رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الفنان التشكيلى أحمد نوار: نجحت فى قنص 15 إسرائيليًا على الجبهة وقائد الجيش الثانى منحنى 5 جنيهات «مكافأة» على كل رأس

أحمد نوار والدكتور
أحمد نوار والدكتور محمد الباز

- تلقى تدريبًا أوليًا على الرماية لمدة 45 يومًا.. وكاد يُصاب فى أول عملية بعد اكتشاف موقعه

- تسللت إلى موقع جيد واستهدفت سائق بلدوزر للعدو يضع تحصينات على خط بارليف

- المؤهلات العليا فى الجيش استطاعت فهم الأسلحة الجديدة بسرعة وساعد ذلك فى استعادة الثقة من جديد

- علمت بنبأ العبور وأنا فى إسبانيا وطلبت من السفارة أن أنضم للحرب والسفير قال لى: «لا يوجد أى وسيلة للسفر»

كشف الفنان التشكيلى، الدكتور أحمد نوار، عن التفاصيل الكاملة لفترة تجنيده فى القوات المسلحة خلال حرب الاستنزاف، وكيف تم اختياره ليكون قناصًا على خط الجبهة، وكيف بذل جهودًا لقنص أعداد كبيرة من جنود العدو الإسرائيلى.

وخلال حواره مع الكاتب الصحفى الدكتور محمد الباز، عبر برنامج «الشاهد» على قناة «إكسترا نيوز»، قال أحمد نوار إن قائد الجيش الثانى الميدانى، اللواء عبدالمنعم خليل، كان يعطيه خمسة جنيهات على كل رأس يقنصها من جنود العدو، مشيرًا إلى أن «التحول الذى حصل له نفسيًا من فنان لمقاتل، كان هو الذى يحركه بشكل كبير جدًا، فأصبحت القوات المسلحة جزءًا لا يتجزأ من كيانه».

■ بدل السفر إلى إسبانيا وجدت نفسك على الجبهة.. كيف كان شعورك فى تلك اللحظة؟ 

- التحاقى بالجيش كان صدمة، لأنه لم يصلنى إخطار للانضمام للقوات المسلحة، وفوجئت بالقرار عندما توجهت لمنطقة التجنيد للحصول على إذن سفر، لكنها كانت صدمة إيجابية، كنت قد رسمت لوحة عن المقاتل المصرى بعد حرب ١٩٦٧، نقلت فيها إحساسى ورؤيتى، واشتركت بها فى مسابقة دولية فى إسبانيا، وحصدت الجائزة الأولى على العالم، الحكومة الإسبانية أعطتنى منحة للدراسة ٤ سنوات، وبدأت إجراءات السفر، وقالوا لى «لازم موافقة القوات المسلحة»، وكنت معيدًا فى الجامعة، ولدىّ تأجيل حتى سن ٢٧، سافرت إلى الإسكندرية، حيث منطقة التجنيد، فنظر لى الموظف بابتسامة خفيفة، وقال لى «يا ريت حضرت قبل ٤ أيام، لأنه صدر قرار بمنع السفر»، وقال لى «أنت بقيت جندى فى القوات المسلحة، هتكشف وتاخد رقم»، وبعد عدة ساعات أصبحت جنديًا.

■ كنت شابًا فى العشرينات ورسمت لوحة المقاتل المصرى.. ما ملامح اللوحة والفكرة عن هذا المقاتل؟ 

- كانت رؤيتى من البداية عن حرب ٦٧ أننا لم نقاتل، لم يحدث قتال، بدليل أن الجيش المصرى فى جميع المعارك انتصر فى كل المواجهات بعد ذلك، رأيت الجندى المصرى بعد ٦٧، ورأيت أنه بداخله تكمن إرادة قوية نابعة من مصريته وحضارته، إنسان له تراكم حضارى، فرسمت وجهًا له عيون فى جميع الاتجاهات، وهى مرتبطة بأسلحة متجهة فى جميع الاتجاهات، فيها إرادة وقوة واستعداد وترقب وآمال، لوحة المقاتل المصرى أبيض وأسود مقاسها ٦٠ فى ٦٠، لكنها كانت معبرة جدًا عن رؤيتى بأننا لم نحارب.

