رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر وغزة.. وحديث المآسى

ترجع أهمية غزة التاريخية، إلى أنها كانت نقطة التقاء للقوافل التي كانت تنقل بضائع جنوب الجزيرة العربية والشرق الأقصى إلى البحر الأبيض المتوسط، ومركز توزيع هذه البضائع إلى سوريا وآسيا الصغرى وأوروبا، وهي كذلك همزة الوصل بين الشام ومصر. وتنبع أهمية غزة لدى العرب من كونها تربط بين مصر والهند، فكانت الطريق التجاري الأفضل لهم، مقارنة بالملاحة في البحر الأحمر، ومن هنا تأسست مدينة غزة واكتسبت شهرتها التاريخية.
منذ قديم الزمن والعرب يطلقون عليها غزة، وفي العصر الإسلامي أطلِق عليها "غزة هاشم" في إشارة إلى جد نبي الإسلام "هاشم بن عبد مناف" الذي توفي فيها، وهي التي ولد فيها "الإمام الشافعي" مؤسس المذهب الإسلامي الشهير.
معروف أن العلاقة بين مصر وغزة نشأت منذ عدة قرون، فهي بحكم الموقع الجغرافي ترجع إلى العصر الفرعوني، ورغم صغر مساحتها، فإن موقعها أتاح لغزة أن تحتل المركز التجاري الأساسي خلال فترة حكم تحتمس الثالث، مثلًا، إذ كانت حينئذ المصدر الرئيسي لإمداد مصر بمواد تموين أساسية. ثم إن غزة كانت أولى المدن الفلسطينية التي دخلها جيش الفتح الإسلامي بقيادة عمرو بن العاص عام 635 ميلادية، آتيًا إليها من مصر.
وفي أعقاب حرب 1948. تم وضع غزة تحت الإدارة المصرية بموافقة عربية ودولية لإبقاء القطاع في حوزة مصر لحين حل القضية الفلسطينية، وظلت غزة تحت الإدارة المصرية حتى عام 1967، وتحديدًا حرب يونيو من ذلك العام.
وهذا البقاء لم يكن إداريًا فقط بل تحول لتقارب اجتماعي واندماج إنساني وتبادل تجاري على مدى 19 عامًا.
ذكرياتنا عن غزة أتتنا من خلال تجار الشنطة الذين كانوا يتجولون لبيع منتجات غزة التي يجلبونها معهم في رحلات أسبوعية أو شهرية، ويعودون لها محملين بمنتجات مصرية، وحتى السوق التي لم تعد تحوي سوى منتجات صينية ومصرية بين حي الزاوية الحمراء والوايلي القاهرة، لا يزال اسمها سوق غزة.
سوق غزة تتمسك باسمها، وذكريات تجارة السلع عبر الأفراد حاضرة في أذهان ملايين المصريين الأكبر سنًا ممن عايشوا القطاع وقت كان تحت الإدارة المصرية.
كان أحد المعلمين في مدرستنا في وسط الصعيد اسمه على غزة، كان من غزة، وأنشأ كورالًا للأطفال في المدرسة يغني لغزة ونكبة العرب في فلسطين، كنت واحدًا من فريقه. 
وقتها أصدر الرئيس جمال عبدالناصر قرارًا بأن يُعامل الفلسطينيون في مصر كمواطنين من حيث الحصول على عمل والتعليم والإقامة، وفي عام 1954 صدر قانون يسمح لهم بالعمل كمعلمين، وفي 1962 صدر قانون آخر يسمح لهم بالعمل في القطاع العام.
يقودنا الحديث عن غزة إلى التطرق الى حماس وعلاقتها بمصر، والتي كانت في أوج ازدهارها خلال العام الذي حكمت فيه جماعة الإخوان المسلمين مصر، مع صعود محمد مرسي لسدة الحكم، إذ جمعت الطرفين الأيديولوجية الإسلامية، ولم تمض سوى أسابيع قليلة على تولي مرسي الحكم حتى تحسنت حركة مرور المسافرين عبر معبر رفح بصورة لافتة مقارنة بالأعوام السابقة التي شهدت فترات عسيرة من الإغلاق المتواصل أو الجزئي للمعبر.
وبعد وفاة الرئيس الأسبق الإخواني محمد مرسي بساعتين، أصدرت منظمة حماس بيانًا نعته فيه واعتبرت وفاته مصابًا جللًا. وهو ما لم يحدث مع وفاة أي رئيس مصري سابق. 
وفي المقابل فإن بعض المصريين لا يحبون التطرق إلى ذكر حماس من قريب أو بعيد، بسبب بعض المنظمات الإرهابية التي نشأت في سيناء، وقتلت الجنود والضباط المصريين بلا رحمة،، ومنها: التوحيد والجهاد وأنصار الجهاد والسلفية الجهادية، وأحدثها تنظيم مجلس شوري المجاهدين وأنصار بيت المقدس وكتائب الشهيد عبدالله عزام، وأعضاء هذه الجماعات يحملون السلاح ضد مصر، ويتلقون تدريبات قتالية  شبه منتظمة على يد بعض أعضاء الجماعات الجهادية الفلسطينية، حيث يتصل عدد من هذه الجماعات بجماعات جهادية فلسطينية، خاصة أن عددًا كبيرًا من المنتمين للجماعات الجهادية الفلسطينية كان ينتقل لسيناء هربًا من الحصار، أو للتدريب في بعض المناطق الصحراوية البعيدة عن أي رقابة بوسط سيناء، فضلًا عن تعاون الجماعات الجهادية الفلسطينية مع نظيرتها المصرية في نقل السلاح لغزة عبر الأنفاق، وفي إخفاء بعض عناصرها حال توتر الأوضاع بالقطاع. 
في 19 نوفمبر 2016، قام تنظيم ولاية سيناء بخطف الشيخ سليمان أبوحراز، البالغ من العمر 98 عامًا ليقوم بإعدامه بقطع رأسه، وبعدها نفذ نفس الفعلة مع شيخ سيناوي آخر يدعى أقطيفان المنصوري، وقتله بالطريقة نفسها.
كما لا ينسى المصريون ما حدث في مسجد الروضة بمنطقة بئر العبد في سيناء، يوم 9 نوفمبر 2017. قتلوا أكثر من 230 شخصًا في مسجد بمحافظة شمال سيناء يوم الجمعة عندما فجروا عبوة ناسفة وأطلقوا النار على المصلين المتدافعين إلى خارج المسجد في أكبر هجوم دموي من نوعه في تاريخ مصر الحديث.