رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القفز فوق الألغام 2

محمد الباز يكتب: مراوغة الثعالب.. كيف أعادت إسرائيل خطة التوطين إلى مسرح العمليات فى غزة؟

محمد الباز 
محمد الباز 

- نتنياهو يسعى إلى استعادة الرهائن دون شروط والقضاء على «حماس» تمامًا والتخلص من غزة بتهجير السكان إلى مصر

- لأول مرة فى تاريخ إسرائيل يكون لديها «لاجئون إسرائيليون» فى الداخل وعددهم يتجاوز ٢٠٠ ألف شخص

كان من المفروض أن يقود منطق الأشياء إسرائيل إلى التركيز فى جبهة جهنم، التى فتحتها عليها حركة حماس بعملية «طوفان الأقصى» صباح ٧ أكتوبر ٢٠٢٣.. لكن ولأن لإسرائيل منطقها الذى تنسجه على هواها، وطبقًا لمصالحها، فقد قررت المضى فى جبهة الصراع مع الفلسطينيين إلى النهاية، مع فتح جبهة خطة التوطين ونقل الفلسطينيين إلى سيناء، وهى الخطة التى يبدو أنها لا تزال تراودها فى أحلامها، ولن تتنازل عنها أبدًا. 

يعتنق رئيس الوزراء الإسرائيلى، الذى يبدو أنه لا يزال يبحث عن «مكان تحت الشمس»، عقيدة راسخة، يلخصها فى ضرورة خروجه من أى معركة يدخلها أو تفرض عليه بما يسميه «صورة النصر». 

لم ينخدع الإسرائيليون بما ردده نتنياهو عن قراره بتغيير خريطة الشرق الأوسط بعد إنهاء هذا الصراع، ولم ينشغلوا بارتدائه الزى العسكرى ونزوله ليكون بين الجنود- كثيرون لم يرحبوا به، بل هاجموه واتهموه بأنه من قتل زملاءهم بسياساته- ولم يهتفوا باسمه باعتباره المخلص لهم من مشاكلهم، بل أهملوه حتى ينتهى من معركته، وبعدها يأتى حديث الحساب عن التقصير الذى لا بد أن يكون عسيرًا، وهو الحساب الذى سيكون على قدر الصدمة التى أحاطت بهم فأخرجتهم من واحة الأمان، التى كانوا يعتقدون أنهم يعيشون فيها إلى ساحة الخوف والرعب التى لم يعتقدوا أبدًا أنهم يمكن أن يتحولوا إلى أسرى تحت ترابها. 

تعقب الإسرائيليون «صورة النصر» التى رسمها نتنياهو، ووعد بها جموع المتطلعين إلى الانتقام. 

إذا صادفت أى إسرائيلى الآن، وسألته عما يفعله، ستجده يجيبك دون أن يفكر: نحن ننتقم. 

شحن الإسرائيليون كل ما اختزنوه من حقد وغل وكراهية وعنف ووحشية وانحطاط وقسوة ورغبة فى سفك الدماء، ودخلوا بها أرض المعركة مع الفلسطينيين، ولم يفرقوا بين حركة حماس التى استهدفتهم، وجموع شعب غزة الأعزل، الذى يهتف من كل قلبه: ما بدى غير عيش وسلام. 

تواصلت العمليات الإجرامية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى من هدم البيوت على رءوس أصحابها وقصف المستشفيات وتدمير المنشآت وتشريد المواطنين وقتل الأطفال والحصار الوحشى ومنع الطعام والدواء والوقود، لكن كل ذلك لم يكن كافيًا ولا مشبعًا لمعدة الوحش الإسرائيلى الذى خرج من قلب هجوم «طوفان الأقصى»، لا يمثل لهم ذلك شيئًا يمكن أن يبرد نارهم ويقنعهم بأنهم استردوا كرامتهم المهدرة وشموخهم الذى تبدد فى ساعات قليلة. 

طبقًا لما نشرته صحيفة الإندبندنت البريطانية فى افتتاحيتها صباح ٢٤ أكتوبر ٢٠٢٣، فإنه مع استخدام إسرائيل القوة الشديدة فى التعامل مع حماس، فليس من الواضح أن هناك أهدافًا حربية واضحة أو استراتيجية خروج محددة، وهذا ما يجعل نتنياهو يرتكب بعض الأخطاء الفادحة. 