■ كان لديك نضج مبكر فى تصوير الحالة الشعورية وسط حالة سخرية من المقاتل المصرى.. كيف وجدت نفسك بعدما أصبحت مجندًا؟

- تلقيت تدريبًا أوليًا على الرماية لمدة ٤٥ يومًا داخل مركز تدريب، ثم وجدت القيادة أن لدىّ مهارة دقة التصويب، فرشحونى لسلاح جديد وهو سلاح القناصة، كنت أول دفعة فيه، وبعدها أخذت دورة أخرى فى السلاح، أعجبت به جدًا، وتحولت فكرة الفن إلى طاقة تحولت بدورها لإرادة مختلفة، أحببت القناصة، ووجدت أنها شىء ضخم جدًا ومهم، استدعينا من الذاكرة أفلام القناص الأمريكى والروسى.

■ احكِ لنا تفاصيل أول عملية قنص لك.

- أول عملية قنص كنت أنا الهدف فيها، قناص إسرائيلى أطلق علىّ رشقة من الرصاص مرت فوق رأسى، وكنت قد راقبت الهدف لمدة أسبوع، وكان قناصًا إسرائيليًا فى الموقع الجنوبى، لكنّ جنديًا إسرائيليًا فى الموقع الشمالى لمحنى، أطلق علىّ دفعة من الرشاش.

كنت قد رأيت المنطقة جيدًا، تعرفت على موقع الدفرسوار، عن طريق نقط الاستطلاع، بدأت أكتشف منطقة فيها نقطة استطلاع، و«كان فيه واحد يظهر ويختفى فى المنطقة الجنوبية»، فقلت إنها نقطة مراقبة، راقبته أسبوعًا، حددت مكانًا، وزاوية ١٢٠، موّهت المكان، وحددت الوقت الذى سأضرب فيه، بدأت و«القيادات عارفين إنى هانفذ عملية القنص»، نظرت للتلسكوب وركزت عليه، فوجئت بأن شخصًا آخر معه رشاش فى شمال الموقع الإسرائيلى، أطلق دفعة من ٨٠ طلقة مرت كلها من فوق رأسى.

زملائى أدخلونى الملجأ، وشعرت بأننى فقدت الثقة، لأننى فشلت فى أول عملية قنص، وتأثرت نفسيًا، وزملائى عملوا على إفاقتى، وبعد ساعتين عدت للموقع، وجدت أن الجندى الصهيونى لم يبلغ الموقع الجنوبى بوجود قناص مصرى يحاول استهدافهم، فسرت فى لسان البحيرات المرة، وجدت بين المراكب مثلثًا مضيئًا، ووجدت الجندى الإسرائيلى فى الموقع الجنوبى ما زال يختفى ويظهر، أحضرت شيكارة رمل، وأغلقت المثلث، حتى لا يرانى القناص الإسرائيلى، ووضعت البندقية والتلسكوب، واستعدت توازنى، وحاولت بقدر المستطاع ألا أتحرك وألا أتنفس، ركزت على الهدف، الذى ظهر لمدة ثوانٍ، وقنصته، وعدت، المسافة من موقع القنص للملجأ التى يبلغ طولها ١٥٠ مترًا، كأنى طائر فى الهواء، لأن الدبابات الإسرائيلية ضربت كل التحصينات فى لسان الدفرسوار، ومدفعية الهاون الإسرائيلية مسحوا المنطقة كلها.

أنا أبلغت عن الواقعة، لكن بلاغى لا يعتد به إلا إذا أبلغت نقط استطلاع الجيش والمخابرات العسكرية أن الطلقة حققت الهدف، لأنهم يرون موقع العدو بتفاصيله.

■ حين تم إبلاغك رسميًا بنجاحك فى أول عملية قنص.. كيف كان رد فعلك؟ 

- ثقتى زادت وأخذت الأمر كهواية، كنت أظل ٢٤ ساعة مستيقظًا، أصحو فى الفجر «أشوف مين بيتحرك»، نجحت فى قنص ١٥ إسرائيليًا خلال سنة ونصف السنة، من بداية تجنيدى كقناص، حتى وقف إطلاق النار فى سبتمبر سنة ١٩٧٠، وفى كل مرة كانت هناك حالة مميزة، لأن العدو ذكى جدًا فى أعمال التمويه والخداع، كل يوم يطورون أنفسهم فى التمويه، خاصة تمويه القناصة، فى البداية القناصة كانت مكشوفة، لما بدأت فى اكتشافهم أجروا تمويهًا.

