رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ملف الصناعة المصرية وأجواء الحرب


الله وحده يعلم ما تعانيه إدارات الدول فى أوقات عصيبة كالأوقات التى يمر بها العالم الآن، لا سيما الدول المحورية المؤثرة، ومنها دولتنا المصرية كبيرة الحجم ثقيلة الوزن نافذة الكلمة. العالم يشاهد حربًا ضروسًا على الشاشات منذ السابع من أكتوبر، الذى يوشك على الانتهاء، حرب بين الإسرائيليين والفلسطينيين تستقطب أطرافًا جديدة فى كل يوم، ومهما حاول المحاولون تهدئتها فإن نيرانها تستعر لأن العناد سيد الموقف، ولأنها فرصة للقضاء على شرعية القضية الفلسطينية فى واقع الأمر، وفرصة لتحقيق أهداف إقليمية ودولية واسعة خبيثة، قد لا تتاح ثانية فى المستقبل القريب، ويجب أن تنتهزها الدول العظمى لأبعد مدى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، كما أظنها تحدّث نفسها حاليًا ليل نهار.
فى خلال هذه الحرب تحرشت إسرائيل بمصر تحرشًا ما؛ فقد جرت أحداث خفيفة مؤسفة فى رفح وطابا ونويبع بالتتابع، أعلنت إسرائيل عن أن ما جرى كان عن طريق الخطأ، وقالت إنها ستستقصى الموضوع وتحاسب المسئولين عنه، ومن جانبنا تمسكنا بالصبر، مفضلين التعقل على التهور، ولم نشأ أن نضاعف اشتعال النار، وإن كنا احتفظنا بحق الرد، لو كان لا بد من الرد، وعدنا نذّكر إسرائيل بأننا ما زلنا ننشد السلام العادل الشامل، وأن جيشنا العظيم جدير بثقتنا التامة فى قدراته العسكرية.
مصر أكبر داعم لفلسطين، بطول التاريخ، وكم دفعت أثمانًا باهظة فداءً للدم العربى المراق فى الأرض المحتلة والمقدسات المنتهكة هناك بصورة متكررة مستفزة، هذاك دورها لحماية أشقائها بلا تفضل عليهم، فأمنهم أمنها، وهى راضية، لكنها لم تكن يومًا مندفعة بحيث تعرض نفسها لأخطار جسيمة تفنى طاقتها، ففى فناء طاقتها ما يفنى فلسطين والعرب برمتهم، بل كانت رشيدة على الدوام، تفعل المطلوب وأكثر من المطلوب، من غير أن يسجل عليها العدو المتربص ما يوقعها فى نزال جديد يستنزف مواردها وينال ما يناله منها.
لا يعرف الناس أن انشغال القيادات فى مثل هذه الأجواء المعقدة يفوق الاحتمال؛ فهم مسئولون، بشكل مباشر ودرجة هى الأعلى، عن تأمين البلاد من أى اختراقات، كما أنهم مسئولون، بنفس الشكل والدرجة، عن تنمية الداخل وتقويته؛ فلا صراع يمكن أن يجرنا إليه ظرف بائس ملتبس، نضمن فيه انتصارًا، من غير أن تكون الدولة على أهبة الاستعداد.
الشأن الصناعى من أكبر الشئون التى يجب رعايتها؛ فالوصول إلى الكفاية الصناعية سلمة فارقة فى درج الصعود الاقتصادى المنشود، وقد كان الملتقى والمعرض الدولى السنوى للصناعة، فى دورته الثانية، الذى انعقد بالأمس القريب، بحضور الرئيس وعنايته الشخصية، ضروريًا جدًا للوطن، لا سيما فى وسط الاضطرابات العالمية الكبيرة سالفة الذكر.. «يسهل الرجوع إلى الوقائع والكلمات والتوصيات للإحاطة الوافية بالموضوع».
ملف الصناعة المصرية بالغ الحساسية بالفعل، والحرص على دعمه ومن ثم حصد فوائده كالحرص على حياة ينبغى أن تجلل أوصافها مشاهدنا فى كل حين، فلا تسلمنا لموات ما، وبخاصة فى الشدائد المحيطة بنا من كل جانب، وهو والملف الزراعى يتكاملان فى الأهمية، ولو لم نصنع ونزرع، كما قال أسلافنا الحكماء، فننتج ونستهلك من شقاء أيدينا لا عطاء الآخرين، ونصدر الفائض فنجنى من ورائه خيرًا يخدم مشروعاتنا القومية، فلسنا بآمنين على مستقبلنا.