رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شتاء فلسطينى ملبّد بالكوارث البيئية.. قنابل فسفورية تلوث الهواء والمياه تسبب الأوبئة

قصف قطاع غزة
قصف قطاع غزة

تعرضت البيئة الفلسطينية عامة، وقطاع غزة خاصة، إلى الكثير من الانتهاكات الإسرائيلية خلال سنوات الحصار، ولكن ما نشهده اليوم من حرب شعواء يتضمن تدميرا غير مسبوق لأي مدينة في التاريخ، فإن الاحتلال الإسرائيلي بذلك ينتهك كل القوانين والمواثيق الدولية الخاصة بحماية البيئة، ويلوث بحربه الهواء ويزيد من معدلات تسممه نتيجة استخدام أسلحة الدمار الشامل والمحرَّمة دوليا، مثل الأسلحة الكيميائية والمشعة والفسفور الأبيض واليورانيوم المنضب، وتسرب المواد الخطرة والملوثات إلى التربة والمياه والهواء، ما يزيد من معاناة كوكب الأرض من الانكسار المناخي ويتسبب بمزيد من الأمراض.

وقد رصدت وكالة أنباء الشرق الأوسط، في تقرير لها اليوم، الآثار المدمرة للاحتلال الإسرائيلى على البيئة الفلسطينية ليصبح شتاء ملبّدا بالكوارث البيئية وانتشار الأوبئة والأمراض.

التلوث البيئى الخطير للمياه والهواء والتربة

فى البداية، أكد مدير عام الإدارة العامة لحماية البيئة في سلطة جودة البيئة بـفلسطين نقطة الاتصال الوطنية لاتفاقية استكهولم، ياسر أبوشنب، إن الاحتلال الاسرائيلي وعلى مدى عقود من احتلال الأرض الفلسطينية يعمد إلى تطبيق سياساته وخططه المبنية على مبدأ الأرض المحروقة بحيث يجعلها غير قابلة للحياة مما يدفع الشعب الفلسطيني إلى هجره أرضه والابتعاد عنها نتيجه التلوث البيئي الخطير للمياه والهواء والتربة ومصادرة الأراضي لأغراض بناء المستعمرات، بما فيها المناطق الصناعية الثقيلة التي تنتج النفايات والمواد الكيماوية الخطرة وإلقاؤها في الأراضي الفلسطينية، فضلا عن سيطرة الاحتلال على المصادر الطبيعية وسيطرته على المعابر والحدود.

وقال أبوشنب، في تصريحاته للوكالة، إن ما نشهده حاليا من عدوان إسرائيلي سافر على قطاع غزه ما هو إلا دليل على تلك الجرائم التي ترتكب من استهداف المدنيين الأبرياء في مساكنهم الآمنة وما نتج عنه من ارتقاء ما يزيد عن 7000 آلاف من الشهداء وما يزيد عن 15000 مصاب، إن هذا الاستهداف قد أدى إلى انتاج كميات كبيرة من النفايات الصلبة والنفايات الطبية الخطرة والتي تتراكم في الساحات والشوارع والأزقة دون معالجة، فضلا عن استهداف وتدمير البنية التحتية خاصة شبكات المياه وشبكات المياه العادمة وما يرافق ذلك من منع الناس من الحصول على المياه للشرب والنظافة بالإضافة إلى الخطورة الناتجة عن اختلاط المياه العادمة بمياه الشرب والذي ينذر بحدوث وانتشار الأوبئة والأمراض في قطاع غزة.

وأضاف أنه بخصوص القذائف الصاروخية التي يستخدمها جيش الاحتلال فهناك تقارير كثيرة تشير وتؤكد استخدام قنابل وقذائف محرمة دوليا، مثل قذائف الفسفور الأبيض المحرم دوليا في الحروب وفقا للمادة الثالثة من اتفاقية لاهاي، لافتا إلى أن استخدام هذا النوع من القذائف يؤدي إلى تدمير الكائنات الحية في قُطر لا يقل عن 150 مترا ويسبب حروقا شديدة تؤدي إلى إذابة الجلد واللحم وصولا إلى العظام، والغازات المرافقة لتلك القذائف تؤدي إلى احتراق القصبات الهوائية والرئتين وغيرها من آثار جانبية، أما الآثار البيئية لها فتكمن فى ترسب الفسفور في التربة وتسربها إلى المياه الجوفية وبالتالي تلوث المياه الجوفية بالفسفور.

ونوه أبوشنب إلى انتشار الغازات والأبخرة الكيماوية الخطرة الناتجة عن استخدام المقذوفات وحدوث تلوث الهواء بتركيزات عالية تشكل خطورة على السكان، بالإضافة إلى وجود المئات من الشهداء الذين ما زالوا تحت الأنقاض لفترة طويلة، وبالتالي تكمن الخطورة في تحلل الجثث وما يرافقها من انتشار للملوثات الميكروبية الناتجة عن عملية التحلل.

وأشار مدير عام الإدارة العامة لحماية البيئة في سلطة جودة البيئة إلى تدمير وحرق مساحات شاسعة من الأراضي والمحاصيل الزراعية، كما تم قطع الكهرباء عن قطاع غزة، والذي أدى إلى تعطيل عمل محطات معالجة المياه العادمة، وكذلك تعطيل عمل وحدات تحلية مياه الشرب ومضخات المياه اللازمة لنقل المياه الى السكان في العديد من المناطق في قطاع غزة، داعيا المؤسسات الدولية البيئية ومؤسسات حقوق الإنسان للوقوف عند مسئولياتهم لوقف العدوان والسماح بإدخال الاحتياجات الأساسية للقطاع لمنع تدهور الأوضاع البيئية والصحية ومنع انتشار الأوبئة والأمراض.