كان القناص فى البداية يتحرك فى ملجأ وفوق شباك تمويه، ولأننى فنان ودارس للظل والنور، كنت أرى رأس القناص وبندقيته، وأننى أصبت هدفًا تحت الشبكة، وحينها غيّروا التمويه خلال ٢٤ ساعة، وأحضروا مخلفات وبراميل كبيرة وألواح خشب وحديدًا وغطوها بشباك.

أحد القناصة الإسرائيلية دخل فى برميل، وكانت الشمس خلفه، وكان ظاهرًا داخل البرميل فى دائرة مضيئة مثل خيال الظل، أصبت هدفًا داخل البرميل، وكنت كلما أكتشف نوعًا جديدًا من التمويه، يغيرونه.

كان العدو يستخدم الخداع البصرى فى بناء خط بارليف، ولم نأخذ بهذه النظرية، لكن خط بارليف عبارة عن نقاط قوية، هم يضعون خيشًا وأخشابًا، وفى اليوم الثانى ينقل موقع هذه الأخشاب، وأصبح خط «بارليف» أعلى من المعتاد، وقنصت قائدًا بالجيش الإسرائيلى من ظله، وكنت أتبنى نظرية أنه كلما كان الظل مساويًا للجسم الأساسى والطبيعى، كان ملتصقًا بساتر الخيش والأخشاب. 

■ حدثنا عن أسرع مرة قنصت فيها أحد جنود العدو.

- قنصت أحد الأعداء وهو يستحم أمام أحد الملاجئ الخاصة بالعدو، وكان لا يُرى إلا من زاوية حادة جدًا، فقنصته، وأصبت أحد الأعداء فى نفس المكان، وكانت مدافع الهون من العدو تضرب على مكان تمركزى، وكانت أصعب عملية استغرقت مدة فى الانسحاب، وكان البلدوزر الخاص بالعدو يعمل منذ الفجر على خط بارليف، وصعدت للدفرسوار وأخذت زاوية مغلقة وأصبت سائق البلدوزر.

■ ما العقيدة التى كانت تحركك فى الأساس؟

- بعد اندماجى فى صفوف القوات المسلحة، شعرت بأننى جزء لا يتجزأ من هذا الكيان، وكان بداخلى شعور أنه لا بد من خروج العدو من سيناء، وكان لدىّ إلحاح فظيع بهذا الشعور، فالتحول الذى حصل لى نفسيًا من فنان لمقاتل، كان هو الذى يحركنى بشكل كبير جدًا، واللواء عبدالمنعم خليل قائد الجيش الثانى كان يعطينى ٥ جنيهات على كل رأس من العدو أصيبه.

■ ما الشعور الذى لازمك فى هذه الفترة؟ وكيف تعاملت مع فكرة الموت؟ ولماذا كتبت وصية لزملائك الجنود؟

- كان مثل شعور معظم زملائى على الجبهة أنه لا بد من طرد هذا العدو من سيناء، وأننا جميعًا فداء لسيناء ولتحرير الأرض، هذا كان الشعور، وكنا نموت كل ثانية، وعندما كانت أسلحة العدو تضرب الدفرسوار بالصواريخ والمدافع والطيران، كان لدينا شعور بالموت فى كل لحظة، وكنت أموت فى كل لحظة، فجاءتنى فترة ظننت أنه لا بد أن أكتب لزملائى المقاتلين لأشجعهم على القتال فى كل لحظة، فكانت هذه الوصية لتشجيع ورفع الروح المعنوية للمقاتلين.

■ كيف استقبلت خبر العبور فى أكتوبر ٧٣؟

- خرجت من القوات المسلحة فى عام ١٩٧٠ بعد وقف إطلاق النار، عندما أصدر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر قرارًا بتسريح معيدى الجامعة والمدرسين، سافرت لإسبانيا، وهناك استقبلت خبر العبور بغاية السعادة والفرح، وطلبت من السفارة أن أنضم للحرب، وكان السفير لديه خلفية عسكرية، وقال لى إنه لا يوجد أى وسيلة للسفر فى توقيتها.

■ كيف تترجم حرب الاستنزاف عمليًا؟

- الجيش بعد ٦٧ لم يكن يصلح للعبور فى ٧٣ لعدة أسباب، منها عدم توافر الثقة وآليات الجيش الحديثة، والفريق محمد فوزى هو من تولى بناء الجيش مرة أخرى، وتطوير الجيش بالأسحلة الحديثة، وكنا أمام عدو لديه كل الأسلحة الحديثة من أمريكا، وكان لا بد من تطعيم الجيش بالمؤهلات العليا، لأنهم كانت لديهم سرعة استجابة فى التعامل مع الأسلحة الجديدة.

