام مناورات أمريكية مثل تلك التى جاء بها وليام بيرنز، والتى قطع طريقها الرئيس السيسى برفضه لما حمله مدير المخابرات الأمريكية؟ 

بعد يومين من لقاء الرئيس السيسى، وليام بيرنز وتحديدًا يوم الخميس ٩ نوفمبر ٢٠٢٣ استقبل مدير المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل وفدًا من قيادات حركة حماس. 

تكون وفد حركة حماس من إسماعيل هنية وخالد مشعل وخليل الحية، وكان الخبر المعلن عن اللقاء أن هذا الوفد جاء لبحث الأوضاع الراهنة فى قطاع غزة. 

من بين ما تعرفه كل أطراف الأزمة أن الحل والعقد هنا فى القاهرة، ومهما كانت هناك تصريحات من عواصم أخرى، فإن الكلمة الأخيرة لا بد أن تخرج من القاهرة، وذلك لما تملكه العاصمة المصرية من أوراق واتصالات وخبرة عميقة بأبعاد ومراحل الصراع، ثم إن الدور المصرى هو المؤثر لطبيعة موقعية مصر، فهى وحدها التى تقف إلى جوار خط النار، والأثر عليها فى النهاية هو الأكبر. 

من أحاديث متفرقة مع مصادر قريبة ومطلعة على ما حدث، فإن وفد حماس كان حريصًا على تقديم الشكر لمصر على موقفها ودورها الرافض لسياسة العقاب الجماعى للشعب الفلسطينى، وإدخال المساعدات إلى الفلسطينيين، وطلب إنهاء الحصار المفروض على الشعب الفلسطينى، كما أعلن الوفد عن تضامنه الكامل مع مصر فى رفض مخطط التهجير ونقل الفلسطينيين إلى سيناء. 

النقاش الأكبر خلال لقاء وفد حركة حماس ومدير المخابرات العامة المصرية كان حول الوساطة المصرية- القطرية لإنهاء أزمة الرهائن، وقد قال وفد الحركة ما لديه، من أنه لإنهاء أزمة الرهائن فلا بد من وقف إطلاق النار وفتح الباب أمام المزيد من المساعدات والإفراج عن الأطفال والنساء من الأسرى الفلسطينيين. 

على الأرض وبينما كان يعقد الاجتماع بين وفد الحركة ومدير المخابرات العامة المصرية كانت القاهرة تواصل جهودها مع جميع الأطراف لتنفيذ المبادرة المصرية- القطرية للاتفاق على دفعة المفرج عنهم كدفعة أولى بمواصفات محددة، ومن أجل هذا كان طبيعيًا أن يزور أمير قطر تميم بن حمد القاهرة لبحث ما تم التوصل إليه. 

صباح أمس الجمعة ١٠ نوفمبر ٢٠٢٣ استقبل الرئيس السيسى الشيخ تميم، وطبقًا للبيان الرسمى الذى أعلنته رئاسة الجمهورية فإن الرئيس والأمير ناقشا التصعيد العسكرى الإسرائيلى فى قطاع غزة، وما يترتب على ذلك من تحديات إقليمية تدفع بالمنطقة فى اتجاهات خطيرة وغير محسوبة، وفى ذلك السياق بحثا أفضل السبل لحماية المدنيين الأبرياء فى غزة، ووقف نزيف الدم، حيث تم استعراض الجهود المكثفة لتحقيق وقف إطلاق النار واستدامة نفاذ المساعدات الإنسانية بالكميات التى تلبى احتياجات الشعب الفلسطينى فى غزة، كما تم تأكيد رفض أى محاولات لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الشعب الفلسطينى أو دول المنطقة، ورفض محاولات التهجير القسرى. 

كان ختام البيان دالًا للغاية فى سياق المباحثات السرية لإتمام صفقة تبادل الرهائن، حيث قال إن الجانبين أكدا استمرار التشاور من أجل وقف التصعيد الراهن للحد من معاناة المدنيين وحقنًا لدماء الشعب الفلسطينى، وصولًا إلى إقامة دولته المستقلة وفقًا لمرجعيات الشرعية الدولية وتحقيق السلام العادل فى المنطقة. 

ورغم أن البيانات الرسمية لا تَشِى بكثير مما يحدث فى لقاءات القمة بين الرؤساء والزعماء، فإن هذا البيان حمل إشارات مهمة إلى الموضوع الرئيسى للقاء. 

فقد جاء أمير قطر، طبقًا لمطلعين على ما يجرى، من أجل وضع الخطوط النهائية مع الرئيس السيسى لهدنة وتبادل الأسرى بين الجانبين الإسرائيلى والفلسطينى. 

هذا الحراك الذى جاء بثلاثة أطراف إلى القاهرة خلال أيام قليلة «المخابرات الأمريكية وقيادات حركة حماس وأمير قطر» هو ما يجعلنى أضع يدى على سر القوة التى تملكها القاهرة. 