وكما ترى الصحيفة البريطانية فإن طبيعة هذا الصراع تحتم القضاء على أى احتمال لضبط النفس أو الرحمة، ومع غياب ضبط النفس يتصاعد التوتر، وهو ما يدلل عليه تصريح نتنياهو لقواته بشأن المهمة المكلفين بها عندما قال: إما التحرك.. وإما الموت. 

فى اليوم التالى مباشرة، ٢٥ أكتوبر ٢٠٢٣، نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مسئولين أمريكيين قولهم إن الإدارة الأمريكية قلقة من أن الجيش الإسرائيلى ليس مستعدًا لشن عملية برية بخطة يمكن أن تنجح. 

بعد أيام وفى ٦ نوفمبر ٢٠١٤ نقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، عن مسئولين فى البيت الأبيض- ما دعم رؤية الإندبندنت البريطانية والنيويورك تايمز- قلقهم لافتقار إسرائيل لاستراتيجية خروج من غزة، وعززت الصحيفة ذلك بإشارتها إلى أن كبار مساعدى الرئيس الأمريكى، جو بايدن، أصيبوا بالإحباط بسبب عدم وجود إجابات واضحة من المسئولين الإسرائيليين بشأن أهدافهم، وما يتوقعون أن يبدو عليه المستقبل.

يسرف كثيرون فى توثيق الخسائر التى لحقت بإسرائيل من عملية «طوفان الأقصى»، لكن تظل الخسارة الكبرى التى لحقت بها أنها ولأول مرة فى تاريخها يكون لديها «لاجئون إسرائيلون» اضطرت إلى بناء مخيمات لهم، وهو ما صرح به المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية من أن أكثر من ٢٠٠ ألف إسرائيلى نزحوا داخليًا مع صدور أوامر بإخلاء نصف هذا العدد من ١٠٥ مجتمعات بالقرب من حدودى غزة ولبنان. 

وسائل الإعلام الإسرائيلية تسابقت فى توثيق ما جرى على الأرض، فمدينة إيلات الإسرائيلية أقامت مدينة خيام قريبة من مدخلها لاستيعاب المستوطنين الذين تم إجلاؤهم من غلاف قطاع غزة بعد بداية عملية طوفان الأقصى، كما تلقت الفنادق فى إسرائيل عددًا كبيرًا من سكان الجنوب والشمال الذين تم إجلاؤهم من منازلهم، وكشف رئيس بلدية مستوطنة عسقلان عن أنه سيتم وقف إجلاء المستوطنين من المدينة لعدم توافر غرف فارغة فى الفنادق داخل إسرائيل. 

ورغم أن الإسرائيليين واجهوا للمرة الأولى شبح التهجير، إلا أنهم كعادتهم حاولوا استخدام الأمر فى الدعاية لجلب تعاطف العالم وأسر مشاعره تجاه قضيتهم، وذلك من خلال تداول شبكات التواصل الاجتماعى الإسرائيلية صورة تُظهر مخيمًا على شاطئ البحر، وتحمل إحدى الخيام العلم الإسرائيلى. 

الصورة التى حظيت بانتشار كبير من قبل المواطنين العرب من باب الشماتة، وكتبوا معلقين عليها: «التهجير بالتهجير.. خيام المستوطنين من الجنوب والشمال فى إيلات»، لم تكن صحيحة. 

تحقيق الصورة وتدقيقها قام به المرصد الفلسطينى لتدقيق المعلومات والتربية الإعلامية، حيث قام فريق منه بالبحث عنها فى المصادر العلنية، فلم يجد لها أصلًا، كما أنها لم ترد فى أى من المصادر العبرية الرسمية والإخبارية. 

بتحليل الصورة تبين وجود تشوهات عديدة فيها تشير إلى أنها ليست حقيقية، وأنها منتجة بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعى، وللتدليل على ذلك أشار فريق المرصد إلى نقاط محددة: 

أولًا: العلم الظاهر فى خلفية الخيام على يسار الصورة أضيف عليها وليس أصليًا. 

ثانيًا: تظهر تشوهات واضحة فى الخيام الظاهرة فى خلفية الصورة من الجهة اليمنى. 

ثالثًا: تظهر تشوهات فى أيدى الأشخاص، كما أن الشخص فى مقدمة الصورة يرتدى حقيبة تحمل اللغة الصينية. 

رابعًا: تظهر تشوهات فى أجساد الأشخاص. 

خامسًا: انعكاس الظلال فى الصورة غير دقيق، ما يؤكد أنها ليست حقيقية. 

