رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

غزة فى قلب مصر

دائمًا تكون مصر هى السند وقت الشدة وقلب العروبة الحقيقى على مدار التاريخ، ولا أحد يستطيع أن يزايد على ذلك أو ينكر دورها وجهودها فى دعم القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية التى تعتبر "قضية القضايا" كما قال الرئيس عبد الفتاح السيسى.. لم تتخل مصر نهائيًا عن دورها منذ الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين عن دعم حقوق الشعب الفلسطينى الشقيق حتى يومنا هذا، حيث كان قرارها منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلى على قطاع غزة إنه لن يسمح بخروج أى من الرعايا الأجانب العالقين داخل القطاع أيًا ما كانت جنسياتهم إلا بعد السماح بدخول المستلزمات الطبية والعلاجية والمواد الغذائية بعد أن قامت إسرائيل بتدمير ما يقارب 40% من الأحياء السكنية والبنية التحتية فى القطاع وقتل حوالى 9500 شهيد حتى وقتنا هذا، من بينهم 3700 طفل و2400 امرأة، وكأنهم يستهدفون أجيال المستقبل من الشعب الفلسطينى الذى يناضل للحصول على حقوقه المشروعة فى الحياة الكريمة الآمنة مثل شعوب العالم الأخرى.

ومنذ إعلان مصر على هذا الموقف المبدئى وتمسكها به رغم كل الضغوط الدولية التى مورست عليها من جميع قادة دول العالم بما فيهم الدول الكبرى حتى تحولت بوصلة هذه الدول الى مصر إيمانًا منهم بأنها الدولة الوحيدة القادرة بحكم التاريخ والجغرافيا أن يكون لها دور فعال ومؤثر فى التعامل مع تلك الحرب الدائرة بين الجيش الإسرائيلى ومقاتلى حركة حماس والتى أسفرت عن مآس إنسانية لم تشهدها المنطقة العربية من قبل.

وبالفعل كانت مصرنا الغالية عند حسن الظن ونجحت الإدارة المصرية فى إجهاض مخطط التهجير وتصفية القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى خلق رأى عام إقليمى وعالمى داعم للحق الفلسطينى، واليوم أثمرت الجهود المصرية عن انفراجة فى ملف معبر رفح، حيث بدأت شاحنات المساعدات الإنسانية والطبية تتدفق عبر المنفذ على مدار اليوم فى الوقت الذى تواصل فيه سيارات الإسعاف المصرية الوصول إلى داخل قطاع غزة من خلال معبر رفح لنقل عشرات المصابين والجرحى الفلسطينيين لتلقى العلاج فى المستشفيات المصرية، حيث بلغ عدد من وصلوا منهم حتى الآن 81 مصابًا من ضحايا العدوان الإسرائيلى الغاشم تم نقلهم بواسطة 40 سيارة إسعاف مجهزة على أعلى المستويات فيما تم رفع درجة الاستعداد القصوى فى جميع مستشفيات سيناء لاستقبال أعدادًا أخرى من الجرحى بعد توفير أطقم طبية من المتخصصين فى جراحات المخ والعظام والحالات الحرجة، وهناك تعليمات من القيادة السياسية بضرورة توفير أقصى درجات العناية والرعاية لهم مع زيادة القدرة الاستيعابية فى مستشفيات محافظة شمال سيناء والمحافظات القريبة، منها وعلى رأسها محافظة الإسماعيلية، فضلًا عن التنسيق مع المستشفيات الجامعية بكل محافظات الجمهورية.. ولم يقتصر الأمر على هؤلاء الجرحى فقط، بل إنه شمل المرافقين لهم، حيث تم تجهيز استراحات سكنية قريبة من المستشفيات حتى يتسنى لهم التردد على ذويهم يوميًا للاطمئنان عليهم.

على صعيد آخر فإن مصر بدأت بالفعل فى استقبال وإجلاء حوالى 7000 مواطن أجنبى يحملون جنسية أكتر من 60 دولة التزامًا بما تعهدت به مصر منذ بدء الأزمة، وهو الأمر الذى جعل جميع دول العالم وجميع المنظمات الأممية والدولية تشيد بالموقف المصرى الذى أثبت لهم جميعًا أننا دولة تحترم تعهداتها، وتحترم حقوق الإنسان أيًا ما كانت جنسيته، وإننا دولة قوية ذات سيادة لا تخضع لأى ضغوط أو إملاءات مهما كانت الظروف.. كل ذلك فى الوقت الذى تمضى فيه إسرائيل فى هجومها المسلح على التجمعات السكنية فى قطاع غزة، حيث يتزايد ساعة بعد الأخرى عدد الضحايا من المدنيين العزل الأبرياء، كما تتزايد أعمال الدمار الشامل لأحياء كاملة وبسكانها ومستشفيات تضم مئات الجرحى والمصابين ويتخلف عن كل ذلك الآلاف الشهداء.