فرغم الجهود التى تقوم بها وزارة الخارجية، ورغم متابعة الأحداث بالبيانات العاجلة- أحيانًا ما تتأخر بالطبع- ورغم لقاءات واتصالات وزيارات ومشاركات وزير الخارجية السفير سامح شكرى فى مؤتمرات دولية، فإن الدبلوماسية الرئاسية كانت صاحبة السبق والأثر الأقوى فى حسم ملفات كثيرة كانت قلقة ومقلقة على خريطة الأزمة منذ اليوم الأول. 

بدأت الدبلوماسية الرئاسية تتصدر الأداء المصرى بشكل أكبر منذ ٢٠١٤ عندما تولى الرئيس السيسى منصبه، وذلك لتشابك الملفات الداخلية والخارجية، للدرجة التى لم تعد هناك فواصل واضحة بينها، كان الرئيس يقوم بأدوار واضحة من شأنها إعادة بناء ورسم الملامح العامة للسياسة الخارجية، وكان لها أثره البالغ فى إحداث تغييرات ونقلات مهمة فى مسارها. 

تميزت الدبلوماسية الرئاسية المصرية بالمرونة الشديدة فى التعامل مع أزمات سابقة، لكنها فى أزمة غزة ومنذ بدأت تحولت الدبلوماسية الرئاسية إلى ما يمكن توصيفه بـ«الدبلوماسية الرئاسية الخشنة». 

تبدى لى ذلك مما دار فى ثلاثة اتصالات تليفونية جمعت الرئيس السيسى بثلاثة من قيادات العالم، وهو ما لم تفصح عنه البيانات الرئاسية التى قدمت للرأى العام ما دار فى هذه الاتصالات. 

الاتصال الأول كان مع الرئيس الأمريكى، الذى كان متمسكًا برؤيته للصراع، وهى الرؤية التى تناصر إسرائيل بشكل كامل، بنبرة حاسمة وصارمة قال الرئيس السيسى لبايدن: مصر مستعدة أن تحافظ على أمن إسرائيل بشكل كامل لو ساعدت فى إقامة الدولتين، باعتبار ذلك هو الحل الوحيد للصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين. 

ولما كان الرئيس الأمريكى غير متجاوب مع ما يقترحه الرئيس السيسى، فقد تحول الرئيس ليضع منهجًا للتعامل بين مصر وأمريكا، قال لبايدن: لماذا لا تريدون أن تسمعوا منا وتفهموا ما نقول، أنتم تريدوننا أن نكون أكثر مرونة، والأولى أن تنصحوا أنفسكم بذلك، لا بد أن تكونوا أنتم أيضًا أكثر مرونة لنصل إلى حل. 

الاتصال الثانى كان مع الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، الذى بدا متشددًا فى موقفه من الفلسطينيين، بل لم يكن لديه أى مانع فى تهجير الفلسطينيين وإخراجهم من أرضهم، لكنه تراجع قليلًا عندما وضع الرئيس السيسى أمامه ما يمكن أن يكون مزعجًا للغرب. 

قال السيسى لماكرون: أنت لا تدرك جيدًا مخاطر أن يخرج أكثر من ٢ مليون فلسطينى من أرضهم، هل تعتقدون أنهم يمكن أن يمكثوا فى أرضنا أو أى أرض عربية أخرى، هؤلاء سيشكلون موجات جديدة للهجرة غير الشرعية، ولن يجدوا أمامهم إلا أوروبا ليقصدوها، فهل أنتم مستعدون لاستقبالهم فى أرضكم بكل ما لديهم من ميراث كراهية لكم؟ 

كان هذا التصور صادمًا للرئيس الفرنسى، لكن الرئيس السيسى أجهز عليه تقريبًا، عندما قال له: إننا ننفق مليارات بالفعل لوقف الهجرة غير الشرعية، وخلال السنوات الماضية لم يخرج من مصر مركب واحد يحمل مهاجرين غير شرعيين، مع العلم أننا لم نتربح من ذلك مثلما فعلت دول أخرى، الآن يمكننا أن نوفر هذه المليارات لأننا فى حاجة إليها. 

يمكننا أن نتابع تصريحات الرئيس الفرنسى فيما يتعلق بغزة بعد هذه المواجهة، وأعتقد أننا لن نكون فى حاجة إلى التأكيد على قدرة مصر على صياغة موقف مختلف أو على الأقل متوازن للرئيس الفرنسى من الأحداث. 

الاتصال الثالث كان مع رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلونى، وفيه كان الرئيس السيسى أكثر مباشرة فى استخدام ورقة الهجرة غير الشرعية، فقد قال لها- كمناورة رئاسية فى الغالب- إنه أصدر أوامره للمسئولين فى مصر بالتخفيف على المصريين فيما يتعلق بمسألة الخروج، وإنه قال لهم: اللى عايز يعدى يعدى. 

قد يعتقد كثيرون أن مصر لا تملك أوراقًا يمكنها من خلالها الضغط للوصول إلى ما تريد، وقد يكون هذا الاعتقاد لأننا فى الغالب لا نعرف كثيرًا مما يدور خلف الأبواب المغلقة، لكن ما أثق فيه وأعرفه جيدًا، أن مصر تمتلك ما يمكنها من صياغة الأمور وتوجيهها إلى الوجهة التى تريدها، وهو ما تبين للجميع فى أزمة غزة منذ يومها الأول.