هذه الخسارة الأكبر التى تجاور الخسائر الكبرى التى منيت بها إسرائيل، جعلت نتنياهو يرسم «صورة نصر» ثلاثية الأبعاد. 

البعد الأول فيها هو أن يعيد المحتجزين الإسرائيليين مرة أخرى، على أن يتم ذلك دون قيد أو شرط أو أى تنازلات يمكن أن تطلبها حركة حماس. 

البعد الثانى أن يقوم الجيش الإسرائيلى بإبادة حركة حماس، فلا يُبقى لها عينًا ولا أثرًا، فتتحول إلى جزء من التاريخ، يتردد كثيرون أن يفكروا فى إعادته، لأن النهاية كانت مدوية. 

البعد الثالث، وهو الأهم، نجاح إسرائيل فى إنهاء توتر قطاع غزة إلى الأبد، وذلك عن طريق تنفيذ الخطة التى تقوم، رغم تعدد نسخها والاقتراحات حولها، على شىء واحد، وهو نقل أهالى غزة إلى سيناء. 

أتابع عن قرب كما يتابع العالم كله البعدين الأولين فى الصورة التى يريد نتنياهو أن يخرج بها من الحرب، لكن وفى سياق حديثنا هنا ينصرف اهتمامى الأكبر إلى البعد الثالث، وهو مسألة نقل الفلسطينيين إلى سيناء، وهو السيناريو الذى تعتقد إسرائيل أنه يمكن أن يقدم حلًا نهائيًا لكل مشاكلها. 

يعرف المتابعون للشأن الإسرائيلى أن خطة التوطين لها تاريخ طويل، وأن سيناء تمثل المركز فيها، وكانت هناك جولات كثيرة طفت فيها هذه الخطة على السطح، ويبدو أن إسرائيل رأت فيما جرى فى عملية «طوفان الأقصى» وما تبعها من أحداث فرصة مواتية تمامًا لتصدير الخطة مرة أخرى والدفع بها إلى صدارة المشهد. 

عملت إسرائيل على خطة إعلامية من شأنها أن تطفو الخطة مرة أخرى على مسرح الأحداث، وهى الخطة التى راعت فيها ألا تتورط بشكل كامل، حيث منحت نفسها الفرصة فى التراجع والمراوغة فى الوقت المناسب. 

صباح الثلاثاء ١٠ أكتوبر ٢٠٢٣ انطلقت الرصاصة الأولى فى سيناريو الطفو الجديد، عندما تداولت منصات الأخبار العالمية والعربية خبرًا قصيرًا دالًا، كان نصه: متحدث عسكرى إسرائيلى ينصح الفلسطينيين الفارين من الضربات على غزة بالتوجه إلى مصر. 

بعد دقائق من نشر هذا التصريح، ظهر فى الصورة الناشط الإسرائيلى المريب والمستخدم من قبل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية إيدى كوهين فى تغريدة عبر حسابه على منصة «X»، قال فيها: «يا سكان غزة اهربوا إلى مصر وأنقذوا حياتكم وحياة أسركم، اذهبوا إلى مصر، حماس اختارت التضحية بكم وبمنازلكم كرمًا لإيران». 

التقطت دوائر صنع القرار فى مصر الخط، وأدركت أن هذه التصريحات ودفع إيدى كوهين إلى أن يقول ما قاله ليس إلا بالون اختبار، لكن لا بد من التعامل معه بجدية، وهو ما جعل مصادر أمنية مصرية رفيعة المستوى تصرح بأن القضية الفلسطينية تشهد منعطفًا هو الأخطر فى تاريخها على الإطلاق. 

المصادر المصرية قررت أن تقطع الطريق مبكرًا على إعادة هذه الخطة إلى المسرح مرة أخرى، فقالت إن هناك مخططًا واضحًا لخدمة أهداف الاحتلال القائمة على تصفية الأراضى الفلسطينية المحتلة من أصحاب الأرض وسكانها، وإجبارهم على تركها بتخييرهم بين الموت تحت القصف الإسرائيلى، أو النزوح خارج أراضيهم.

