رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مخطط برافر.. ماذا لو نزح الفلسطينيون إلى صحراء النقب؟

التظاهر ضد مخطط برافر
التظاهر ضد مخطط برافر

ربما تفاجئت الأطراف الدولية بالكرة التى ألقاها الرئيس عبدالفتاح السيسي في ملعب الإحتلال الإسرائيلي الذي  يسعى إلى محاولة دفع السكان والمدنيين الفلسطينيين إلى النزوح نحو مصر، لافتًا إلى أنه "إذا كان من الضروري نقل مواطني القطاع خارجه حتى انتهاء العمليات العسكرية، فيمكن لإسرائيل نقلهم إلى صحراء النقب".

كلمة "النقب" ربما أربكت الحسابات الغربية والعربية التى كانت تدفع بقوة لتنفيذ المخطط الإسرائيلي مقابل حوافز اقتصادية، ظانين أن هذا الأمر ربما يحل القضية ويحقق المراد، وهو ما كشفه الرئيس السيسي أمام العالم بأن نقل الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء، هو نقل فكرة المقاومة والقتال من غزة إلى سيناء، لتكون الأخيرة قاعدة لانطلاق الهجمات ضد إسرائيل، وحينها يكون لها (إسرائيل) الحق في الدفاع عن نفسها، وبالتالي تقوم في إطار رد الفعل بالتعامل مع مصر، وتوجيه ضربات للأراضي المصرية.

ورغم اليقين المصري بأن أي تهجير للفلسطينيين من أراضيهم يفرغ القضية من الأساس وأعلنت مرارًا وتكرارًا رفضها للتهجير إلى أي مكان."الدستور" فى هذا الملف وعبر الحديث مع عدد من الخبراء والباحثين المتخصصين في الملف الإسرائيلي والفلسطيني، فى القاهرة وغزة وعمان، تحاول رسم سيناريو تخيلي حول المتوقع حدوثه إذا نزح الفلسطينيون إلى صحراء النقب، ولماذا تخاف إسرائيل من هذا السيناريو؟

أستاذ بجامعة فلسطين: إسرائيل تتخوف من أن يكون لـ2 مليون فلسطيني حق الانتخاب والترشح

البداية كانت من أستاذ العلوم السياسية بجامعة فلسطين الدكتور تيسير  أبوجمعة والذى كان رده "طبّعا إسرائيل من سابع المستحيلات توافق على ذلك" لأن ذلك يمثل إضافة 2 مليون فلسطيني في النقب إضافة لعرب الداخل المقيمين منذ عام 1948، وسيحق لهم الانتخاب والترشح في الانتخابات المقبلة، وهو ما يخشاه الاحتلال الإسرائيلي خاصة مع زيادة سكانية فلسطينية متتالية تهدد التواجد اليهودي.

الدكتور أبوجمعة أكد لـ"الدستور" أن انتقال الفلسطينيين إلى صحراء النقب تعتبره إسرائيل بأنه يشكل خطرًا ديموغرافيًا وأمنيًا على عمقها الأمني خاصة مع تمدد الفلسطينيين وإمكانية تكتلهم مع عرب الداخل.


صحراء النقب ملوثة بالإشعاع ومقلب لنفايات مفاعل ديمونة النووي

ولمن لا يعرف- تمتد صحراء النقب في المناطق الجنوبية للأراضي الفلسطينية المحتلة بمساحة تتجاوز 14 ألف كيلومتر مربع، وتشترك حدودها مع الأردن شرقا وصحراء سيناء غربًا، ويفصلها عن البحر الأحمر مدينة إيلات من جهة الجنوب، أما من الجهة الشمالية فتعد مدينة الخليل من أقرب المدن الفلسطينية إليها.
ورغم هذه المساحة الشاسعة، فإن عدد السكان بها محدود، ولا يتجاوز عددهم أكثر من 100 ألف مواطن، يعيشون في نحو 46 قرية، منها 36 لا تعترف بها سلطات الاحتلال، كما تعاني التجمعات العربية في صحراء النقب من إهمال واضح من جانب الاحتلال الإسرائيلي، رغم إقامة مشروعات استيطانية وعسكرية في مناطق محدودة من تلك المنطقة، أبرزها مفاعل "ديمونة" النووي.

وقد حذر أحد المشاركين في تأسيس مفاعل "ديمونة" عوزي إيفين من خطورة المفاعل الأقدم في العالم والذي لا يزال يعمل، مضيفًا أنه ينتج نفايات نووية منذ نحو 55 سنة تتراكم وتخزن في موقع المفاعل.
ويقول إيفين إن تلك النفايات المتراكمة لا تقل كثيرًا عن الكمية التي انتشرت في كارثة مفاعل تشرنوبل، منتقدًا طابع السرية الذي تحيط به إسرائيل للمفاعل النووي، ويدعو إلى تقديم كمية النفايات النووية، ومعرفة قدرة التشغيل في المفاعل والمدة التي يعمل بها.
يذكر أنه بعد عشر سنوات على تأسيس إسرائيل، بدأت الحكومة الإسرائيلية تشييد مفاعل ديمونة النووي عام 1958 بمساعدة فرنسية حيث بدء العمل به في 1964.

