رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بطل «المدفعية» محمد عزمى: كنا نتوجه إلى معارك أكتوبر وكأننا ذاهبون إلى فرح

الدكتور محمد الباز
الدكتور محمد الباز ومحمد عزمى

- تدريبات من بعد الفجر لـ11 مساءً يوميًا.. والراحة ساعة واحدة فقط

- قيادات الجيش كانوا فى مقدمة الصفوف دائمًا خلال معركة العبور

- عندما رأينا الطائرات تحلق فوقنا يوم 6 أكتوبر سجدنا جميعًا على الأرض

- لم أحصل سوى على 3 أيام إجازة طوال وجودى فى الكتيبة قبل الحرب

كشف محمد عزمى، من مقاتلى سلاح المدفعية خلال حرب السادس من أكتوبر، عن تفاصيل التحاقه بالجيش قبل المعركة والعبور، وكيف واصلوا الليل بالنهار للتدريب على هذه اللحظة التاريخية.

وقال «عزمى»، خلال استضافته فى برنامج «الشاهد»، الذى يقدمه الإعلامى الدكتور محمد الباز، عبر فضائية «إكسترا نيوز»، إنهم كانوا يتدربون فى الكتيبة من بعد الفجر إلى الحادية عشرة مساءً يوميًا، ولا يحصلون سوى على ساعة واحدة للراحة فقط، حتى يوم الجمعة.

وأضاف أن الضباط والجنود كانوا يتوجهون إلى المعارك وكأنهم ذاهبون إلى فرح وليس حربًا، مشيرًا إلى أن جميع الضباط والجنود سجدوا على الأرض شكرًا لله عندما رأوا الطائرات تحلق فوقهم، ظهر يوم السادس من أكتوبر.

و«عزمى» هو أحد أبطال حرب أكتوبر، ولد فى الأول من أبريل ١٩٥٠ بمحافظة الجيزة، والتحق بالتجنيد فى ١٩٧٢، وتخرج كضابط احتياط قبل نشوب الحرب بشهر واحد، ليلتحق بـ«الكتيبة ٨٤٢» التابعة لـ«اللواء ٦٦ مدفعية» فى «الفرقة ١٨» بمدينة القنطرة غرب، ومنها انضم إلى مجموعة استطلاع غرب مواقع النيران فى الضفة الشرقية للقناة يوم ٦ أكتوبر، واشتبك مع العدو طوال فترة الحرب.

■ كيف كان تأثير نكسة يونيو ٦٧ عليك؟

- أنا من جيل ثورة يوليو والمد القومى، ووقت النكسة كانت الأخبار فى الإعلام غير حقيقية، تصور أننا انتصرنا وأسقطنا طائرات العدو، وفى المقابل كنت أسمع من بعض الناس أن الصورة ليست كما يصورها الإعلام، وأن سلاح الطيران تم ضربه، لكنى كنت رافضًا هذا الكلام، إلى أن فوجئنا بخطاب تنحى «عبدالناصر»، ووقتها كنت طالبًا فى الصف الثانى الثانوى بمدرسة «السعيدية».

عندما سمعت خطاب تنحى «عبدالناصر» كنت فى منزلى، وكان والدى ووالدتى الريفية يبكيان، فنزلت أجرى إلى الشارع، وكنت أسكن فى أولى محطات شارع الهرم، فرأيت الناس تغلق محلاتها، وجزارًا يصرخ ويقول: «مايسبناش... هيروح فين؟»، وجريت حتى وصلت إلى ميدان «النهضة». 

بعد خطاب تنحى الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، الناس جاءت من كل الشوارع، وتوجهت إلى مجلس الأمة وميدان التحرير، والجميع لم يكن يصدق ما سمعه من الرئيس بشأن التنحى، وكان خروجهم إلى الشارع بشكل تلقائى، وليس «تمثيلية» كما يُشيع البعض، وأؤكد أن الشعب هو من جعل عبدالناصر يتراجع عن استقالته.

■ هل شاركت فى المظاهرات الداعمة للحرب؟ 

- خلال «حرب الاستنزاف» كنت فى كلية الحقوق جامعة القاهرة، وكنت أستمع للبيانات العسكرية عن الحرب، فأبكى حتى تحمر عينى، فقد كان مرفوضًا لدى تمامًا أن تأخذ إسرائيل أرض سيناء، لذلك انضممت إلى المظاهرات المطالبة بالحرب، داخل جامعة القاهرة.