كان لا بد من تطعيم الجيش بالمؤهلات العليا خلال حرب الاستنزاف، حيث كان قرارًا سياديًا فى غاية الأهمية، وقد كان لدى المؤهلات العليا سرعة استجابة فى عملية استيعاب التكنولوجيا الحديثة، وهو ما يعتبر إضافة نوعية للجيش. 

المؤهلات العليا فى الجيش استطاعت أن تتفهم الأسلحة الجديدة بسرعة وتستخدمها، وخلال الفترة من ١٩٦٨ حتى ١٩٧٠ تم تنفيذ الآلاف من العمليات الفدائية داخل سيناء خلف خطوط العدو، وكانت كلها ناجحة. 

ونجاح هذه العمليات كان له دور كبير جدًا فى بناء الثقة لدى جنود القوات المسلحة، كما أحدثت حالة من الخوف والذعر فى الجيش الإسرائيلى، لأنه يفاجأ بأن المصريين خلفه وليس أمامه.

■ بمَ تفسر تعامل الناس على أن حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر حربان مختلفتان رغم أن العملية منذ ٥ يونيو ١٩٦٧ حتى أكتوبر ١٩٧٣ هى حرب واحدة ومعركة واحدة؟

- إن آلاف العمليات الفدائية كان هدفها تدريب الجنود والمقاتلين وتحصينهم وتأهيلهم، لأنهم دخلوا بالفعل ليحاربوا، وهو ما يحسب للصاعقة والاستطلاع والفدائيين.

إن جميع الجنود من السويس إلى بورسعيد الذين كانوا على الخط الأول والخط الثانى والمدفعية الثقيلة والصواريخ، تم تدريبهم جميعًا على التعامل مع العدو الإسرائيلى، وذلك خلال أكثر من سنتين ونصف السنة، كما أن حائط الصواريخ الذى تم بناؤه فى عهد الرئيس جمال عبدالناصر هو الذى حمى العبور، حيث قطع حائط الصواريخ اليد الطولى لإسرائيل، لمسافة ٣٥ كيلومترًا فى عمق سيناء لا يستطيعون خلالها الاقتراب.

وقبل وقف إطلاق النار فى سبتمبر ١٩٧٠م، كان الجيش الموجود على الجبهة كله قد تدرب على أن يعبر قناة السويس ليلًا، وأنا قد عبرت ٦ مرات، وكان العبور كله عبور استطلاع غير هادف لاشتباكات، إلا إذا اكتشف العدو مجموعة من المجموعات، فكان لا بد أن نشتبك معه حينها، وبالتالى فإن الجنود أصبحوا مؤهلين، لأن هناك ٦ سنوات تم خلالها التدريب والإعداد لحرب أكتوبر. 

■ هل أدينا واجبنا تجاه من حاربوا واستشهدوا وأصيبوا فى الحرب من خلال التوثيق لبطولاتهم؟

- لم نقم بواجبنا تجاه أبطال حرب الاستنزاف أو حرب أكتوبر، من حيث التوثيق لبطولاتهم من خلال الأعمال الفنية فى السينما أو الدراما.

أنا أكتب عن الحرب منذ السنة التى دخلت فيها الجيش حتى الآن، وأشعر بأننى ما زلت لم أصل للمستوى المطلوب، رغم كل اللوحات والمعارض التى قدمتها، ورغم كل إنتاجى عن الحرب وعن إرادة الوطن.

وكتبت مشروعًا لإنتاج أفلام روائية وقدمته للرئيس مبارك، وحاز اهتمامًا من الرئاسة، وتم إيصاله إلى عدة جهات متمثلة فى الإعلام والثقافة والدفاع، وكانت وزارة الدفاع الوحيدة التى اهتمت، وقالوا إن كل ما يخص الشق العسكرى نحن مستعدون لتقديمه.

كما أنه توجد سيناريوهات تمت كتابتها عن حرب أكتوبر، على سبيل المثال محمد السيد عيد كتب سيناريوهات، ونحن خسرنا الكثير بعدم إنتاجنا أفلامًا حتى ولو قصيرة عن العمليات الفدائية. 