وكان طبيعيًا والصورة تبدو بهذا الوضوح أمام صانع القرار المصرى أن تحذر المصادر الأمنية رفيعة المستوى من تداعيات الأزمة الراهنة على القضية الفلسطينية والحق الفلسطينى، وأن هناك بعض الأطراف والقوى تخدم مخطط الاحتلال، وتمهد له مبررات الأمر الواقع لتزكية أطروحات فاسدة تاريخيًا وسياسيًا، سعى الاحتلال لطرحها على مدار الصراع العربى- الإسرائيلى بتوطين أهالى غزة فى سيناء، الأمر الذى تصدت له مصر وستتصدى له، ورفضه الإجماع الشعبى الفلسطينى المتمسك بحقه وأرضه، وأعلنته مقررات الجامعة العربية فى سياقات مختلفة، واستقر الأمر فى الضمير العالمى بثوابت واضحة للقضية الفلسطينية التى تتم تصفيتها الآن. 

أدركت إسرائيل بعد هذه التصريحات أن طرح سيناريو التوطين أو مناقشته، أو السعى إلى تنفيذه مرفوض بشكل كامل، ما دفعها إلى أن يصحح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى تصريحاته مرة أخرى، فبعد أن قال ريتشارد هيشت، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى، خلال حديثه مع صحفيين أجانب إنه سينصح اللاجئين الفلسطينيين بالخروج عبر معبر رفح على الحدود الجنوبية لقطاع غزة مع مصر، عاد ليقول إن المعبر الرئيسى على الحدود مع مصر كان مفتوحًا، أمس الإثنين، لكنه مغلق حاليًا. 

لم يكتف هيشت بذلك، بل كتب عبر حسابه الرسمى على منصة «X»: لأكون واضحًا لقد سئلت عن الخروج من غزة، فقلت إن عليهم التحقق مما إذا كان معبر رفح مفتوحًا أم لا، وأنا لست على علم إذا كان لا يزال مفتوحًا، والجيش الإسرائيلى ليس مسئولًا عن ذلك المعبر. 

فى نفس اليوم ١٠ أكتوبر ٢٠٢٣ نشرت صحيفة «ذا ويك» الأمريكية تعليقًا على تصريح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى فيما يبدو قبل تعديله. 

قالت المجلة إن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى، كولونيل ريتشاد هيشت، دعا الفلسطينيين للمغادرة عبر معبر غزة الحدودى مع مصر قبل القصف المكثف على القطاع، وفى ظل فرض حصار شامل، وأعقبت ذلك بقولها: فكرة الرحيل إلى مصر مستبعدة من قبل سكان قطاع غزة الذين يواجهون حصارًا شاملًا وغير عادى، قالت مها الحسينى البالغة من العمر ٣١ عامًا: لا توجد خطة بديلة هنا على الإطلاق. 

قبل أن تنهى المجلة الأمريكية تعليقها على التلويح بخطة نقل الفلسطينيين إلى سيناء، وضعت رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو فى مكانه الصحيح، فهو يدعم الخطة بشكل كامل، حيث أشارت إلى مخاطبته الفلسطينيين بقوله: اخرجوا الآن.. لأننا سنعمل فى كل مكان. 

بالغ المسئولون الإسرائيليون فى التأكيد على أنهم لا يريدون إخراج الفلسطينيين من بيوتهم، أو رحيلهم إلى سيناء، وهى المبالغة التى تجعل كل فئران الأرض تلعب فى العب المصرى، ففى الوقت الذى كان يتواصل النفى، اجتهد الإعلام الإسرائيلى فى إطلاق تصريحات لمسئولين وسياسيين سابقين، طالبوا خلالها مصر بأن تستضيف الفلسطينيين باعتبار ذلك الحل الأمثل للوضع المتأزم. 

ففى ١٣ أكتوبر ٢٠٢٣ ظهر محلل إسرائيلى على شاشة قناة روسيا اليوم وهو يصرخ فى مصر، مطالبًا إياها بإيواء سكان غزة مؤقتًا حتى ينتهى جيش الاحتلال من قصف القطاع، وكان مضحكًا أن يقول المحلل الإسرائيلى: أين المروءة وأين الشهامة يا مصر؟ ناسيًا فيما يبدو أن يطالب إسرائيل بأن تتحلى بالشهامة والمروءة وتتوقف عن قصف المدنيين وقتلهم وتشريدهم، وإجبارهم على الخروج من بيوتهم. 

هنا لا بد أن نتوقف أمام اللعبة التى يبدو أن إسرائيل قررت أن تلعبها مع مصر، فبعد أن تركت محسوبين عليها ليطلقوا تصريحات تتحدث عن التهجير، عادت لتنفى بعد أن وجدت الرد المصرى حاسمًا وقاطعًا فى رفض الخطة، لكن هذا لا ينفى أنها ظلت ماضية فى تنفيذ مخططها عبر قنواتها الدبلوماسية المختلفة. 