الرئيس الراحل محمد أنور السادات قال فى عام ١٩٧٢: «سنحارب.. لكن هناك مشكلة بين روسيا وأمريكا.. والضباب»، وهو ما رفضناه كطلاب، فقد كنا نريد الحرب فى أسرع وقت، لذا تجمعنا وأسسنا لجانًا وطنية فى الكليات، كانت بزعامة أحمد عبدالله رزة، وهو من أعظم القامات الوطنية، وسافر إلى إنجلترا وحصل على دكتوراه عن تاريخ الحركة الوطنية، وكثيرون لا يعرفون أنه والد الفنانة بشرى، وأنه بعد عودته إلى مصر رفضوا تعيينه فى الجامعة.

لم تكن مطالبنا فئوية، كل ما نريده كان فقط الحرب، وحتى لو لم ندخل الجيش وقتها، كان هناك «جيش شعبى»، وبمجرد وقف إطلاق النار فى «حرب الاستنزاف»، تم تشكيل ما تسمى «فصائل الجبهة» فالتحقت بها، وتم تدريبنا من خلالها، ثم توزيعنا على الوحدات، ومن المصادفات الغريبة أن توزيع خدمة الجبهة كان فى القنطرة، وهو نفس مكان خدمتى فى الجيش.

■ كيف تفاعلت الحكومة مع هذه المظاهرات؟

- الحكومة تجاوبت مع المظاهرات الطلابية المطالبة بالحرب، وتم تشكيل وفد طلابى توجه إلى مجلس الأمة، وهناك التقينا جمال العطيفى، وعرضنا المطالب بشكل منظم، ووقتها كنت لم أنم منذ ٣ أيام، لذا بعد انتهاء الاجتماع ذهبت إلى منزلى ونمت بملابسى، وعندما استيقظت فى اليوم التالى وجدت شارع الجامعة مغلقًا لفض الاعتصام، وقُبض على المتظاهرين لمدة ٤ أيام.

بعد تخرجى فى كلية الحقوق عام ١٩٧٢ التحقت بالجيش، وبدأت رحلتى مع القوات المسلحة بالانضمام إلى كلية الضباط الاحتياط، وكانت وقتها فى السودان، حيث تم استقبال دفعتنا «٣٢ احتياط» استقبالًا خاصًا.. «اتوصوا بينا جامد».

■ ما الذى تتذكره من فترة دراستك فى كلية الضباط الاحتياط؟ 

- التدريبات فى الجيش كانت تبدأ من بعد الفجر حتى الحادية عشرة مساءً، وكنا نأخذ راحة لمدة ساعة واحدة فى اليوم، حتى يوم الجمعة.. هذا «نظام تربية» فى الجيش، لذا أنصح الأهالى بإدخال أبنائهم إلى الجيش، لأن كلًا منهم سيخرج منه إنسانًا مسئولًا.

التدريبات كانت تتم على كل الأسلحة، لأنه كان من المقرر توزيعنا بعدها، وتم توزيعى على سلاح المدفعية، ودرست فى «مدرسة المدفعية» فى أول طريق السويس لمدة ٥ سنوات، وأتذكر أن أحد ضباط المشاة، وكان ضمن مجموعة جاءت إلى المدرسة للحصول على «كورس» سريع عن «إدارة النيران»، كان يضحك معى بسبب نحافتى الشديدة، قائلًا لى: «جاى لوحدك ولا معاك حد؟!».

تخرجنا فى «مدرسة المدفعية»، التى كان يتولى رئاسة أركان الحرب بها العقيد أنيس الهندى، وأُقيم لنا طابور عرض فى الكلية الحربية بحضور وزير الدفاع، ووقتها علقنا نجمة «ملازم مجند تحت الاختبار»، وبعد ٣ أشهر أخرى أصبحت «ملازمًا مجندًا تحت الاحتياط».

بعدها تم توزيعى على الجيش الثانى الميدانى، ونزلت فى «قيادة اللواء ٦٦ مدفعية وسط» بمدينة «القصاصين»، وهناك أقمت مع الضباط ليلة واحدة، ثم فى اليوم التالى أخذتنى سيارة إلى «الكتيبة ٨٤٢»، وهناك قابلت قائدها، وتم توزيعى على السرية، وكان ذلك بداية سبتمبر ١٩٧٣.

■ كيف كانت الأحاديث بينك وبين زملائك حول الاستعداد للحرب؟

- عندما دخلت الجيش اندمجت فى التدريبات ليل نهار.. «ظبط وربط» وتحوّل من الحياة المدنية إلى الحياة العسكرية، لا يوجد جدل أو نقاش، والأحاديث والدردشة وما شابه لا مكان له فى الجيش، لأنه ليس هناك وقت سوى للتدريبات والاستعداد بقوة، ومع ذلك الحرب وتخليص سيناء من الاحتلال كانا فى القلب دائمًا.