وبناء حائط الصواريخ يعتبر أسطورة، فهو يمتد من السويس إلى بورسعيد، عندما عمل الجنود المصريون على بناء القواعد ضربتهم إسرائيل بالنهار على طول الجبهة التى تبلغ ١٦٠ كيلومترًا، وعندما قرروا العمل ليلًا، اخترعت إسرائيل لمبات تنزل بباراشوتات تضىء لها عددًا من الكيلومترات، فأضاءوا الجبهة كلها وضربوا الجنود المصريين، ومن ثم فكرت القيادة المصرية فى بناء القواعد فى المنطقة المركزية سابقة التجهيز، ومن ثم نقلها للتركيب، وهو ما يعتبر ملحمة، حيث استشهد الكثير من العمال، وعمال آخرون كان الضرب يتم فوق رءوسهم، لكنهم كانوا يصرون على مواصلة العمل، ولذلك كتبت مقالًا قريبًا بعنوان «حرب بناء حائط الصواريخ» الذى بدونه لم يكن سيحدث العبور، إلا إذا تم العبور ليلًا وبشكل مفاجئ للعدو.

■ لك تاريخ طويل فى العمل الأكاديمى والثقافى والإبداعى، والكثير من المعارف الثقافية، لكن دائمًا ما تكرر أن الفترة التى قضيتها بالقوات المسلحة أهم فترة فى حياتك.. لماذا؟

- الفترة التى قضيتها بالقوات المسلحة هى أهم فترة فى حياتى، لأننى شعرت بأن كل طاقتى وإرادتى وحياتى ملك لشىء كبير رائع وله قيمة فى الوطن، لا يوجد أغلى منه، وقد بذلت جهودًا كبيرة للغاية لتحقيق ذلك بقدر المستطاع، سواء فى القناصة أو العبور أو الرسم أو مع الجنود الذين كانوا معى، لأننى كنت قائدًا لـ٣٠ جنديًا، ولذلك فإن كل إهداءاتى على الكتاب الذى كتبته أقول فيها إنها أغلى فترة فى حياتى، وكتبت أن هذا الكتاب هو إهداء من الجندى أحمد نوار إلى شباب مصر، وهى الطبعة السادسة من الكتاب.

وحرصت على إهداء هذا الجزء من الملحمة الخاصة بحائط الصواريخ للشباب، لأننى أجريت لقاءات كثيرة مع الشباب بجامعتى حلوان والمنصورة.

الفكرة أن الطلبة لم يعيشوا الحرب، والحرب ليست مجرد حكاية للقتل أو التدمير، لكنها أكبر من ذلك بكثير، لأنها حفاظ على الوطن وكرامته وعزته، التى لن تتحقق إلا بإرادة الشباب الموجود فى هذا الوطن، وكلامى مع الشباب عن عبورى قناة السويس وعملى كقناص عندما كان عمرى ٢٢ سنة، يحرك فى الشباب جزءًا كبيرًا من الانتماء وحب الوطن والدفاع عنه، وبالتالى هى قضية فى غاية الأهمية لا بد من الاستمرار بها.

■ كيف استخدمت العلم فى خدمة المعارك الخاصة بحرب الاستنزاف؟

- القضايا الإنسانية كانت فى مقدمة اهتماماتى الفنية، معظم لوحاتى ومعارضى الفنية عن حرب الاستزاف والعبور.

فكرة اهتمامى بالقضايا والعدالة الإنسانية على مستوى العالم، بدأت منذ سنة ٥٦، عندما رسمت عن التفرقة العنصرية وجنوب إفريقيا وحرب فيتنام وفلسطين واللاجئين، وتعمقت الفكرة عندما زرت القدس عام ٦٦ سيرًا على الأقدام، وشاهدت الجندى الصهيونى أمامى، وعندما اشتركت فى الحرب تعمقت لدىّ فكرة العدالة الإنسانية وحقوق الإنسان، وكل هذه الأمور تفاعلت بداخلى، وبدأ عملى كله يعبر عن قضايا الإنسان. وحتى الآن معظم لوحاتى عن حرب أكتوبر والعبور المجيد، وجاءنى تكليف من قيادة الجيش الثانى الميدانى برسم بعض المواقع لتشاهدها القيادات، ورسمت بعض المواقع واستعنت بنقاط الاستطلاع الخاص بالجيش، وكانت بها علامات إرشادية كان يستعين بها الفدائيون فى عبورهم فى عمليات خاصة، وعندما رسمت الدفرسوار، تم نقلى فى أكثر من موقع حتى أرسم أكثر من موقع عسكرى.