فطبقًا لما نشرته صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية فى ٦ نوفمبر ٢٠٢٣، فإن إسرائيل تعمل جاهدة من خلال الضغط الهادئ لكى تسمح مصر باستقبال أعداد كبيرة من سكان غزة. 

تقرير الصحيفة كشف عما بدأته إسرائيل سرًا، فخلال الأسابيع التى شهدت التصعيد فى غزة بدأت إسرائيل فى تنفيذ خطتها، ففى العلن لم تدعو أعدادًا كبيرة من سكان غزة إلى الانتقال إلى مصر، وعندما كانت تفعل ذلك كانت تتحدث عن انتقال مؤقت حتى تنتهى العمليات فى غزة، لكن فى الأحاديث الخاصة سعت إلى تنفيذ المخطط كاملًا، وهو ما يزيد من مخاوف الفلسطينيين من الطرد الدائم من بيوتهم. 

وتشير النيويورك تايمز إلى أن ما تطرحه إسرائيل لاقى رفضًا من عدة دول، على رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا، اللتان انطلقتا فى رفضهما إلى أن ما تريده إسرائيل من نزوح جماعى يمكن أن يؤدى إلى زعزعة استقرار مصر بصورة كبيرة. 

عندما وجدت إسرائيل نفسها أمام حائط سد، بدأت جولة جديدة من المراوغة، وهو ما يبدو من تصريح دان دانون النائب عن حزب الليكود الذى يتزعمه نتنياهو للنيويورك تايمز، حيث قال دان إنه يؤيد إجلاء المدنيين فى غزة لإعطاء إسرائيل مساحة أكبر للمناورة أثناء غزوها البرى لغزة، ولإبعاد المدنيين عن طريق الأذى. 

ما قاله دان لا يختلف عما تم الاتفاق عليه داخل الحكومة الإسرائيلية، التى قررت تصدير خطاب يقوم على أن إسرائيل لا تدعو الفلسطينيين إلى النزوح إلى جنوب القطاع تمهيدًا لنقلهم إلى سيناء، ولكن لتفريغ هذه المناطق من القطاع أمام العمليات العسكرية التى تستهدف حماس فى المقام الأول، وبعد أن جعلت حماس من الفلسطينيين دروعا بشرية، واختبأت بينهم حتى لا تصل إليها إسرائيل. 

خطورة الأوضاع على الأرض تعيدنا مرة ثانية إلى صورة النصر التى يريد نتنياهو أن يخرج بها من الحرب، والتى بدأ محللون إسرائيليون وعرب يصفونها بأنها «صورة النصر المفقودة». 

ففى ظل تصاعد العمليات، فمن المستبعد أن يحرر نتنياهو المحتجزين الذين يصل عددهم إلى ٢٣٠ دون قيد أو شرط كما أعلن أكثر من مرة، فطبائع الأمور تقول إنه لن يقدر على ذلك، فحماس التى وضعت يديها على هؤلاء المحتجزين لا يمكن أن تفرط فيهم بسهولة دون الحصول على مكاسب على الأرض. 

وفى ظل تعقيد المشهد، فسيكون من الصعب على نتنياهو أن يفى بوعده للإسرائيليين بتحطيم حماس إلى الأبد، فالقوى الصانعة والمساندة لحماس لا يمكن أن تسمح بذلك بسهولة، كما أن سير العمليات على الأرض يجعل مما يريده رئيس الوزراء الإسرائيلى، الذى يواجه معارضات داخلية وخارجية، حلمًا بعيد المنال. 

يبقى أمام نتنياهو البعد الثالث فى الصورة، وهو نقل الفلسطينيين من غزة والترتيب للأوضاع فيها فيما يسمى بالـ«AFTER DAY»، وهو ما يحاول جاهدًا أن يحققه على الأرض مهما كلفه الأمر ذلك. 

فى الأدبيات السياسية يمكن أن نعتبر ما يسعى نتنياهو إلى تحقيقه خطة تمت هندستها على المستوى النظرى، يحتاج تحقيقها إلى معادلات على الأرض تسمح بذلك، ولأن أمر هذه المعادلات يظل معظمها فى يد مصر، فإن ذلك يستدعى أن نتعرف على هندسة مصر للموقف، وهو ما يفتح لنا الباب لحديث جديد.