بدورها، سبق وأن أكدت رئيس سلطة جودة البيئة بدولة فلسطين، الدكتورة نسرين التميمي، أن قطاع غزة يتعرض لكارثة بيئية وصحية ستمتد آثارها إلى كل دول المنطقة، وتواجه فلسطين تحديات تدمير البيئة الفلسطينية بكل عناصرها من خلال آلة الحرب الإسرائيلية التي تشن حربا شعواء على قطاع غزة تستهدف كل مقومات الحياة.

من جهته، قال السفير مصطفى الشربينى، الخبير الدولي في الاستدامة والمناخ ورئيس الكرسي العلمي للبصمة الكربونية والاستدامة بالألكسو- جامعة الدول العربية، إن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة هى إبادة بيئية وكارثة مناخية تهدد الحياة وكوكب الأرض، حيث إن جيش الاحتلال الإسرائيلي يستهلك كميات هائلة من الوقود الأحفوري في الطائرات والمركبات، ما يسهم بشكل مباشر في ظاهرة الاحتباس الحراري، كما أن التفجيرات وغيرها من أساليب الحرب الحديثة تلحق الضرر المباشر بالحياة البرية والتنوع البيولوجي، حيث يمكن للأضرار الجانبية للصراع أن تقتل ما يصل إلى 90% من الحيوانات الكبيرة في منطقة ما وقتل السكان الأصليين وتهجيرهم.

وأضاف السفير مصطفى الشربينى، فى تصريحه للوكالة، أن التلوث الناجم عن الحرب يؤدي إلى تلويث المسطحات المائية والتربة والهواء، ما يجعل المناطق غير آمنة للعيش فيها، مشيرا إلى أن استخدام الأسلحة المتفجرة في الحرب على غزة في المناطق المأهولة بالسكان أدى إلى مستويات مذهلة من الدمار، وهذا غالبا ما يخلق إرثا بيئيا كبيرا، بما في ذلك تكاليف الكربون لإدارة الحطام، ومعالجة المناطق الملوثة وإعادة الإعمار، حيث الدمار واسع النطاق، وتشير التقديرات إلى أن إزالة الأنقاض من غزة وحدها ستتطلب ملايين الرحلات بالشاحنات.

توجيه تهمة الإبادة البيئية من قبل المحاكم الدولية لإسرائيل

وأوضح الشربينى أن الحرب على غزة سوف تؤدي إلى زيادة صافية قدرها ملايين الأطنان من الغازات المسببة للاحتباس الحراري، أي ما يعادل الإنتاج السنوي لعدد من الدول مجتمعة.

وأشار إلى أنه يجب توجيه تهمة الإبادة البيئية من قبل المحاكم الدولية لإسرائيل، وتشمل هذه الجرائم الهجمات على المنشآت الصناعية التي تلوث إمدادات المياه الجوفية والممرات الهوائية والقصف المتعمد لملاجئ الحياة البرية وغيرها من النظم البيئية، لافتا إلى أن الفسفور الأبيض المتفجر جوًا الذي اعتاد الجيش الإسرائيلي استخدامه فوق مناطق مأهولة في حرب غزة هو غير قانوني بما أنه يعرض المدنيين لمخاطر لا ضرورة لها، وانتشار شظاياه المحترقة على مجال واسع يمكن أن يرقى لكونه هجوما عشوائيا بلا تمييز.

ونوه الشربيني بأننا بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد لفهم التكاليف المناخية للحرب وآثارها المدمرة على المناخ والبيئة إذا أردنا تحديد المسارات نحو خفض الانبعاثات وزيادة القدرة على الصمود أثناء التعافي، مشيرا إلى ضرورة دفع الجهود للحصول على دعم من المنظمات في (COP 28) للإبلاغ عن الانبعاثات في الحرب الإسرائيلية على غزة بشكل أكثر شفافية، ومن المهم أن يفهم العالم أن إسرئيل جعلت القضية المناخية واستراتيجية التنمية المستدامة أكثر تعقيدا من ذي قبل.

وذكر الشربينى أن أي زيادة في التوترات الجيوسياسية، أو أي انقسام في التعددية، من شأنه أن يجعل التقدم التعاوني لحل أزمات البيئة والمناخ الكبيرة، أكثر صعوبة، وتشير الأحداث إلى أننا ذاهبون إلى صدمة نفطية سوف تتسبب في رفع أسعار الفائدة العالمية، وأن هذا من شأنه أن يزيد من صعوبة اجتذاب الاستثمار إلى مشاريع الطاقة المتجددة، خاصة في الأسواق الناشئة والبلدان النامية، حيث أصبحت تكلفة رأس المال أعلى كثيرًا بالفعل من نظيراتها في الولايات المتحدة وأوروبا، علاوة على ذلك، حتى الدول الغنية ستجد صعوبة أكبر في إنفاق الأموال العامة لتحويل اقتصاداتها بعيدا عن الوقود الأحفوري وبالتالي تأخر كبير في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتأخر في تحقيق الهدف للوصول للحياد المناخي 2050.

ونوه الشربينى بأنه سيتم التركيز على حساب الانبعاثات في أول تقييم عالمي- وهو تقييم لمدى تخلف الدول عن أهداف باريس للمناخ- المقرر عقده في قمة المناخ COP 28 في الإمارات العربية المتحدة ابتداءً من 30 نوفمبر، مشيرًا إلى أن حالة الطوارئ المناخية العالمية لم تعد قادرة على السماح بحذف الانبعاثات العسكرية والمرتبطة بالصراعات ضمن عملية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.