رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أكتوبر.. بعيون «أطياف» والشركة المتحدة للخدمات الإعلامية «2-2»

جاء أكتوبر هذا العام حاملًا روحًا حماسية وشعورًا بالعزة والفخر مع تدشين الاحتفالات بمرور خمسين عامًا على انتصار أكتوبر. 

قدمت قنوات الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية عبر قنواتها المتنوعة، وفى مقدمتها قناتنا الحبيبة «الحياة»، معالجات متميزة لجميع جوانب حرب أكتوبر العظيمة، وظهرت عشرات الصور الجديدة والوثائق الصوتية والبصرية والتسجيلات مع أبطال لم نرهم على الشاشة من قبل، وتم تقديم وثائقيات قصيرة عن أبطال أكتوبر.. فعادت أسماء: المشير أحمد إسماعيل، والمشير الجمسى، والفريق سعدالدين الشاذلى، والبطل إبراهيم الرفاعى، وغيرهم كثيرون، للظهور لتأخذ حقها ومكانها المستحق فى ذاكرة الشرف والبطولة.

وتم تسليط الضوء على فترة حرب الاستنزاف، وكم العمليات العسكرية الناجحة التى قام بها جنودنا البواسل خلف خط العدو، وأن مصر لم تقبل الهزيمة فى ٦٧، لأنها كما وصفها رجال قواتنا المسلحة بأنها كانت «هزيمة بلا حرب»، ولم يمر شهر يونيو حتى قام الأبطال باستئناف العمليات وكانت معركة رأس العش، وتوالت عمليات الفرقة ٣٩ وعملية المدمرة إيلات.. ست سنوات كانت التمهيد والتدريب من أجل النصر العظيم.

يقول الكاتب «محمود عرفات»، أحد أبطال حرب أكتوبر واصفًا ما قبل وأثناء العبور فى روايته «سرابيوم»: «قبل الحرب بشهور تحركت وحدتنا إلى القنطرة غرب. فى أول سبتمبر اشتركنا فى مشروع تدريبى كبير.. دام ستة أيام كاملة لم نذق النوم فيها إلا قليلًا. مثلنا عبور القناة على ترعة الإسماعيلية بالقرب من أبوصوير.. عبورًا حقيقيًا. قبل ذلك كنا نمثل العبور على ترعة افتراضية وسط الصحراء. قلت لصديقى: دخلنا فى الجد. قال بحسم: دخلنا فى الجد بعد الهزيمة مباشرة. قلت له: أقصد أن الموعد قرب. فقال: الوقت فات.. القلم مبرى والسن مسنون، والانتظار صعب.

العزيمة فى العيون حد سكين لامع، أو كنصل سيف مشرع تنعكس عليه أشعة متوهجة. توتر الانتظار دفعنى لتأمل الجنود.

عيون القدامى الذين تطعموا بعمليات العبور والاشتباكات الليلية نطقت: نحن لا نعرف الخوف. راقبت المستجدين.. بعضهم زاغت عيناه. لكن طائراتنا التى مرقت فوق رءوسنا على ارتفاع منخفض أطلقت صيحة علت فوق هديرها.. الله أكبر. تبخرت المخاوف واستردت العيون تصميمها وجُمدت المياه فى القناة تحت وقع أقدامنا. وبدا المشروع التدريبى الذى خضناه قبل شهر أصعب مما نفعله ونحن نعبر القناة». 

ولم تكن البطولة عسكرية فقط، بل كانت شعبية أيضًا، فالجيش العظيم الذى عبر كان خلفه جيش آخر من المدنيين، وصفه الكاتب الصحفى محمد توفيق فى كتابه «الكعك والبارود» الجزء الثانى من كتابه «شىء من الحرب»: «الكل شارك فى القتال. ٣٥ مليونًا شاركوا فى هذه الحرب: الطبيب، والمهندس، والمحامى، والصحفى، والسياسى، والعامل، والفلاح، والرياضى، والفنان، والميكانيكى؛ العالم والأمى، الطفل، والشاب، والشيخ، الرجل والمرأة، تلميذ الابتدائى، وأستاذ الجامعة.. جميعهم صاروا جنودًا فى المعركة، وقدموا نماذج ملهمة لأجيال قادمة.

لم يخطر ببال العدو أن يرى فلاحًا يعبر مع الجنود مرتديًا جلبابه غير عابئ بالقنابل التى تتساقط إلى جواره، ولم يصدِّق أن الطبيب المصرى سيقود سيارة الإسعاف، ويساعد فى نظافة المستشفى، ويقاتل من أجل إنقاذ حياة الجرحى، ولم يتصور أن المهندس سيقود بنفسه سيارة (كسح المجارى)؛ لأن سائق العربة استدعى لأداء الخدمة العسكرية، ولم يتخيل أن المدرس تفرغ لإعطاء دروس خصوصية مجانية، بينما ذهب الطالب صائمًا إلى مدرسته ليتعلم قواعد الدفاع المدنى. بدت أشياء خارقة، رغم بساطتها؛ ففى لحظة الخطر، الجميع مد يده للمساعدة».

الشعب المصرى دائمًا ما يقدم النماذج الملهمة فى تخطى الصعاب وإلهام العالم بما يقدمه ويصنعه فى وقت الأزمات، خاصة إن كانت دفاعًا عن وطنه وأرضه. 

خلال احتفلات أكتوبر ظهرت على شاشات التليفزيون لأول مرة حكايات جديدة وبطولات خارقة، كنوز تحتاج إلى التوثيق والاحتفاظ بها كإرث يتنقل من جيل لجيل، بوصلة لنا حين يضطرب الأمر، حصن أمان وقت الخوف. 

وجاء أمس الأول ليكون احتفالًا معاصرًا يؤكد الإحساس بالفخر والعزة مع حفل تخرج دفعة جديدة من طلبة الأكاديمية والكليات العسكرية ٢٠٢٣، الروعة والإبهار فى العروض المقدمة: الطائرات المقاتلة، تشكل فى سماء العرض رقم ٥٠، استعراض طائرات الرافال و«ميج-٢٩» و«اليوشن ٧٦ إم إف».. «النسور المصرية» تسيطر على السماء فى قوة واقتدار، سلاح الفروسية، قوات العمليات الخاصة، رجال الصاعقة والمظلات، رجال القفز الحر لقوات المظلات الذين قاموا بتقديم تشكيل الماسة والمكون من ٥٠ قافزًا، فسجلوا الرقم القياسى العالمى لتشابك ٥٠ قافزًا من دولة واحدة.. التشكيلات بالمعدة دلتا، وغيرها من التفاصيل المبهرة.

الاحتفال بنصر أكتوبر كان مبهرًا وممتدًا من الماضى إلى الحاضر، فتحيا مصر، ويحيا جنودها البواسل فى السلم والحرب.