■ ما شكل التدريبات خلال وجودك فى الكتيبة قبل الحرب؟

- كنا نعمل على حفر مواقع تبادلية، مثلًا المدفع لا بد من الحفر له فى دائرة متر أو نصف المتر، ووضع أجولة لتثبيت الجزء الأسفل من المدفع، وكانت كل سرية أو كتيبة لها موقع، تنتقل منه إلى أى مكان، وفقًا للخطط العسكرية الموضوعة.

كانت الذخيرة موجودة على مستوى السرية، والمدافع جاهزة، والجنود والصف ضباط جاهزين، والدنيا هادئة تمامًا، كان لا يوجد سوى رحلات المواقع التبادلية، وتدريب فى أماكننا، وكنت أعطى محاضرات للسرية عن «ضبط وربط النيران»، واستمر هذا الحال فترة، وعرفت فيما بعد أن ذلك كان من ضمن خطة الخداع والتمويه.

واستمرت رحلات حفر المواقع التبادلية حتى ظهر ٦ أكتوبر، وكان يتم وضع علامات على السيارات بأرقام معينة مكتوب عليها: «أولويات العبور»، لكن لم يكن هناك أى شىء يدل على أن هناك عبورًا أو حربًا على المدى المنظور، ومع ذلك كان لدىّ يقين بحدوث الحرب، وعلمت بعد ذلك أنه كان يتم تجهيز الأمور فى سرية تامة.

■ هل كانت هناك إجازات أثناء وجودك داخل الكتيبة؟

- لم أحصل على إجازة سوى مرة واحدة، وكانت لمدة ٣ أيام فقط، وأتذكر أن زملائى الذين لم يدخلوا الجيش قابلونى خلال هذه الإجازة، وسألونى عن الحرب وموعدها، فقلت لهم: «أنا دخلت الجيش ومش هخرج منه».

■ ما الذى تتذكره من لحظات ما قبل حرب ٦ أكتوبر؟ 

- يوم ٥ أكتوبر زارتنا مجموعة من ضباط الصاعقة والمدفعية؛ للتعرف علينا قبل المعركة، وأبلغنى أحد ضباط الصاعقة بأن هناك احتمالية لدخولهم الحرب قبلنا، وفى نفس الليلة توجهت مجموعة منهم بالفعل إلى منطقة «رمانة» على محور شمال سيناء؛ من أجل وقف تقدم مدرعات أحد ألوية العدو هناك.

كانت هناك حالة من السعادة الكبيرة على وجوه ضباط هذه المجموعة فى ذلك اليوم، كأنهم كانوا ذاهبين إلى فرح وليس حربًا، رغم أنهم يعلمون جيدًا أن ٩٠٪ منهم لن يعودوا من المعركة.

وفى صباح ٦ أكتوبر، تم تجميع نصف السرية، واستقلوا السيارة متجهين إلى موقع السلاح، بشكل طبيعى للغاية، كما كان يحدث يوميًا، وكانت خدمتى فى هذا الوقت أن أظل مع السرية. وفى الثانية عشرة والنصف ظهرًا، رأيت سيارة قائد الكتيبة تتجه نحوى، وكان بها السائق فقط، والذى سلمنى ظرفًا مغلقًا، وأبلغنى بعدم فتحه قبل الواحدة ظهرًا.

وحين فتحت الظرف قرأت: «ساعة س- ١٤:٢٠- الهدف»، وكلها رموز كنا على علم بها وبمعناها قبل التنفيذ بفترة، وتسمى «أهداف مدبرة سابقة التجهيز»، معروف مكانها ومربوط بياناتها بشكل كامل، وكانت تصل حتى حكمدارية المدافع، فبمجرد أن تخبر الجندى بأن الهدف اسمه كذا، يضرب عليه فورًا، ويكون لديه أمر الذخيرة والاتجاهات وكل شىء.

■ ما أبرز ذكرياتك فى حرب أكتوبر؟

- من اللحظات التى لن أنساها فى حياتى يوم ٦ أكتوبر ١٩٧٣، حين دخلت الطائرات إلى أرض المعركة، سجد جميع الجنود البسطاء على الأرض وأنا معهم، فالجميع فى ذلك الوقت كان على مبدأ واحد: «النصر أو الشهادة».