لم تدخر مصر جهدًا فى دعم الأشقاء الفلسطينين وأصرت على إدخال المساعدات الإنسانية ورفضت عبور الأجانب قبل دخول تلك المساعدات وهنا يعلو على السطح موقف مصر الشريف المدافع عن الإنسانية وحقوق الإنسان فى أسمى المعانى، ويتضح الفارق الكبير بين من يقولون ولا يفعلون ومن يفعلون دون انتظار للإشادة أو التقدير من أى كيان أو دولة.. ومازالت مصر تسابق الزمن من أجل مساندة الأشقاء فى فلسطين، وفى القلب منها غزة بإرادة قوية وعزيمة لا تلين لمحاصرة المخططات الصهيونية واحتواء الصراع، ولذلك فهى تسعى بكل جهد من أجل تخفيف المعاناة الإنسانية لسكان غزة الذين يتعرضون للقتل الممنهج تحت سمع وبصر ورضا ومباركة ودعم الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، لذلك عملت على إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية لأهالى غزة وفتح معبر رفح على مصراعيه لدخول تلك المساعدات من ناحية وخروج الرعايا الأجانب العالقين داخل القطاع من ناحية أخرى علاوة على المصابين الفلسطينيين الذين نرحب بهم ونعمل على توفير كل أوجه الرعايا الإنسانية والطبية لهم.

يتحدث العالم اليوم عن شريان الحياة الذى قامت مصر برعايته والإشراف عليه والذى يقوم عليه مئات من المصريين الذين يتواصلون مع أشقائهم الفلسطينيين لتسليمهم تلك المساعدات أو لإجلاء المصابين والعودة بهم للعلاج فى المستشفيات المصرية من خلال تلك اليد الحانية التى ممدتها مصر لهم لتخفيف الآلامهم والمشاركة فى معاناتهم والحفاظ على حياتهم.. وها هى جميع وسائل الإعلام الأجنبية والدولية وكذلك جميع دول العالم تشيد بالموقف والجهود المصرية التى تبذلها فى هذا الشأن إلا أن مصر لا تنتظر تلك الإشادات طالما ما زال مسلسل القتل والتدمير قائمًا بل ومتزايدًا.. ففى الوقت الذى كانت فيه مصر حديث وسائل الإعلام الدولية والعالمية كان الرئيس عبدالفتاح السيسى يعلن عن تمسكه بضرورة حل الدولتين ورفض التهجير القسرى ووقف التصعيد العسكرى وهو ما بدأت بالفعل العديد من الدول الغربية تنادى به فى المحافل الدولية واللقاءات الثنائية نتيجة الموقف المصرى الواضح والشريف الذى أكد للعالم أن مصر هى ركيزة الشرق الأوسط وإنه لا غنى عن دورها ولا يمكن لأحد أن يفرض واقعًا عليها، وأن حل قضايا المنطقة لا بد أن تمر عبر البوابة المصرية.

أن مواقف مصر وقيادتها السياسية جمعت بين الشموخ والشجاعة والإنسانية والإخلاص والشرف التى لا تدخر جهدًا فى دعم ونجدة الأشقاء فى فلسطين والحفاظ على حقوقهم المشروعة وحقوق قضيتهم التاريخية ونجدة ودعم أهلنا فى غزة الذين يتعرضون لحرب إبادة صهيونية بلا رحمة أو إنسانية وهو ما يدعونا أن نفخر بوطننا وقائدة الواثق من قضيته والذى يمتلك الرؤية الصائبة والقرار الحكيم.. هذا القائد الذى نجح فى أن يجعل العالم ينظر الى وجهة واحدة.. إلى منفذ رفح البرى الذى لم يعد مجرد منفذ حدودى، بل أصبح نافذة تخاطب إنسانية العالم ليرى من خلالها وحشية المحتل الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية وأعمال القتل والتدمير التى يقوم بها ضد الشعب الفلسطينى يوميًا، وتحيا مصر.