وبعيدًا عن الإشعاعات الضارة الصادرة عن المفاعل، فإن الفلسطينيين يتهمون إسرائيل بتحويل مدن وقرى الضفة الغربية إلى مكب للنفايات النووية والكيماوية، ويؤدي ذلك إلى انتشار الأمراض المزمنة كالسرطان وتشوّهات الأجنة في أرحام أمهاتهم، والتشوهات الخلقية بنسبٍ مرتفعة مقارنة بالدول المجاورة.

مخطط برافر في النقب

إلى ذلك، يشير الخبراء إلى وجود مخطط جديد- قديم يُعرف بـ"مخطط برافر" (مشروع برافر) وهو  قانون إسرائيلي أقره الكنيست في يونيو 2013، بناء على توصيات لجنة حكومية برئاسة نائب رئيس مجلس الأمن القومي السابق إيوهد برافر عام 2011 لتهجير سكان عشرات القرى الفلسطينية من صحراء النقب جنوب فلسطين، وتجميعهم فيما يسمى "بلديات التركيز"، حيث تم تشكيل لجنة برافر لهذا الغرض، ويعتبر الفلسطينيون هذا المشروع وجهًا جديدًا لنكبة فلسطينية جديدة، لأن إسرائيل ستستولي بموجبه على أكثر من 800 ألف دونم من أراضي النقب وسوف يهجر 40 ألفًا من بدو النقب وتدمير 38 قرية غير معترف بها إسرائيليًا. إلا أن إسرائيل قد تراجعت عن هذا المشروع في ديسمبر 2013، نتيجة للضغوط الشعبية العربية داخل الخط الأخضر.

وتاريخيًا، فقد انتهجت السلطات الإسرائيلية في النقب، ومنذ عام 1948 كل الوسائل وطرق التهجير القسري لتحصر من بقي في أرضه من سكان النقب بعد النكبة، في أصغر مساحة من الأرض تمهيدًا للاستيلاء على معظم أراضيه. وعليه فقد دفعت إسرائيل بمن تبقى بعد النكبة من فلسطينيين إلى مناطق ذات مساحات صغيرة جدًا، وذلك لتفريغ أراضيهم منهم. سُميت هذه المنطقة "السياج" وفُرض على كل من كان فيها الحكم العسكري من عام 1952 وحتى عام 1968، وهو العام الذي بدأت فيه السلطات الإسرائيلية ما يسمى بـ"بلديات التركيز" وهي تجمعات حضرية مفتعلة، هدفت إسرائيل من تأسيسها إلى حشر وحصر من تبقى من سكان النقب الفلسطينيين، بعد تهجير ما يزيد عن 90% من أصل 80 ألف عربي فلسطيني في عام النكبة، لتحويلهم من فئة منتجة في قطاع الزراعة وتربية الماشية إلى عمال يومية يخدمون قطاع الصناعة والخدمات في إسرائيل.


باحثة في علم الاجتماع السياسي: إسرائيل ستشترط أن يكون مفتاح المساعدات الفلسطينية في يدها

بدورها، تعبر الباحثة في علم الاجتماع السياسي سلمى أنور أن إسرائيل لا يمكنها تحويل كامل غزة إلى مستوطنة كبيرة تسيطر عليها حال نفذت ما تخطط له من إبادة الفلسطينيين وتهجيرهم، لا سيما أن الكلام عن عودة الفلسطينيين بعد تهجيرهم مجرد أحاديث واهية.

سلمى أضافت لـ"الدستور" أنها حال نقل الفلسطينيين إلى النقب ستعمل إسرائيل على أن يكون مفتاح المساعدات والتمويلات في يدها وحدها وستشترط ذلك على المجتمع الدولي والمنظمات والوكالات الأممية، ومن هنا ستكون حرب تجويع للعرب هناك، خاصة فى ظل معطيات الحياة الديموغرافية والاقتصادية في النقب.

وتساءلت سلمى عن "مستقبل الجماعة البشرية هناك" وعن "مستقبل القضية الفلسطينية" حال نزوح العنصر البشري من القطاع.

تبادل أراضي النقب.. مقترح رفضه عبدالناصر وعرفات 

ويعود مقترح صحراء النقب ضمن أفكار تبادل الأراضي مع دول الجوار أو مع السلطة الفلسطينية إلى خمسينيات القرن الماضي، وجرى طرحه للمرة الأولى على الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر، وقوبل حينها بالرفض، ثم تجدد الطرح مرة أخرى عام 2000 على الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في مقابل التنازل عن 600 كم مربع من أراضي الضفة الغربية لتوسيع المستوطنات الإسرائيلية، لكن عرفات رفض أيضًا، وهو ما رفضه كذلك الرئيس الراحل محمد أنور السادات ومحمد حسني مبارك.
وواقعة طرح إسرائيل لمشروع تبادل الأراضي كانت تضمن تخصيص مصر مساحات من الأراضي في سيناء للفلسطينيين، في مقابل تسليم إسرائيل أراضي لمصر في صحراء النقب.