بعد أن مرَّ الطيران من فوقنا، وبدأنا الضرب، وجدنا كل كتائب المدفعية الخاصة بنا على نفس الخط، كنا نسمع صوت المدفعية على بعد ١٠ كيلومترات، وكنا نستقبل أوامر الضرب بشكل مستمر عبر الهواتف اللاسلكية.

فى الرابعة عصر يوم ٦ أكتوبر، ضابط الموقع الذى كان برفقتى أبلغنى بأن لدىّ أمر بالعبور، رفقة العميد أحمد الفهرانى، قائد السرية الثانية، ومعنا مجموعة استطلاع مواقع النيران، رغم أننى كنت أحدث ضباط الكتيبة، وبالفعل نفذت الأوامر.

■ ماذا عن مهامك الفدائية خلال مشاركتك فى حرب أكتوبر؟

- بالنسبة لمهام مجموعتى، كنا نسير فى حقول بعيدًا عن بعضنا البعض، حتى وصلنا إلى المكان المحدد الذى سنعبر منه، وحين وصلنا كان لدينا ساتر ترابى أيضًا من الأرض الزراعية الموجودة.

وبعد أن عبرنا من هذه الفتحة، وصلنا إلى حرف القناة، وكانت هناك إنشاءات كوبرى فى هذا الموقع، ضمن كبارى المهندسين، وكان معى مدفع طرازه «١٣٢» ومداه ٣٦ كيلو، وكانت المدفعية تمهد لعبور الجيش بعد تحرك الطيران.

عبرنا باستخدام قوارب بخارية تابعة لهؤلاء المهندسين، وكان العقيد أنيس الهندى هو المسئول عن عبورنا بالقارب إلى الضفة الثانية، وذلك أبسط دليل على أن قيادات الجيش المصرى كانوا فى المقدمة دائمًا. 

■ حدثنا عن كواليس الحرب بعد يوم ٦ أكتوبر؟

- صباح يوم ٧ أكتوبر كنا نتمركز فى الضفة الثانية، وفوجئنا بأن صوت الدبابات المصرية وصل إلينا، وكان الصوت صادرًا عن الكوبرى الذى يعمل المهندسون على تشييده، حتى تستطيع الدبابات أن تعبر إلى الضفة الثانية، وحدثت اشتباكات بينها وبين دبابات العدو عند الحاجز الرملى.

كانت مهمتنا هى الحفر يومى ٧ و٨ أكتوبر، حتى جاءت إلينا أوامر بالانتقال إلى موقع آخر شمال القنطرة، رغم أننا كنا موجودين حينها فى جنوب القنطرة بحوالى ٤ كم، وبالفعل وصلت إلينا سيارات نقل جنود مجنزرة، وتم نقلنا إلى هذا الموقع.

وبمجرد وصولنا، جاء إلىّ أمر خصيصًا، وهو الانتقال إلى المعبر فى الحال، وبرفقتى كلمة سر معينة، وكان موقعى عند المعبر فى حفرة برميلية على بقايا الساتر من فوق، وعبرت أول سيارة حينها برئيس عمليات الكتيبة، واستقبلنى بالأحضان، فشعرت بالأمان أننى عدت وسط كتيبتى، واستمر الضرب حينها ليلًا ونهارًا، وكنا نضرب أهدافًا غير مباشرة وأحيانًا لا نعرفها، فقط نلتزم بالأوامر والتدريبات التى خضناها على تنفيذ العمليات فى وقت محدد ومكان معين. 

كنا أول كتيبة عادت إلى غرب القناة بعد أول وقف لإطلاق النار، وفى هذه الفترة «حوالى ٣ أشهر»، كنت على حافة خطوط العدو، ودائمًا كنت أرى الإسرائيليين على بعد ١٢- ١٨ كم، ومكثت فترة فى موقع استطلاع الكتيبة هذا، وتحديدًا داخل أحد ملاجئ الضباط الإسرائيليين الذين غادروا بعد الحرب.

■ ما أهم دروس حرب أكتوبر؟

- الجيش المصرى عظيم للغاية، لا ينبغى أن يُذكر إلا بكل احترام وتبجيل، ويُحمل على الرءوس من فوق، فى أى وقت وزمان، فحتى الآن الجيش المصرى، وتحديدًا الهيئة الهندسية، تحارب بشكل مستمر فى معركة العمران.

أريد أن أقول للشباب المصريين: من يستطيع منكم دخول الجيش بأى شكل، فليفعل ذلك على الفور، فهى تجربة عظيمة، وستخرج منها بأشياء لا يمكن تعلمها فى الخارج.